مجلة الرسالة/العدد 286/المسرح والسينما

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 286/المسرح والسِّينما

مجلة الرسالة - العدد 286
المسرح والسِّينما
ملاحظات: بتاريخ: 26 - 12 - 1938



آراء أعضاء لجنة القراءة

في الفرقة القومية

نعود الآن إلى الآراء التي أبداها أعضاء لجنة القراءة لنتبيّن منها مدى معرفتهم فن الرواية، وروح المسرح، وخاصية الناقد، إذ على الإدراك الصحيح يقوم البناء الصحيح للمسرح، فأعضاء اللجنة يرى - من تكلم منهم ومن آثر الصمت - (1) شبه طفرة في الرواية المؤلفة مما يدل على أخذ الفكر الروائي في نضوج سريع (2) وأن الفرقة لم تبلغ الكمال ولم تقترب منه بعد إنما هي تمضي سراعاً إلى الكمال (3) وأن رأي النقاد المسرحيين يجب ألا يدنو من النواحي الفنية والخلقية والاجتماعية واللغوية، لأنها من اختصاص أعضاء لجنة القراءة وحدهم (4) وأن اختصاص النقاد يجب ألا يتعدى ناحية إخراج الرواية ومعدات الإخراج وطول الرواية وقصرها عن الوقت المناسب (5) وأن حكم النقاد على أن الرواية قيمة أو ليست قيمة، أو مناسبة أو غير مناسبة، فمن عمل اللجنة وحدها (6) وأن ليس في مصر الآن نقد فني قوي يستطيع أن يسقط الروايات أو يعليها (7) وأن النقد الحالي محاولات أولية قائمة على مدح مفرط من غير أسباب فنية، أو ذم مفرط لأسباب شخصية (8) وأنه أن كان هناك نقد قوي فأعضاء اللجنة نقاد أيضاً (9) وأن النقاد يبدون آرائهم في الرواية حيث يكون الأمر قد انتهى وخرج من يد اللجنة، وأن الكرامة تأبى على مدير الفرقة سحب رواية وضح فشلها (10) وأنه قد يحدث أحياناً أن ترجع اللجنة بواسطة مدير الفرقة بالضرورة إلى رأي كبار المخرجين وكبار الممثلين لترى إذا كان يمكن تمثيل الرواية على الصورة التي قدمت بها (11) وأن كبار المؤلفين لا شيء يبعدهم عن الفرقة سوى تهيبهم كتابة الرواية المسرحية ووقوفهم في صف واحد مع الكتاب الناشئين

هذه خلاصة لما يراه أعضاء لجنة القراءة وهم عمد المسرح الحقيقيون ودعامته القوية، ولكن ما قول هؤلاء الأعضاء الأجلاء إذا كان فن الرواية، وروح المسرح، والواقع المنظور المحسوس الملموس تنكر عليهم دعاواهم؟ ما قولهم إذا لم يكن في البلد أديب واحد يقرهم على أقوالهم وهي التخبط بعينه؟ ما قولهم وقد دلت أقوالهم على أنهم في درك الواد وأن فن المسرح والرواية في القمة الشاهقة؟ ما قولهم وقد كاد الأدباء يجمعون رأيهم يأساً وقنوطاً على ضرورة إهمال الروايات المؤلفة والالتفات إلى الترجمة فهي أقل أذى للنفوس من الروايات الموضوعة؟ ما قولهم في أن الروايات التي قبلتها الفرقة وبذلت الحكومة من أجلها من أموال الأمة مبلغ ستين ألفاً من الجنيهات هي أقل قيمة وأحط معنى ومبنى من الروايات التي كانت تمثلها فرقة السيدة فاطمة رشدي وفرقة رمسيس في بداية أعمالهما؟ ما قولهم في أن الأدب والأدباء والفن والفنانين، وكل من يشيع فيه روح الغيرة على الأدب والفن يصرخون في خمسة شيوخ جامدين، جامدين، جامدين، وغرباء جد الغربة عن روح العصر ووحي البيئة والجيل؟

أيريد هؤلاء السادة الأجلاء المعترف لهم بعلمهم وأدبهم وفضلهم وغيرتهم على الثقافة العامة أن نقول لهم: اعتزلوا أيها السادة أماكنكم قبل أن يقبض أعضاء البرلمان أيديهم عن الفرقة وهي جد عزيزة علينا؟

أيريد هؤلاء السادة الأجلاء المعترف لهم - مرة ثانية - بعلمهم وأدبهم وفضلهم وغيرتهم على الثقافة العامة أن نقول لهم بصراحة أن ليس فيهم من يعرف حدود المطلوب منه، أو المطالب به فينتحل كل واحد لنفسه السلطة التي يشتهيها، والأستاذية التي يفرضها على الناس، والحق في الطعن في ذوق الأمة وفي كفاية المثقفين

أيريدون الاطلاع على بواعث ما انتابهم أحرج الصدور وأرهف الأقلام لنقد أعمالهم؟

الباعث الأول - في اعتقادي - هو الإدارة الفوضى التي يتولها ذهن هو مثال لعداوة النظام وحب الاستئثار

فالنظام يقضي أن يتولى مدير الفرقة بذاته وبمؤازرة سكرتيره الفني فحص الروايات التي تقدم إليه والتي يكلف تراجمة أكفاء بترجمتها فيختار ما يصلح منها، أي ما يوائم (رسالة) الفرقة الثقافية

والنظام يقضي بأن يستعين مدير الفرقة بأعضاء لجنة القراءة على فحص الروايات التي تقدم إليه، لا أن يتخذ منهم أساتذة أو مستشارين أو غلالة يستر ضعفه ورائهم. والنظام يقضي أن تؤلف لجنة من الممثلين والمخرجين تكون مسؤولة عن فشل الرواية أو سقوطها لأن لهؤلاء دراية فنية تكتسب بالمران ليس للمدير نظيرها ولكن الفوضى، بله الضعف الإداري بأوسع معانيه، وافتقار مدير الفرقة إلى معرفة فن المسرح وفن الرواية، وهو الذي جعل لأعضاء لجنة القراءة قوة غير قوتهم وسلطاناً غير سلطانهم، وسول لبعضهم أن يفضح ذاته ويعرض أقرانه للفضيحة، فاضطرنا ذلك إلى نقل مركز الثقل من على كتف المدير المسؤول لنضعه على أكتاف من تطوعوا لتحمل المسؤولية لوجه شيطان الكبر والإدعاء

يحسن الوقوف قليلا عند رواية طبيب المعجزات، أولا لأنها الرواية المصطفاة من بين الروايات التي حازت جائزة المباراة؛ ثانيا لأنها توضح بأجلى بيان مبلغ فهم القائمين على شئون الفرقة للفن المسرحي والتأليف الروائي. ورواية طبيب المعجزات هذه كما لخصتها في مقال سابق معتمداً على قراءتها قبل تمثيلها وقد استبدلت خاتمتها بسواها، تدور حول طبيب استغرقه البحث العلمي فتوصل بعد جهد ومثابرة إلى إكسير يطيل الحياة مئات من السنين؛ وإذ يبلغ الأمة خبر هذا الاختراع العجيب من الصحافة التي رصدت له أوجه صفحاتها تهلل وتكبر وتفرح بطول الحياة، ثم تشارك الحكومة الأمة في تقدير العالم الجليل فتمنحه رتبة الباشوية وألزمت الناس بالتطعم بهذا الطعم.

ينام الطبيب فتتجلى له في الحلم مضار اختراعه. فيرى الحكومة تكلفه رسميا إلقاء محاضرة يوضح فيها خواص الإكسير، ويسمع أسئلة الناس تنهال عليه.

ونسمع الطبيب يوضح خواص اختراعه فيقول إن الرضيع تدوم مدة رضاعته خمس عشرة سنة، ويبلغ سن الرشد في سن المائتين والخمسين، وهكذا تتراكم على الطبيب الخيالات في الحلم فتهدم ما بناه في اليقظة.

هذه هي، رواية الموسم، هل تجد فيها (الفكر الروائي الناضج) أم هي (كوميديا) من النوع الذي يسر بعض أوساط من الناس عائشين على هوامش الحياة؟ هل يمكن أن تكون هذه الرواية أنموذجاً للكمال الذي قال فيه أحد أعضاء لجنة القراءة (إن الفرقة تمضي سراعاً إلى الكمال)؟

ابن عساكر