مجلة الرسالة/العدد 282/يا فلسطين

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 282/يا فلسطين

ملاحظات: بتاريخ: 28 - 11 - 1938



للأستاذ محمد بهجة الأثري

إلى شهداء الحرية من أحفاد صلاح الدين، إلى أشبال أسود حطين، إلى المجاهدين المرابطين في سبيل الله

الأثري

اصبِري في الحادث المستفحلِ ... إنما العزّةُ أَنْ تَسْتَقْتِلِي

واسألي (نيرونَ) يُذْكِي نارَهُ ... في سواد البأسِ نُورُ الأَمَل

واُنْهَدِي ما قارع الحقُّ هوًى ... باطلاً يوماً ولم ينْخَذِلِ

لا تُراعِي من كَمِيّ مُبْطِلٍ ... قوّةُ الحقِّ سلاحُ الأَعْزَلِ

أو تُمدِّي من يدٍ ضارعةٍ ... تسألينَ العدلَ من لم يَعْدِلِ

عَزَّ هذا الحقُّ إلا بدمٍ ... جامحِ النَّزْوَةِ حُرٍ يَغْتَلي

فَأَريقيهِ رخيصاً هَيِّناً ... يا فِلَسْطِين وإِلاّ تْؤكَلي

أحرزَ الغايةَ مَنْ حاوَلَهَا ... وحوى النصرَ الذي لا يَأتَلِي

ليس ما دوّى حديثاً أولاً ... عنكِ. كم مَرَّ له من مَثَل!

أيقظ الشجوَ: فمن قلبٍ هفا ... واهنَ العزم، وجَفْنٍ مُسْبِلِ

غير أنّي - والهوى مختلفٌ - ... سرَّني من حيث أحيَا مأملي

كنتُ أخشى، والقُرى أضحتْ قِرى ... أَنْ تكوني من كريم المأكَل

فإذا الدم أَبِيَّا يغتلي ... وإذا الروحُ عزيزاً يعتلي

وإذا القومُ الذي أيأسني ... جامحُ الثورة ماضي المُنْصُلِ

من شبابٍ كشراراتِ الغَضا ... وشُيُوخٍ كصَياصِي الْجَبَلِ

وعَقيلاتٍ كأمثالِ الدُّمى ... هِجْنَ أمثالَ الأُسُودِ الْجُفَّلِ

سِرْنَ صدرَ الصفِّ سرباً باسِلاً ... يتحدَّيْنَ حِرابَ الْجَحْفَلِ

أيُّ معنى عبقريّ لاَح في ... خوضِهنَّ النارَ خوضَ البَطَل

يا وقاها اللهُ أنفاسَ الصَّبا ... كيف قاسَيْنَ سَمُومَ الْجُهَّلِ!

أيها الجيشُ الذي ناضَلَها ... قد عرفناك منيع المَعْقِلِ فَتَرَنحْ نَشْوَةً أَنْ رُعْتَهَا ... وهي عَزْلا من ظُبيً أو أَسَلِ

واسترِ الوجهَ أو أكشِفْهُ فلا ... تَخْشَ أَنْ يغشاه عارُ الْخَجَلِ

معشرٌ مستوحشٌ ما هذَّبتْ ... من حواشيهِ وصايا الرسُل

إِيه (جُونْ بولُ). وما شئتَ فخُذْ ... فيهِ من مكر عَوِيصِ الْحِيَلِ

قد كشفنا كلَّ كيدٍ مُخْتَفٍ ... وحللنا كلَّ عَقْدٍ مُعْضِلِ

ألصَّهايين؟ فَمنْ هُمْ في الملأ؟ ... أَوَ ليسُوا خَوَلاً من خَوَل؟

إنما أنت الذي ينصُرُهُمْ ... يا عدوَّاً جاَء في زِيّ وَلِيّ

لن تكونَ الدهرَ من أكفائِنا ... أَبَداً في هَيِّنٍ أو جَلَلِ

أبشري إِنَّ الصباحَ المُرْتجى ... يا فِلَسْطِينُ أراه يَنْجَلي

كيف لم ترتقبي من فَرَجٍ ... وَبنُوكِ الصِيدُ حرزُ المَوْئل؟

أنا لم أحسَبُ، وهذا روحُهُمْ ... أَنْ تَظَلِّي تحت حكم السفَلِ

سنةُ الكونِ التي نعهَدُها ... أن يكون النُّجْحُ حظّ الأمثل

ساعِفي (بغدادُ) أنضاَء الوغى ... من بني العمّ وراَء (الكرمل)

رَحِمٌ مَوْصُولة أوشاجُها ... لم يُقَطِّعُهاَ نَكاَلُ الدُّوَلِ

طالما رامُوا تفاريقَ العصا ... والعصا تلقَفُ كيد الدجَل

حَيِّهَا جامِعةً مَرْجُوَّةً ... من تُخُوم (الريف) حتى (المَوْصِل)

إنّي أَلْمَحُهَا ظافرةً ... تستقِلُّ التاجَ مَنْضُور الْحُلِيّ

للِعدا اليوم، وهُمْ ينضُونَهُ ... لا تَظَلُّ الشمسُ فوق الْحَملِ

وأرى في مَطْلَعِ الآتي لنا ... منزلَ البدرِ ومَرْقَى زُحَلِ

خَلِّ عنكَ اليأسَ يَنْأَى جانباً ... يا كليلَ العزمِ وأصحَبْ أَمَلي

انطوى الماضي فلا تنشُرْ له ... صُحُفاً نَضَّاحَةً بالعِلَلِ

وأتى يومُكَ يسعى دائباً ... فارتقِبْ شارقةَ المستقبل

(بغداد)

محمد بهجة الأثري