مجلة الرسالة/العدد 282/بيت المغرب في مصر

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 282/بيت المغرب في مصر

ملاحظات: بتاريخ: 28 - 11 - 1938



للأستاذ سيد قطب

هيأ عقد المعاهدة بين مصر وإنجلترا الدولة المصرية الحديثة، أن تنتهج سياسة شرقية عربية كانت تطمح إليها من قبل، فيحول دون انتهابها أولاً مشاغل الوطنية باستكمال الاستقلال، وثانياً تيارات السياسة الاستعمارية المضادة للوحدة العربية الشرقية

وتطرق مظاهر هذه السياسة الجديدة في التفكير المصري الآن، وتتحقق بوسائل عملية لم تكن بارزة من قبل

فالأزهر اليوم يرحب بالبعثات الشرقية عامة، وهو وإن كان من قبل مثابة طلاب هذه البلاد، إلا أنه في هذه الأيام يشملهم برعاية خاصة، تتوجها رعاية الفاروق العظيم لهذه البعوث التي تفضل جلالته فجعل الأنفاق على الكثير منهما من جيبه الخاص

والجامعة تزخر بالكثيرين من أبناء البلاد الشقيقة، وتسهل لهم الطرق لاستكمال دراستهم بها

ودار العلوم تهم بإنشاء قسم داخلي للإخوان الشرقيين بها، مبالغة في توفير أسباب الراحة والدراسة المنظمة لهم

وفي الوقت ذاته تتجه مصر إلى جاراتها العربية للنظر في توحيد البرامج أو تقريبها على الأقل، ويعقد مؤتمر في تونس للثقافة العربية قوامه الأساتذة المصريون

وكلك تمد مصر يدها بخيرة أبنائها لهؤلاء الجيران الكرام، يحملون إليهم العلم والنور والخبرة في شتى الشئون

هذا كله في عالم الثقافة، فأما في عالم السياسة فأن قضية فلسطين كانت محكا لتوثق الروابط بين مصر والبلاد العربية كلها؛ وقد نالت هذه القضية عطف كل مصري واهتمامه، وآخر مظاهر الاهتمام كانت في المؤتمر البرلماني ومؤتمر الجامعة. كما أنني أعلم من مصادر وثيقة أن الحكومة المصرية قدمت لحكومة لندن مذكرة خاصة بهذا الموضوع، ضمنتها رأيها قوياً حازماً صريحاً، وإذا كانت لم تشأ نشر هذه المذكرة، فقد اختارت بهذا أن تتبع الطرق الدبلوماسية المناسبة للمعاهدة

في خلال هذه اليقظة التي تعمر الضمير المصري تجاه البلاد العربية، افتتح ( في مصر) فكان افتتاحه في هذا الأوان علامة من علامات التوفيق، ومظهراً من مظاهر الحيوية العربية الكامنة التي تنبثق في أفضل المناسبات

وهو دليل جديد على الثقة بمصر، والتوجه إليها من أطراف المشرق العربي والمغرب العربي، هذه الثقة التي يحق للمصريين أن يفخروا بها، وأن يعنوا باستدامة أسبابها، وتمكين روابطها

وقد أحسنت مصر استقبال (بيت المغرب) واشتركت الحكومة والشعب بالحفاوة به وبسكانه، لتفتح قلبها اليوم لمثل هذه الصلات، بعد ما خلصت من قيود الاستعمار

ولقد كان لي من قبل حظ معرفة الرجل الوطني العامل الذي يشرف اليوم على بيت المغرب بأقسامه الثلاثة (مقر البعثة، ومكتب التبادل الثقافي، ومعرض الفن المغربي) إذ كان يدرس بمصر عام 1929 وكانت وجهتنا إذ ذاك مع نخبة من أكرم الأخوان المصريين والشرقيين أن نؤلف جمعية للطلبة من هؤلاء وهؤلاء، تمكن من الروابط بين الجميع، وتعمل للمستقبل في توثيق العلاقات وتسهل للطلبة الشرقيين وسائل العلم والراحة في مصر

وكان الأستاذ المكي الناصري أشد المتحمسين للفكرة، وكنا نجتمع - غالباً - في داره بمصر للمباحثات في تحقيق هذا الأمل الكريم

فمن حسن الحظ أن يكون هذا الرجل هو الذي يتولى الآن تنفيذ فكرة (بيت المغرب) إذ هو أصلح رجل مغربي - فيما أعتقد - لتنفيذها، لسابق معرفته بالأوساط المصرية وسابق تفكيره في مثل هذه المشروعات

ورؤيتنا لبيت المغرب حقيقة ملموسة، تثير في نفوسنا التساؤل: متى يكون لكل أمة عربية بيت في مصر على مثال هذا البيت الوطيد؟

إن اليوم الذي تكون فيه لكل بلد شرقي بعثة دائمة في مصر على هذا المثال لهو اليوم الذي يتم فيه توحيد الثقافة والاتجاه بين هذه الأمم، فتتم لها العزة العربية التي تحلم بها في المستقبل القريب - إن شاء الله -

(حلوان)

سيد قطب