مجلة الرسالة/العدد 277/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 277/البريد الأدبي
والله لا يستحي من الحق
قرأ ابن كثير في رواية شبل: (لا يستحي) بياء واحدة، وهذه تميمية، كما قال الأخفش، واستحيا حجازية، (ووزنه على هذا (يستفع) إلا أن الياء نقلت حركتها إلى العين وسكنت؟ وقيل المحذوف هي العين وهو بعيد) كما قال العكبري، وفي (الأساس): (واستحييت منه، واستحيت، وأنا أستحي منه) وفي (الصحاح): (يقال: استحيت بياء واحدة، أعلوا الياء الأولى والقوا حركتها على الحاء) قال سيبويه: (وإنما فعلوا ذلك حيث كثر في كلامهم) وفي (القاموس): (واستحى منه) وفي (التاج) كلام مستفيض في هذه الفظة، وفي (اللسان): (واستحيا واستحى حذفوا الأخيرة كراهية التقاء الياءين. الأزهري: للعرب في هذا الحرف (يعنى الكلمة) لغتان) واستحيا هي الفصحى، واستحى فصيحة
(* * *)
جائزة واصف غالي باشا
أرسل واصف بطرس غالي باشا إلى المسيو فرنسوا بياتري رئيس جمعية (فرنسا ومصر) كتاباً قال فيه: - (بمناسبة الذكرى الثالثة لإنشاء هذه الجمعية رأيت تنويها بما تبديه فرنسا من الاهتمام الخاص نحو مصر أن أرسل إليكم تحويلاً بألف جنيه عسى أن يكون في وسع الجمعية أن تنشئ من إيراد هذا المال جائزة لمكافأة الأعمال الفنية والعلمية والأدبية التي تزيد في إنماء العلاقات والروابط العلمية والأدبية والاقتصادية بين البلدين، أو تنشئ نوعا من المباراة بين الطلبة الفرنسيين والمصريين في موضوعات تتناول عمل فرنسا واشتراكها في أي فرع من فروع الحياة المصرية. وما أوسع مجال هذا العمل منذ الحروب الصليبية إلى الآن. وإني أعرض عليكم هذا الرأي كعضو في الجمعية تاركاً لكم حرية العمل كما تشاءون)
ومن العلوم أن واصف بطرس غالي باشا انتخب منذ حين قريب عضوا في اللجنة الفخرية في هذا الجمعية.
مكتبة الأزه تحتوي مكتبة الأزهر على أعظم مجموعة من المؤلفات العلمية القيمة بعد مجموعة دار الكتب المصرية. إذ أن فيها الآن نحو 160 ألف مجلد في مختلف العلوم والفنون قديمها وحديثها، وأكثر هذه المجلدات من تأليف فحول العلماء في مصر والبلاد الإسلامية الأخرى في العصرين القديم والحديث.
ويكاد يزيد المخطوط من المؤلفات في هذه المجموعة النادرة من الكتب على نصفها. فهو لا يقل بحال عن ثمانين ألف مجلد ويستطيع من يرى تلك المخطوطات في المكتبة الأزهرية أن يلمس مالها من قيمة، فهي تعطي صورة كاملة للخطوط في مختلف الأمم والعصور الماضية. فهذا أندلسي، وذاك كوفي، وذلك فارسي، وهذه كتابة على رق غزال، وتلك سطور في رقاع يرجع تاريخها إلى ما قبل قرون وأجيال.
وبين الكتب المخطوطة في مكتبة الأزهر كتاب (غريب الحديث) للأمام أبى عبد الله القاسم بن سلام المتوفى سنة 223 هـ وهو مكتوب بخط أبي الخطاب الحسيني بن عمر ألعابدي؛ وقد فرغ من كتابته سنة 311 هـ أي قبل بناء الجامع الأزهر بثمانية وأربعين عاماً.
وقد تشرف جلالة الملك فأبدي اهتماما خاصاً بهذا الكتاب الذي يكاد يكون أقدم مؤلف مخطوط في بابه، وتكاد النسخة الموجودة منه في الأزهر تكون مقطوعة النظير حتى أن جلالته أوصى بالمحافظة عليه ويلي هذا الكتاب في قدم العهد بكتابته مؤلف مخطوط آخر هو (رسالة في الحاسد والمحسود) ألفها أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، وكتبها بخطه على بن هلال المتوفى سنة 412 هـ. أي أن هذه الرسالة قد مات كاتبها منذ 944 سنة.
وفي المكتبة مجموعة من المصاحف المخطوطة مختلفة الأحجام والخطوط، ومنها مصحف يرجع تاريخ كتابته إلى أوائل القرن الرابع الهجري، وهو مكتوب بالخط الكوفي على رق غزال من القطع الكبير.
ومنها مصحف كتبه علي بن أمير حاجب بخطه سنة 722 هـ وأتم كتابته في ستين يوماً، وهو في مجلدين كبيري الحجم، في كل منهما نصف القرآن. ويمتاز هذا المصحف الخطي النادر بما في أوله من إحصاء دقيق بعدد حروف القرآن، وآياته، وسوره ورموز القراءة، والسجدات والسور التي تشمل على الناسخ والمنسوخ، وكيفية نزول القرآن، وجمعه وبيان بعض القراءات.
حول تيسير قواعد الإعراب
لقد شاءت الآنسة الفاضلة (أمينة شاكر فهمي) أن ترد علي بعد أن نبهتها إلى تلك الأخطاء الظاهرة في ردها الأول، ومنها أنها لا تزال تدعى أنى غيرت الإعراب وأبقيت القواعد على ما هي عليه، مع أني غيرت القواعد أولا، ثم غيرت الإعراب ثانياً، وإني بعد هذا لا يسعني إلا أن اختار السكوت فيما بيني وبينها، والسكوت في بعض الأحيان قد يكون خير من رد.
(أزهري)
دراسة التصوف في أوربا
يحلو لكثير من المشتغلين بدراسة التصوف الإسلامي أن يقارنوا بينه وبين التصوف في العصور الوسطى في أوربا، وبينهما وبين التصوف الهندي، وهى بحوث لا تخلو من لذة، ويزعم بعض المستشرقين أمثال الأستاذ فون كريمر أن التصوف الإسلامي يرجع في بعض نواحيه إلى النرفانا، ويماثلونها (بالفناء) عند الصوفية من أهل الإسلام، وينقض هذا الرأي الأستاذ رينولد بيكلسون - وهو اليوم أعظم المشتغلين بهذه الناحية - ويرى أن الزهد الإسلامي مستقل عن أي تصوف آخر، ويميل لهذا الرأي الأستاذ ماسنييون وهو أيضاً من أقطاب الباحثين فيه.
وعلى الرغم من كثرة الكتب في هذا الباب، فإن هناك عدداً وفيراً لازال رهن المخطوطات، ومبعثراً في دور كتب أوربا؛ ومن المشتغلين اليوم بهذا الفرع من الدراسة الأستاذ آرثر حنا أربري (وكان من قبل أستاذاً بكلية الآداب بالجامعة المصرية) فنشر بضع مخطوطات منها كتاب (المواقف والمخاطبات) لمحمد بن عبد الجبار النَّفري (المتوفى سنة 360 هـ)، وطبعه في سلسة جب التذكارية، وأرفق النص بترجمة له، ودراسة وافية - بالإنجليزية - عن الألفاظ الصوفية التي استعملها المؤلف، واصطلاحات المتصوفة ومقدمة في حياة النفري.
وأسلوب النفري في غاية العمق، كما أن كثيراً من عباراته تكاد تكون غامضة مهمة تتطلب خبرة غير قليلة ودراسة قوية للتصوف، أما المخاطبات فبينه وبين الحق، كما في قوله (أوقفني في العلم وقال لي: حجبتك بعلمك في حجاب من علمك فما عرفتني، فإن لم تخرج من علمك إلى معرفتك فأنت في حجاب من العلم) وابن عبد الجبار النفري يتكلم عن ناحية الإلهام وعن الذات الإلهية،، ومواقفه بين يدي الحق مثل موقف العز والانتقام والخوف ثم تعتريه حالات تطرأ على نفسه فيذكرها.
كذلك نشر الأستاذ أربري من قبل في مصر كتاب التوهم للحارث بن أسد المحاسبي (سنة 243هـ) وهو أشبه ما يكون برواية طريفة في ذكر الجنة والنار، وكان ابن أسد المحارثي هذا من معاصري احمد بن حنبل (راجع تاريخ بغداد ج8 ص211 - 126) وأسلوب المحاسبي في هذا الكتاب أميل للناحية الأدبية، والقطعة التالية منه تبين أسلوب الكتاب ومرمى المؤلف، يقول (وتوهم حين وقفت بالاضطراب يرعد قلبك، وتوهم مباشرة أيديهم على عضديك وغلظ أكفهم حين أخذوك، فتوهم نفسك محثوثة في أيديهم وتوهم تخطيك الصفوف، طائر فؤادك، فتوهم نفسك كذلك حتى انتهى بك إلى عرش الرحمن فقذفوا بك من أيديهم، وناداك الله عز ووجل بعظيم كلامه، (أدن منىّ يا ابن آدم) فَغَيَّبَك في نوره) وقوله في موضع آخر حيث الصراط (فتوهم نفسك وقد أنهيت إلى آخره فغلب على قلبك النجاة وعلا عليك الشفق، وقد عانيت نعيم الجنان وأنت على الصراط). .
ويشتغل الأستاذ أربرى هذه الأيام في إخراج مخطوط آخر للمحاسبي، وهو يجد لذة في إخراج أمثال هذه المخطوطات التي ليس من شك في أنها تلقى ضوءًا جديداً على دراسة التصوف، وتنير السبيل للباحثين فيه.
وهناك من المستشرقين المهتمين بهذه الناحية الأستاذ ميشيل أزين بلاتشيوس الأسباني، وهو يعكف منذ أمد بعيد على دراسة التصوف الإسلامي، والفلسفة الإسلامية وخاصة ما كان منها متعلقاً بمسلمي أسبانيا، وقد نشر منذ أمد بعيد رسالة قيمة عن ابن مرْة (بالأسبانية) عالج فيها مبادئه وآراءه، وأفكاره السياسية، وبسط فيها الفكرة الشيعية التي أثرت عليه فجعلت منه داعياً وفيلسوفاً.
المستشرقون والحياة الشرقية
في الخامس من شهر سبتمبر الماضي انعقد بمدينة بروكسل مؤتمر المستشرقين، حيث ألقى فيه الأستاذ (بروجلهاون) - وهو من علماء الاستشراق المعروفين بحثاً وافياً عن تطوّر الشعر العربي في نصف القرن الأخير، وألم فيه ببعض شعراء مصر. واهتمام المستشرقين بدراسة الأدب العربي ليس بالشيء الجديد، وإن كان - على أية حال - يشير إلى عناية هؤلاء القوم بدراسة الشرق في نواحي تفكيره المختلفة. وفي عصوره القديمة والحديثة على السواء.
ودراسة المستشرقين لأقطاب الفكر العربي دراسة تحلو من كل مغمز، قوامها تحليل ما يكتبه هؤلاء وعرض آثارهم الفكرية على العالم الغربي والمهتمين بتتبع الأمور في بلاد الشرق. ومنذ أمد قريب نشر الأستاذ كراتشوفسكي المستشرق الروسي مقالاً عن الأدباء المحدثين في مصر وسورية، كما نشر من قبل الأستاذ جب سلسلة من الأبحاث القيمة الدقيقة في مجلة مدرسة اللغات الشرقية بلندن، تناول فيها أدباء مصر ومؤلفاتهم، كذلك نشر الأستاذ كمبفماير عدة بحوث عن شاعر العراق المرحوم جميل صدقي الزهاوي، وترجم إلى الألمانية بعض قصائده.
والمتتبعون لما يكتبه الدكتور بروكلمان يرون أنه في الملاحق التي أضافها لكتابه قد تناول كثيرين من أدبا العربية في مصر والشام والمهجر أمثال العقاد وهيكل والمازني وطه حسين والزيات ومنصور وفهمي وسلامة موسى وجبران خليل جبران وميخائيل نعيمة واليازخي وغيرهم مشيراً خلال ذلك إلى إنتاجهم الفكري في الترجمة والتأليف.
ولما طبع المرحوم شوقي بك روايته (مجنون ليلى) ترجمها بأذن منه الأستاذ أربري وكان إبان ذلك الوقت أستاذاً بكلية الآداب بالجامعة المصرية، ولقد حافظ المترجم في ترجمته هذه على الروح الأصلية فجاءت آية في بابها، ومثالا يحتذي في دقة الترجمة، وإدراك العاني كما تدل على أصالة شعرية وطبع موهوب، ولعل البعض يسأل عن علة اختيار هذه الرواية بالذات؛ والجواب على ذلك أن الأستاذ ممن لهم ولع بدراسة التصوف الإسلامي في رواية مجنون ليلى تتجلى روح قل أن تنبه لها إلا القليلون، تلك هي أن ليلى عاشت عذراء وماتت عذراء طاهرة رغم زواجها وقصارى القول أن عناية المستشرقين روائع الأدب العربي الحديث إلى لغاتهم الأوربية أو الكتابية عن أقطاب الفكر في مصر والشام وغيرهم من المعاصرين لها دلالتها على حيوية الأدب الحديث، كما أن فيها إطلاع الغرب على النهضة الفكرية في الشرق.
ح. ح