مجلة الرسالة/العدد 270/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 270/البريد الأدبي
من غرور الأدب الرسمي
على أثر ما كتبناه عن لجنة إنهاض اللغة العربية وغمطها لحق فريق من الأدباء لشهوة أو جفوة، تحدث إلينا في التليفون الأستاذ محمد جاد المولى بك أحد أعضائها ومفتش اللغة العربية الأول، حديثاً كان في معناه وروحه خيراً من كتاب صديقنا الأستاذ أحمد أمين. فقد أعترف الأستاذ جاد المولى بالحق، وصرح بالاعتذار، وود أن ما حدث لم يحدث. ولكنه قال آخر حديثه:
سنعوضك تعويضاً أدبياً أن شاء الله!
- وما هذا التعويض الأدبي يا أستاذ؟
- أن الوزارة بصدد أن تؤلف كتاباً في المختارات وستختار لك فيه بعض القطع
سبحان الله يا أستاذ! وهل تعتقد بإخلاص أن هناك فرقاً جدياً بين ما ينشره الكاتب في كتبه للناس، وبين ما تنشره له وزارة المعارف في كتبها للطلبة؟ لعل الأستاذ يرى أن وزارة المعارف حين تختار من الكتاب تشهد له رسمياً بأنه يحسن الكتابة! إن كان ذلك ما يراه الأستاذ فأظنني شببت عن هذه الشهادة. وإني أشكر للأستاذ جميل اعتذاره، وخلوص نيته، وحسن قصده؛ وأسأله أن يدع للقراء أن يقرءوا، وللأدباء أن يحكموا، وللزمن أن يغربل!
الزيات
حول ديوان الجارم
كتبت زميلتنا (المكشوف) الغراء كلمة بليغة في (أنانية الأدب الرسمي)، وأشارت إشارة لبقة إلى ديوان الجارم وسرعة إخراجه وطريقة شرحه. ولولا أن يداً أخذت المكشوف ولم ترده لنقلنا هذه الكلمة في العدد الماضي. واليوم أرسل إلينا أديب معروف هذا السؤال ننشره من غير جواب ولا تعليق، قال:
(كتب الدكتور زكي مبارك كلمة حق عن ديوان الجارم في مجلة الرابطة الأدبية فغام عليه الأفق في وزارة المعارف، وأخذه الرعد من كل مكان. وكتب أستاذ آخر مقالين في تقريظ هذا الديوان نشرهما في البلاغ، المقال الأول وهو في التدريس، وأمضى المقال الثاني وهو في التفتيش. فهل كان ذلك لمجرد المصادفة السعيدة؟)
(ز. ح)
بين الأستاذين الغمراوي وقارئ
كتب إلينا صديقنا الأستاذ الغمراوي ما يأتي:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد فقد قرأت مقال الأستاذ (قارئ) وأنا مريض ببور سعيد، وقرأت عوده إلى الموضوع وأنا مريض بالقاهرة؛ وهذا هو عذري إليك وإلى الأستاذ (قارئ) وإلى قراء الرسالة في تأخيري الإجابة عن نقده. وكل الذي أستطيع أن أقوله الآن هو أن الذي انتقده الأستاذ (قارئ) شيء لم أرده بما كتبت، مع علمي بأكثر الوقائع التي ذكرها الأستاذ في نقده. أما تفصيل ذلك فموعده حين يأذن لي الطبيب في الكتابة
والسلام عليكم ورحمة الله
محمد أحمد الغمراوي
جانب من الوطنية العراقية
ورد لي من العراق منذ أن رجعت منه إلى مصر لقضاء عطلة الصيف ما يزيد على عشرين رسالة من الطلاب. ومما لفت نظري في أكثرها وحملني على زيادة التقدير والإعجاب بالوطنية العراقية أن كل هذه الرسائل ما عدا واحدة، تفيض بأحاديث الغيرة على سمعة العراق، وباللهفة على تعرف أثر مقتل المرحوم الدكتور سيف، وبرجائهم أن نعمل على محو هذا الأثر - إن وجد - بإفهام إخوانهم المصريين أنه حادث فردي لظروف خاصة
وقد تعمدت - كما بينت في ردودي على هذه الرسائل - أن أمرّ هذا الحادث مروري على أي حادث من نوعه يقع في مصر أو في العراق، ولا أشترك في رد الغلو الذي ورد في كتابة بعض الذين تهيجوا للحادث، فعلقوا بعض تعليقات شذت عن تقدير الظروف تقديراً صحيحاً، ورأيت أن ذلك أولى بنا كأمة واحدة، أو كأمم ربط الله مصائرها وآمالها وآلامها برباط واحد، وأن ذلك أحرى بها ما دامت ترمي إلى أهداف مشتركة نرجو من المستقبل القريب أن يحقق لها الوصول إليها. فلا بد أن تتلقى هذا الحادث وأمثاله - ولا أكثر الله من أمثاله - بشيء كبير من سعة الصدر، وعدم التعليق الكثير عليه، والتمطيط في سيرته، والتشقيق لحديثة؛ شأنها في الحوادث المحلية العادية التي تحدث في مصر أو في العراق كما قدمنا. وذلك كله لإفهام الجماهير في الأمتين الشقيقتين والأمم العربية جمعاء، أن أمثال هذا الحادث يجب أن تتوطن النفوس على وقعه ولا تحسب له حساباً في العلاقات الدائمة بين هذه الأقطار
ولكن هذه الظاهرة الحميدة التي لمستها في الوطنية العراقية مما ورد لي من رسائل شباب العراق الذين لم يبلغ أكثرهم بعد درجة المسؤولية الوطنية فيما يتعلق بحسن سمعة الوطن والغيرة عليها بلهفة، وتصحيح خطأ وقع من فرد منها. . . هذه الظاهرة وحدها هي التي حملتني على تسجيل هذا الحديث، وما لغيرها كنت أرضى أن أخوض في حديث هذا الحادث
ومقياس الوطنية عندي هذه الغيرة الحادة اليقظة التي قد تتحول في بعض النفوس الكريمة إلى شبه أنانية فردية. فكأن ما يقع على عموم الوطن يقع على خصوصية الفرد. . . وكأن كل فرد يحمل وطنه على قلبه، فما يثقل على الوطن من مصيبة أو سوء سمعة أو شبهة يثقل على قلوب الأفراد
وفي الحق أن هذا الجانب من الوطنية العراقية يشاهد نامياً بارزاً جدا، مما يجعل الوطن في ضمانه وحمايته وفي أمل كبير منه
فإلى أصدقائي الذين راسلوني من العراق وأداروا هذا الحديث في رسائلهم أرسل هذه الكلمة على صفحات (الرسالة) لأن موضوعها ليس لي ولهم ولا لمصر والعراق فقط، بل هو فوق ذلك أنه للعروبة في جميع بقاعها ممن يقرؤون (الرسالة)
ولتطمئن قلوب الشباب العراقي، وهنيئاً للعراق هذه الغيرة في قلوب بنيه
(القاهرة)
عبد المنعم خلاف
بين الرافعي والقشاشي مضى الأستاذ محمد سعيد العريان مترجم فقيد الأدب العربي المرحوم مصطفى صادق الرافعي في سبيله يكتب ذلك التاريخ الزاهر، وينشره بشكل مقالات في (مجلة الرسالة) حتى بلغ الآن المقالة (32) وفيها دعا من كان عنده شيء من أخبار الرافعي غير ما ذكره هو، أن يتفضل بالكتابة إليه رأساً أو على صفحات (الرسالة) يحيطه علماً بذلك، وفاء بحق الأدب وأهله، ورجاء إتمام ذلك التاريخ الذي كاد يغمره النسيان ويجني عليه الإهمال
ونحن إجابة لدعوة الأستاذ ننبهه إلى خصومة أخرى كانت قد نشبت بين الفقيد الكريم والأستاذ مصطفى القشاشي صاحب مجلة (الصباح)، ولعلها آخر الخصومات الأدبية للرافعي؛ وقد كانت هي التي أوحت إليه بمقال (صعاليك الصحافة) المنشور (بالرسالة) (أعداد: 189 و 190 و 191 و 192) وقد عرض فيه بالصباح تعرضاً مكشوفاً، إذ أتى في العدد 191 على جملة من عناوين مقالاتها التي كانت صدرت فيها أثناء تلك المدة، كنماذج للموضوعات التي تطرقها تلك المجلة
وكان السبب في هذا الحملة من الرافعي على صاحب (الصباح) أنه حمل إليه كتابه (وحي القلم) ورجا منه أن يكتب تقريظاً له، وهذا ما يؤخذ من كلام الأستاذ القشاشي؛ وبما أن القشاشي تأخر مدة عن كتابه التقريط، وعذره أن الكتاب ضخم يتألف من جزأين في تسعمائة صفحة ويتناول مائة موضوع وموضوع، فإن الرافعي ظن السوء بصاحبه وقام يجلد صعاليك الصحافة، ويا لله من غضب الرافعي فإنه يزري بغضب عنترة!
وشاءت سخرية القدر أن يبرز مقال (الصباح) في تقريظ (وحي القلم) بعد أن ينشر الرافعي ثلاثة أقسام مقاله (صعاليك الصحافة) والقسم الثالث منه الذي به انكشف مراده فظهر أنه يعني صاحب الصباح، صدر في عدد (191) أول مارس 1937 على حين أن تقريظ الصباح كان في عددها 545 (الصادر) في خامس مارس المذكور، وقد كان تقريظاً بليغاً يرضى الرافعي ويدخل على نفسه السرور، وحسبك منه هذه الجملة التي يقول فيها الأستاذ القشاشي: (أن كتاب وحي القلم ليحتاج إلى كتاب آخر في الإشادة بذكره، فلعل ضيق المجال يعتذر لنا عند الأدب العربي ثم عند الأستاذ الرافعي)
ولكن الأستاذ الرافعي قد عجل - وفي العجلة الندامة - فسرعان ما انقلب مدح (الصباح) له قدحاً فيه، وثناؤها عليه طعناً. وكنا نحن قد انتظرنا ذلك لما قرأنا القسم الثالث من مقال صعاليك الصحافة، فكيف وقد قرأنا أيضاً ثناء الصباح وتقريظها؟ وأخذتنا الشفقة على الأستاذ الكبير الذي طالما أشفقنا من الخصومات التي كانت تثور بينه وبين أهل الأدب ولا سيما الإمام العقاد. وهكذا صدق ظننا فبرز مقال الأستاذ القشاشي (صعاليك الأدب واستجداء المدح والثناء) في العدد التالي من (الصباح). ولا تسأل عما يحوي من قوارص الكلم وفاضح التعريض
قلنا إننا نشفق من هذه الخصومات التي تقع بين كبار الأدباء لأنها في الغالب لا يكون باعثها النقد النزيه، فيسمج عندنا أن ينزل مثل العقاد والرافعي من عليائهما إلى ميدان المهاترة إرضاء لحالة الموجدة وطبيعة الغضب كما وقع في قضية الرافعي والقشاشي، فبينما الصفاء والسلام إذ الحقد والحرب. ونحن لسنا من مقلدة الرافعي ولا من المتعصبين للعقاد، ولكن لهما معاً عندنا مقام سام، وفي أنفسنا لكل منهما حيز لا يشغله الآخر. عرفناها معاً من قديم واغتبطنا بآثارهما كل الاغتباط؛ وكنا نأسف على ضياعهما بين قومهم وعدم عرفان حقهما حتى جاءت (الرسالة) فعرفت بالرافعي الذي كان أكثرهما ضياعاً وأنكرهما عند جمهور القراء في العالم العربي. وسيكون لهما من الذكر في المستقبل الأيام ما يغطى على غيرهما أياً كان، بل أنها سيكونان علمي عصر النهضة في تاريخ الأدب العربي الحديث، ورمز المذهبين المدرسي والابتداعي المتكونين في هذا الأدب كما يجب الآن.
ولسنا ندلي برأي إلى الأستاذ العريان، وحسبه من كلمتنا هذه ما يتعلق منها بخصومه الرافعي والقشاشي، لكن القراء أيضاً لهم حظهم فيما يقرأون، فلذلك تطرقنا ولو بهذه الإلمامة الخفيفة إلى وجه الرأي في أدب الرافعي والعقاد، حاسبين أن ما كان بينهما من خصومة إنما هو نتيجة الغيظ وحدة البادرة وأن ما كتبه كل منهما في هذه الخصومة إنما من قبيل ما كتبه الرافعي والقشاش باعثه الظن السيئ والعجلة. وللقوم وفي عمرو بن الأهتم وما كان بينه وبين الزيرقان بن بدر من المنافسة والمشاتمة بحضرة النبي ﷺ شافع وعذر. . .
(طنجة)
عبد الله كنون مستعمرة مصرية في إنجلترا
نشرت جريدة نيوز كرونيكل في مكان بارز خلاصة درس لكتاب عنوانه إيزيس نفتيس في ولتشير وخارجها، تأليف الدكتور رندل هاريس العالم الأثري الشهير وقد طبعته شركة الطباعة في بريستول
فالدكتور هاريس يعالج نظرية مؤداها أن الآثار السابقة للتاريخ قرب سالسبوري التي زارها الملك فاروق أثناء وجوده في إنجلترا إنما هي من آثار قدماء المصرين، وقد ثبت له الآن أن مركز المستعمرة المصرية وجد فعلاً في (لتشير) قرب برادفورد أون أفون
ويعتقد الدكتور هاريس أن المصريين صعدوا في نهر أفون من بريستول واحتلوا تلك الأماكن. وهو يقدم سلسة أدلة لتأييد اعتقاده، مثال ذلك الاحتلال المصري لمنطقة تشالفيلد. فيقول هاريس إن (تشال) محرفة عن الكلمة المصرية (تشار) وهي إحدى الأسماء العديدة المزدوجة للإلهتين إيزيس ونفتيس
المؤتمر الدولي الثامن للعلوم التاريخية
عقد المؤتمر الدولي الثامن للعلوم التاريخية جلسته الأولى في زوريخ يوم الاثنين الماضي، وقد بلغ عدد أعضاء الوفود الممثلة للحومات والجامعات والمجامع العلمية في المؤتمر ألفاً ومائتين، وكان أكثر الوفود عدداً الوفد الألماني ويليه الوفد الفرنسي فالإنجليزي فالبلجيكي فالإيطالي فالبولندي
وأما الوفود الشرقية فأكبرها عدداً الوفد المصري الذي يرأسه الأستاذ محمد قاسم بك ناظر دار العلوم، والوفد التركي وعلى رأسه الأستاذ فؤاد كوبريلي الاختصاص في العلوم التاريخية. ولكل من إيران وأفغانستان وسوريا ممثل واحد ولم يمثل العراق ولا لبنان أحد
وسيلقي ممثل مصر في إحدى جلسات المؤتمر محاضرة موضوعها (توسع أساليب المباحث التاريخية في مصر)
ويتكلم الأمير شكيب أرسلان ممثل سورية عن سيرة صلاح الدين الأيوبي الشخصية. وسيتوفر للشرق الأدنى قسط كبير من مباحث العلماء في المؤتمر: فالأستاذ كوبريلي التركي جعل موضوع محاضرته سياسة الإقطاع عند المسلمين والترك في القرون الوسطى، ويبحث الأستاذ لامونتي الأميركي في أسباب عظمة الإقطاع الإفرنجي في سوريا إبان الحروب الصليبية وانهيارها؛ ويتكلم زميله (ليبيار) عن أهمية السلطان محمد الفاتح في التاريخ؛ وسيتقدم الأستاذ (هاليكي) البولندي ببحث طويل عن تاريخ العلاقات بين الغرب والشرق؛ ويتناول العالم الإيطالي (مونداييني) تاريخ السياسة الاستعمارية والمستعمرات من سنة 1815 أي منذ سقوط الإمبراطورية الفرنسية الأولى إلى نشوب الحرب العظمى سنة 1914؛ ويحاضر الأستاذ (جويله) الفرنسي في تاريخ البحر المتوسط في القرن التاسع عشر؛ ويخطب أستاذ إيطالي آخر في مساهمة إيطاليا في كشف أفريقيا في القرنين الخامس عشر والسادي عشر، ويتحدث المؤرخ (راين) الألماني عن بسمارك وسياسته الافريقية؛، وجعل مندوب الجمهورية الأسبانية محور بحثه (أصل القنصليات البحرية في سواحل البحر المتوسط)
بين القديم والجديد
سيدي الأستاذ الكبير صاحب الرسالة
تحية: وبعد فقد حسب الأستاذ محمد احمد الغمراوي في آخر مقال حول أدب الرافعي (بين القديم والجديد)، أنه انتهى من (تزييف) كلام الأستاذ سيد قطب إلى المبلغ الذي كان يريد وأكثر؛ وأنه وضع العقاد موضعه والرافعي موضعه، وإن كان هذان الموضعان ليسا إلا أن الرافعي أنصع لفظاً من العقاد، وأنه رجل يهتدي بنور الدين، والعقاد لا يهتدي بأي نور!
كذلك حسب الأستاذ الغمراوي أنه فصل بين الحق والباطل في هذا الأمر واستراح إلى نتيجة تلك، ولم أكن أود أن أنفس عليه هذه الراحة لولا أنه شاء أن يعرض لكلمة سابقة لي في هذا المضمار، ورأى أن يرميني بالفزع من ذكر الدين فزع (الملسوع) بالنار فقال:
(لكن أصحابنا المجددين أنصار ما يسمونه الأدب الحديث يفرقون من ذكر الدين كأنما تلسعهم من اسمه النار، كذلك فزع أحدهم بالعراق، وكذلك يفزع هذا الآخر. . .)
وأنا المقصود ولا ريب بالفازع الأول. والقارئ يذكر أن فزعي المزعوم هذا لم يكن من الدين، فما فيه ما يفرع أو يلسع، وإنما كنت اعترضت على إقحام الدين - بدون داع ولا مبرر ولا فائدة - في نقد أدبي قاله الأستاذ سيد قطب حول بيت من أبيات الرافعي، وجاء الأستاذ الطنطاوي يحوره ويتجه به نحو الدين كما يفعل الأستاذ الغمراوي الآن، وكما فعل المرحوم الرافعي في كل نقد أدبي له، وكما يفعل كل من يؤوده أن يكسر من شوكة هذا الذي يسمونه تجديداً أو كفراً من سادتنا الرافعيين! فما الذي يقصده الأستاذ الغمراوي بالفزع؟ وما شأن الدين بكل شيء يتصل بالأدب الحديث الذي يسعى إلى التجديد والنهوض وتوسع أفق الحياة الأدبية وإخراجها من عصر الاجترار والتخلف، إلى عصر التمثيل والحيوية؟
وإذا كان الأستاذ الغمراوي يقول في مقالة الآنف الذكر:
(إن الفطرة كلها ينشئها واحد هو الله سبحانه وتعالى، والعلم والدين كلاهما قد اجتمعا على استحالة التناقض في الفطرة، فإذا كانت هذه الفنون من روح الفطرة كما يزعم أهلها وجب ألا تخالف أو تناقض دين الفطرة دين الإسلام في شيء. . .)
وهو بذلك يريد أن يحد من مفهوم الأدب، فما نصنع إذن بالأدب الذي أقره العالم واعترف به أدباً سامياً ولم يكن مصدره الدين الإسلامي، والذي لم يخلفه أدباء مسلمون ولم يأتلف مع قواعد الدين الإسلامي في شيء؟ أقول ماذا بأدب طاغور، وملتون، ودانتي، وتورجنيف، وإيبانيز، وابسن، وموباسان، وغوركي، وهاردي، وجيتي؟. . . بل ماذا نصنع بأدب بودلير، وفرلين، ولورنس، وجويس، وهينسكي، ولوتي؟ هل نرمي بهم في البحر أن نعترف بأدبهم؟ وهل يتفق أدبهم مع الفطرة؟ وهل هو خير أم أدب الرافعي؟
وحضرة الأستاذ يذكر أدب الإيمان فهل يرى أن الشك لا أدب له؟ وما يقصده من التعرض بالإيمان، والشك؟ والحوم حوالي الدين في كل مناسبة عرض لها في نقده وبحثه أدب العقاد والرافعي؟ هل يريد أن نفهم من أقواله تلك أن العقاد ومن يرى رأيه ملحدون لا إيمان ولا نور لهم يهتدون به؟ وكيف يتسنى له أن يحكم هكذا بدون تدليل؟
سيدي الأستاذ:
إن الأستاذ الغمراوي - وقبله الأستاذ الطنطاوي - يريد أن يضع ما اسمه (الأدب) على الرف ويريد أن يدخله في بوتقة الدين بوجه عام، والدين الإسلامي بوجه خاص، وفي هذا من الجناية على الأدب مقدار ما فيه من التجني على الدين وأكثر. ولا أظن الأستاذ يخالفني في أن موضوع الدين موضوع شائك جداً لم يتعرض له متعرض سلم من تهمة المروق! فليفسر موقفنا كيف شاء، وليسمه فزعاً وهلعاً، فالحق أن الدين الإسلامي لم يدخله التأويل والخلاف من كل باب إلا بعد أن أقحم في غير مجالاته! وهو بعد مقحم إقحاماً في موضوع الجدل هذا
وما دام الأستاذ الغمراوي يرى أنه فصل أدبياً في أمر العقاد ومكانه من الأدب الحديث، فلماذا يريد أن يخرجه من دينه فيقول عنه معرضاً: (إن الرافعي عنده نور يهتدي به ليس عند العقاد؟)
وبعد فليكن الرافعي عند الأستاذ الغمراوي ما يشاء له أن يكون، فان ذلك لا يمنع العقاد أن يكون هو الآخر حيث يشاء له الأدب والحق أن يكون. ولسنا نعجب به لشخصه، بل لأنه يؤدي الرسالة عنا؛ فما يقال فيه فينا نحن أنصاره والمعجبين به؛ ولذا أود أم أكرر ما سبق أن قلته وهو أن من الواجب اعتبار الدفاع عن العقاد دفاعاً عن مذهبه في الأدب وفي الحياة لا دفاعاً عن شخصه، فلسنا نملك حق الدفاع عنه
وتقبلوا تحيات المعجب بكم
(بغداد)
عبد الوهاب الأمين