مجلة الرسالة/العدد 269/الكتب
مجلة الرسالة/العدد 269/الكُتُب
الظاهر بيبرس وحضارة مصر في عهده
تأليف الأستاذ جمال الدين سرور
للأديب حسن حبشي
ترى إلى أي مدى بلغ اهتمامنا بتاريخنا القومي. . .؟ خطر ببالي هذا السؤال وأنا أتصفح هذا الكتاب الذي حاول فيه مؤلفه الشاب أن يرسم صورة لعصر في تاريخ مصر له قيمته من الناحيتين القومية والدينية. ومما يسترعي انتباه المتتبعين للدراسات العالية هو انصراف أكثر الباحثين إلى نواح خاصة من التاريخ والأدب انصرافاً كلياً، على حين أن هناك نواحي في كلا هذين الفرعين لما تزل بكراً، ومن ثم كان اهتمام الأستاذ جمال الدين سرور بتناول هذه الناحية أمراً يشكر عليه، فلقد خصص من حياته الجامعية عامين لدراسة عصر الظاهر بيبرس، فخرج بهذا الكتاب القيم الذي منحته كلية الآداب من أجله درجة (أستاذ في الآداب)
أن كلا من الظاهر بيبرس وعصره موضوع جديد يتطلب من الباحث الرجوع إلى الكثير من المخطوطات، ومرجع ذلك قلة من يعنيهم تناول تاريخ مصر بعد القرن التاسع الهجري تقريباً، بل وقبل ذلك بكثير، حتى ليخيل إلى الكثيرين أن مصر كانت تعيش طوال هذه الفترة على هامش الحوادث السياسية في العالم الإسلامي، على حين يتراءى العكس لمن يتعمق بعض الشيء في دراسة ظواهر هذا العصر. . . لقد كان العصر الطولوني في مصر، فهل كان في تاريخ أمة من أمم الشرق حينئذ ما يبزه من الناحية الاجتماعية أو السياسية؟ لقد آثرنا هذا العصر بالذات لدلالته على حيوية مصر في زمن كانت الدولة العباسية لا تزال فيه على جانب شديد من البطش والقوة. وتوالت على مصر بعد ذلك عهود لدول مختلفة كان موقف مصر في أثنائها كلها في صلتها بالخلافة العباسية موقف الند للند، لا التابع للمتبوع
ومن العصور الطريفة في تاريخ مصر عصر الأيوبيين ثم المماليك، لما امتازت به هذه الفترة في الشرق والغرب بأنها كانت عصر تلاحم ديني تعدى حدود الجدل إلى امتشاق الحسام فكانت الحروب الصليبية التي ظلت زمناً طويلاً أهرق فيه من الدماء ما يدعونا لتسميتها بالمجازر البشرية
وفي أوائل عهد الدولة المملوكية كانت الخلافة العباسية مشرفة على الدمار، فلقد ظهر المغول في فارس، وتقدموا شطر أطراف الدولة ينتقصون منها شيئاً فشيئاً فدمروا مملكة خوارزم شاه وحملوا الدمار والهلاك، وكانوا يضمرون من الشر للإسلام ما تنبئ عنه مخالفاتهم الكثيرة مع البابوات وملوك أوربا لهدم الحنيفة السمحاء. وتم للمغول بعض ما أرادوه، فأزالوا الخلافة من بغداد ثم تحولوا شطر مصر، وكانت - كما هي اليوم - معقل الإسلام، فأخذت حملاتهم تنقض على أطرافها من جهة الشام، ولكن قيض الله للإسلام إذ ذاك هذه الدولة الفتية المملوكية فوجد رجالها في محاربة التتر ما يتفق وما نشأوا عليه من الفروسية. والعجيب في أمر هذه الدولة الناشئة أنها استطاعت أن تصد عادية قوم وطئوا أرض أوربة وأشرفوا على سهول المجر، وقضوا على الدولة الخوارزمية والخلافة في بغداد
وكان من رجال المماليك الظاهر بيبرس، فوجه جهوده بعد أخذه مقاليد الحكم بعد قطز إلى صد التتر فهزمهم عند البيرة كما هزمهم من قبل عند عين جالوت. والواقع أن ما بذله بيبرس من صدهم ونجاحه في هزيمتهم قد مكن لهيبة مصر في العالم الغربي حيث كانت الدول المسيحية تترقب الفرصة للانقضاض على مصر التي اضطلعت بأعباء السياسة ومواجهة العالم الغربي. كذلك خافه أمراء البيت الأيوبي لهزيمته قوماً كان يظن أن لن يستطيع أحد ما خضد شوكتهم. كذلك قضى على طائفة الحشيشيبن في بلاد الشام، وكانوا شوكة تقض مضجع ملوك المسلمين وتهدد الإسلام. ولقد عرض الأستاذ جمال الدين سرور لهذه النواحي في شيء من الإسهاب والتفصيل، وأن لم يكن ذلك بالكثير من أجل تاريخ حياة رجل أمد الإسلام بقوة، بعد أن كان مهدداً بالزوال أو الضعف الذي لم تكن ترجى بعده قوة له
كذلك تناول المؤلف الحضارة المصرية في عهده، فجاء بصورة مشرقة النواحي، تختلج الحياة بين سطورها، وتلتمع الفكرة الرشيدة والغاية النبيلة في النتائج التي جاءت بها هذه الحضارة من الاهتمام بالجيش والبحرية والرخاء المادي. ولو أنني حاولت في هذا المقال أن أحلل ما تناوله الأستاذ سرور من أوجه الحضارة المادية والأدبية لضاق النطاق، وإن كان فصله عن الحياة العلمية والأدبية (185 - 164) فيه شيء من الجدة والرونق، ولكن حسب القارئ أن يطالع بنفسه عرضه الوافي الممتع لضروب هذه الحضارة المختلفة، حتى يقف بنفسه على مدى الجهد الذي بذله المؤلف في هذا السبيل. غير أني آخذ على الصديق سرور عدم دراسته للحياة الشعبية، فذلك بحث لا يخلو من طرافة وجدة، وما كان أولاه أن يخصص من أجل هذه الناحية فصلاً، فما أسمى النواحي التي تناولها إلا (بالحياة العليا)
وبعد فان مؤلف هذا الكتاب جدير بأن يتابع دراسته في هذه الناحية العظيمة المجهولة
حسن حبشي