مجلة الرسالة/العدد 268/جورجياس أو البيان
مجلة الرسالة/العدد 268/جورجياس أو البيان
لأفلاطون
للأستاذ محمد حسن ظاظا
- 8 -
(تنزل (جورجياس) من آثار (أفلاطون) منزلة الشرف، لأنها أجمل محاوراته وأكملها وأجدرها جميعاً بأن تكون (إِنجيلا للفلسفة!)
(رينوفييه)
(إنما تحيا الأخلاق الفاضلة دائماً وتنتصر لأنها أقوى وأقدر من جميع الهادمين!)
(جورجياس: أفلاطون)
الأشخاص
1 - سقراط: بطل المحاورة: (ط)
2 - جورجياس: السفسطائي: (ج)
3 - شيريفين: صديق سقراط: (س)
4 - بولوس: تلميذ جورجياس: (ب)
5 - كاليكليس: الأثيني: (ك)
ب - (متحديا سقراط) ماذا يا سقراط؟ أعندك حقيقة تلك الفكرة التي شرحتها عن البيان؟ أولا تعتقد أن الحياء قد أخذ جورجياس فلم يستطع أن ينكر أن الخطيب يعرف الخير والحق والجمال، عندما أضاف إلى أقواله أنه إذا أتاه من لا يعرف هذه الأشياء فانه سيعلمه إياها بنفسه؟ لقد نتج عن ذلك ما يحتمل أن يكون بعض تناقض في كلامه فاتخذت أنت من ذلك مسرة لك ورحت تشغل الغير بهذه الأسئلة المعسولة؟ ولكن أتصدق أن من الناس من لا يصرح بأنه يعرف العدالة وبأنه يستطيع أن يعلمها للغير؟ الحق أنه الذوق السقيم الذي قد طوح بالمناقشة إلى مثل هذه الأرض!
ط - يالك من ظريف يا بولوس! وهل نريد الأصدقاء والبنين لشيء غير ذلك؟ إنما نريدكم أيها الصغار لكي تقوموا أعمالنا وتصححوا أقوالنا عندما تتقدم بنا السن وتزل القدم! وه أنت ذا هنا لترد زلتي أنا وجورجياس إذا ما أخطأنا في المناقشة لأن هذا هو واجبك. وأقول من ناحيتي أنك إذا وجدتنا غير مصيبين في الاتفاق على هذه النقطة أو تلك فإني مستعد للنزول على هواك إذا لاحظت شيئا واحدا. . .!
ب - أي شيء؟
ط - التقليل من هذا الإسهاب الذي بدأت به يا بولوس!
ب - كيف؟ أليس لي الحق في الكلام بإسهاب كما أشاء؟
ط - ليكونن عار عليك يا بولوس العظيم أن تحضر إلى أثينا - وهي البلد الإغريقي الفريد الذي يسمح للناس بأكبر قسط من حرية القول - فتعرف فيها بهذه الخاصة! ومع كل فضع نفسك موضعي!: ألا يكون من حقي - إذا رأيتك ترسل الكلام الكثير دون أن تجيب على أسئلتي -: أن أرثي لنفسي وأن آسف على عدم السماح لي بالرحيل دون سماعك؟ الحق إذا كان يسرك ما أخذنا فيه من قول بحيث ترغب في تنقيته وتصحيحه، فلتعد توّاً كما قلت إلى أية نقطة تشاء، ولتسائل أو فلتدعنا نسائلك كما فعلت مع جورجياس، بل ولتناقض أو لتتركنا نناقضك!، إنك تدعي بلا ريب أنك تعرف نفس الأشياء التي يعرفها جورجياس!؟ أليس كذلك؟
ب - بلى
ط - وأنت تدعوا مثله الشبان إلى توجيه ما يشاءون من الأسئلة إليك لأنك واثق من قدرتك على إجابتهم؟
ب - بالتأكيد!
ط - حسن! فأختر ألان ما يروقك سائلا أو مجيبا!
ب - هذا ما سأفعل!. أجبني. أي شيء هو البيان في رأيك ما دام قد لاح لك أن جورجياس مرتبك في طبيعة هذا الفن؟
ط - أتسأل عن أي نوع من الفنون هو في نظري؟
ب - بلى!
ط - إذا شئت الحق فأنا لا أعده فنَّا!
ب - وإذاً فماذا تراه؟ ط - أراه شيئاً جعلت أنت منه فنَّا في الرسالة التي قرأتها لك أخيراً
ب - وماذا تعني بذلك؟
ط - أعني نوعاً من التمرين والممارسة؟
ب - وإذا فالبيان في رأيك تمرين وممارسة؟
ط - نعم. إذا لم يكن لديك اعتراض!
ب - وعلى أي شيء ينطبق ذلك التمرين؟
ط - أنه يجلب نوعاً من اللذة والاستحسان
ب - ألا ترى إذاً أن البيان شيء جميل ما دام يجلب اللذة؟
ط - سنرى يا بولوس! أو قد أصغيت حتى الآن إلى رأيي في البيان كيما تقفز هكذا وتسألني عما إذا كنت أراه جميلا؟
ب - ألم أسمعك تقول إنك تعده نوعاً من التمرين؟
ط - وما دمت تعلق أهمية كبيرة على جلب اللذة، ألا تود أن تسبب لي قليلا منها؟
ب - إني لأبغي ذلك بكل سرور!
ط - إذاً سلني من أي نوع من أنواع الفنون هو (الطهي) في رأيي؟
ب - وإني لأسائلك أي فن هو الطهي؟
ط - أنه ليس من الفن في شيء يا بولوس!
ب - إذاً فأخبرني ما هو؟
ط - إنه نوع من الممارسة والتمرين!
ب - وعلى أي شيء ينطبق؟
ط - إنه يجلب اللذة والاستحسان يا بولوس!
ب - وإذاً فكلا البيان والطهي واحد؟!
ط - كلا، ولكنهما قسمان في مهنة واحدة!
ب - وأية مهنة تريد أن تذكر؟
ط - قد يكون من الخشونة والغلظة أن نصرح بالحقيقة يا بولوس. وإني لأتردد في الإفضاء بها لوجود جورجياس! ذلك أني أخشى ألا يتصور غير رغبتي في الهزء به والسخرية منه. إنني لا أدري إن كان البيان الذي يمتهنه جورجياس من النوع الذي أعرفه أم ليس منه، لأن مناقشتنا منذ هنيهة لم توضح لنا قط فكرته عنه. ولكن ما أدعوه أنا بالبيان ليس إلا قسما من شيء ليس بالجميل على الإطلاق!
ج - أي شيء ذاك يا سقراط؟ تكلم دون أن تخشى إساءتي!
ط - حسن يا جورجياس: فأني أعتقد أنه عمل لا يحتاج إلى شيء من الفن، ولكنه يتطلب فقط ذهناً فطناً جريئاً وقادراً بالطبع على الاتصال بالناس. وأساس هذا العمل كما أرى هو: الملق والرياء، ويشمل الملق أقساماً كثيرة الطهي أحدها، ويعد البعض هذا الأخير فناً ولكني أراه مجرد تجربة وتمرين. كما أرى بالمثل أن البيان والتزين والسفسطة من أقسام الملق كذلك، فكأننا لدينا أربعة أقسام متصلة بأربعة موضوعات
فإذا شاء بولوس الآن أن يسألني فليفعل لأني سأبين له من أي أقسام الملق هو البيان في رأيي، إذ هو لا يتصور أني لم أجبه بعد عن هذه النقطة، وهو يلح فقط في سؤالي عما إذا كنت أراه جميلاً! ولكني سوف لا أخبره إن كنت أعد البيان جميلاً أو قبيحاً قبل أن أجيبه: أي شيء هو؟ وإلا فلن يكون كلامنا منطقياً يا بولوس! وإذاً فسلني - إذا كنت تريد أن تعرف - أي قسم من أقسام الملق هو البيان في عُرفي؟
ب - إني لأسائلك عن إي قسم هو؟
ط - أترى ستفهم إجابتي؟ إن البيان عندي صورة ومثال لأحد أقسام السياسة!
ب - وماذا تعني بذلك؟ أتريد أن تقول أنه جميل أم قبيح؟
ط - أريد أن أقول إنه قبيح لأني أسمي قبيحاً كل ما هو رديء! ما دام يجب أن أجيبك كما لو كنت تعرف ما أريد أن أقول
ج - وأنا بالمثل لا أفهمك وحق زيوس يا سقراط!
ط - لست أعجب من ذلك لأني لم أشرح بعد قولي! ولكن بولوس شاب متحمس!
ج - فلتدعه ولتخبرني كيف تستطيع أن تقول أن البيان صورة ومثال لأحد أقسام السياسة!؟
ط - سأحاول إذاً أن أبين أي شيء هو البيان في رأيي، فإذا لم يك على ما أعتقد فليناقضني بولوس: أهناك من غير شك ما يسمى بالجسد وما يسمى بالنفس؟ ج - بلا تناقص
ط - ألا تعتقد أن لكل من هذين حالة تدعى (صحة)؟
ج - بلى
ط - وقد تكون هذه الصحة ظاهرية فقط وليست بحقيقية! أريد أن أقول إن كثيرين ممن يلوح أنهم ذوو جسم صحيح ضعاف في صحتهم، وعسير على غير الطبيب أو مدرب الرياضة البدنية أن يتبين ذلك؟!
ج - هذا صحيح
ط - وأدعي أنه يوجد في النفس والجسد بالمثل ما يجعلهما يلوحان في حالة جيدة بينما هما ليسا كذلك؟
ج - إنك تقول حقَّاً
(يتبع)
محمد حسن ظاظا