مجلة الرسالة/العدد 267/رسالة الشعر
مجلة الرسالة/العدد 267/رسالة الشعر
في دخان اليأس
للأستاذ محمود حسن إسماعيل
(يقولون: غن الشعر أبيض هادئاً ... وكيف تغني في الهجير البلابل؟)
وَقيَّدَ عُمْري حُبُّها في قرَارةٍ ... من الْهمِّ لا يُرْجَى لها الْيَوْمَ ساحِلُ
عَلَيْها دُخَانُ الْيَأْسِ سَأْمانُ، وَاجِمٌ ... كَظِيمُ الْحَواشي مُقْلَقُ الذَّرِّ ذَاهِلُ
قتامٌ عَلَى أَسْدَالِهِ يمْرَحُ اْلأَسى ... وَقَبْرُ الْمُنَى في ظِلِّهِ يَتَخَايَلُ
وَلِلْخَيْبَةِ الكُبْرَى عَلَى جَنَبَاتِهِ ... خَيَالٌ لِحظِّي في دُجَى النَّفْسِ ماثِلُ
إِذَا أَنا سَرَّحْتُ الْخَوَاطِرَ صَدَّها ... وَعادَ بهَا لُجٌّ منَ الْيَأسِ غائِلُ
كأنِّيَ أَعْمَى يَخْبِطُ الْكَوْنَ هائماً ... عَلَى خَطْوِهِ سِنُّ الْعَصاَ تَتَحَايَلُ
سَوَاءٌ لَدَيْهِ حِينَ يَظْمأُ لِلسَّنَا ... عَشاَيَاهُ يُتْرعْنَ الدُّجَى وَالأصَائِلُ
كأني لَحْنٌ طاشَ مِنْ كَفِّ عازِفٍ ... عَلَى وَتَرٍ جافَتْ هَوَاهُ الأَنامِلُ؟!
نزَلْتُ عَلَى الْوَادِي وَنَفْسِي كئِيبَةٌ ... وَنايَي مَفْجُوعُ التَّرَانيمِ ثاكِلُ
وَبِي أَمَلٌ أَنْ يْمسَحَ الْحُبُّ شَقْوَتي ... وَيُوهِنَ مِنْ عِبْئي الذي أَنا حَامِلُ
فعُدْتُ وَبي قَيْدَانِ: قَيْدَ صَباَبَتي ... وَهَجْري وَقَيْدٌ أَحْكَمَتْه النَّوازِلُ
كأني سَجِينٌ سُدَّتْ الأَرضُ حَوْلَهُ ... وَكادَتْ بِساَقَيْهِ تَنُوحُ السَّلاَسِلُ
فلاَ الدَّهْرُ أَخْلاَني وَلاَ غادَةُ الهوى ... أَفاقَتْ لأَِشْجَاني، فما أَنا فاعِلُ؟
يقُولونَ غَنِّ الشِّعْرَ أَبْيَضَ هادِئاً ... وَكيْفَ تُغَنِّي في الهجِير الْبَلاَبلُ؟
وَكَيْفَ وَقلبي لا يُفِيقُ مِنَ الأَسى! ... وَنَجْمِي إلى أُفْق الْمَنِيَّاتِ مائِلُ!
لأَقْسَمْتُ ما غَنَّيْتُ شِعْراً! وَإِنما ... حُشاَشَةُ رُوحي بالأسَى تَتَهَادَلُ!
فَيَا غادَةَ الإِلهامِ وَالشِّعْرِ! وَمْضَةً ... لَعَلَّ بِصَحْرَائي تَرِفُّ الخمائِلُ
وَتحياَ الرُّبى وَالظِّلُّ وَالزَّهْرُ والشذَى ... وَتَيْنَعُ أَيَّامِي، وَتَصْفُو المناَهِل
فَنَشْرَبُ مِنْ أَحلاَمِنا خَمرَةَ الهوَى ... وَيَجْرَعُ مَنْ سُمِّ الْهَوَانِ الْعَوَاذِلُ. . .
أَطلِّي عَلَى دُنْيَاي - سِحْراً - وأَشْرِقي! ... جَبِينُكُ ما أَمَّلْتُ فيها، وَآمُلُ!
وَذَاتُكِ قُدْسي وَانْتِعاَشي وَفَرْحَتي ... وَفَيْءٌ لِرُوحي ما وَعَتْهُ الظَّلاَئِلُ فَلاَ تَتْرُكي يأسِي يَلِجُّ فإنَّهُ ... ظَلاَمٌ لرُوحي الْمُسْتَهاَمَةِ قاَتِلُ
وَأَخْشَى يُنادِيني الرَّدَى فأُجِيبُهُ ... فَيَصْمُتُ طَيْرٌ بالهوَى الْعَفِّ زَاجِلُ
وَتَخْرَسُ أَيَّامِي. . . وَيَنْدَثِرُ الّذِي ... قَضَى الْعُمْرَ عَنْ يَوْمِ اللِّقَاءِ يُسائِلُ!