مجلة الرسالة/العدد 266/حظي بالشيء. . .

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 266/حظي بالشيء. . .

ملاحظات: بتاريخ: 08 - 08 - 1938



لأستاذ جليل

الرافعي، المجمع اللغوي، أزهري، المنصورة، اليازجي. . .

. . . . . .

- 3 -

ردَّ الأستاذ الرافعي (رحمه الله) في (البلاغ 28 شوال 1352) على الأستاذ أزهري المنصورة (البلاغ 26 شوال 1352) فقال:

(عاد الفاضل أزهري المنصورة إلى هذا الفعل وجاءنا بدليلين آخرين من استعماله فتمت حججه أربعا أحصاها هو بقوله: (1) - أوردنا بيت الحماسة. . (2) - وجئنا بكلام الأساس. . (3) - وجاء في نهج البلاغة: (وحظوا من الدنيا بما حظي به المترفون) (4) - وجاء في مقامات الحريري: (نهضا وقد حظيا بدينارين)

وعجيب جداً أننا لم نجد أحداً يتنبه إلى مدار الحجة أو يفطن إلى وجه النقد. على أننا أومأنا إلى شيء، وعرضنا بشيء، وقلنا: أن لهذا الفعل (حظي) تاريخاً اجتماعياً وأن هذا التاريخ هو الذي يعين للكلمة ظاهرها الظاهر وباطنها الباطن. وكان في هذا كاف أن يدرك من يدرك أن في اللغة ألفاظاً أخذت من معنى بعينه، ولا يستعمل إلا فيما هو بسبب من هذا المعنى

أما بيت الحماسة فقد قلنا إن حظي فيه مضمنة معنى (ظفر) فهي هذه لا تلك وبطل الاستدلال بالبيت. ونقول مثل هذا في كلمة الحريري وإن كان الشريشي قد فسرها بمعنى (سعد) وهو المعنى العامي الذي شاع به الكلام في العصور المتأخرة. فيقولون: حظينا بلقاء فلان، وحظينا بتشريف فلان. وأكثر ما كان هذا الاستعمال في البلاد التي يعسفها الحكم التركي، ولهذا كانت فاشية في سوريا حتى لا عامي ولا خاصي هناك إلا وهي في لسانه وبخاصة الجرائد

وأما كلام صاحب الأساس فقد قلنا أنه من دليلنا لا من دليل المجمع ونحن على هذا الرأي

وأما عبارة نهج البلاغة فهي الآن محل القول، وسنرفع عليها مصباحاً من مصابيح ع الدين ليتبين الأزهري والمجمع بنوره الساطع كيف وقعت (حظي) من العبارة في أحسن مواقعها، وقامت في الكلام على رجليها لا على أصابعها!

يقول الإمام: (وحظوا من الدنيا بما حظي به المترفون) فالجملة الأولى مقيسة على الثانية في الاستعمال إذ الأصل هو ما حظي المترفون به ثم أخذت من حظوة الآخرين الذين أشبهوهم: فبماذا يحظى المترفون ومن هم؟ جواب هذا في قوله تعالى: (واتَّبَع الذين ظلموا ما أُتْرِفوا فيه) وقوله: (وأخذنا مُترفيهم بالعذاب) وقوله: (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها، فحق عليها القول، فدمرناها تدميراً)

والآن فلنطفئ مصباح علاء الدين فان لم يكن المعنى الذي نرمي إليه قد انكشف ففي مقالة أخرى سنستعير مصباحاً كشافاً من الأسطول البريطاني)

قلت: في هذا التفسير تعمُّق، وهذه هي الجمل التي وردت قبل عبارة (الخطوة) وبعدها، وفيها البيان الكشاف:

(إن المتقين ذهبوا بعاجل الدنيا وآجل الآخرة، فشاركوا أهل الدنيا في دنياهم، ولم يشاركهم أهل الدنيا في آخرتهم، سكنوا الدنيا بأفضل ما سكنت، وأكلوها بأفضل ما أُكِلت، فحظوا من الدنيا بما حظي به المترفون، وأخذوا منها ما أخذه الجبابرة المتكبرون، ثم انقلبوا عنها بالزاد المبلغ والمتجر الرابح، أصابوا لذة زهد الدنيا في دنياهم، وتيقنوا أنهم جيران الله غداً في آخرتهم).

وقال الأستاذ الرافعي (رحمه الله: (ثم قال الأزهري: لم يقل أحد قولا في (حظي بالشيء) إلا العلامة الشيخ إبراهيم اليازجي في هذا الزمان، ثم ذكر انتقاد اليازجي استعمال شاعرنا حافظ إبراهيم في ترجمة البؤساء قال: (فلاقاه بعد أيام حجة الإسلام السيد رشيد رضا فقال له - وقد سمعنا قوله - يا شيخ يا شيخ إن الذي خطأته من كلام حافظ إبراهيم هو في أول صحيح البخاري قال: فبهت الشيخ وترك السيد وهو كاسف البال).

وترى ما الذي فهم القراء من هذا؟ وما هو الذي يُعد من كلام حافظ إبراهيم وفي صحيح البخاري في وقت معا؟.

لا بأس أن نفيد قراء (البلاغ) فائدة وأن نصحح لحضرة أزهري، فأن اليازجي لم ينتقد (حظي بالشيء) كما يزعم، وإنما انتقد استعمال المصدر قال: (ويقولون الحظوي وإنما هي الحظوة) بالهاء ولم يزد على ذلك. ومما أخذ به حافظ في ترجمة البؤساء أنه يتكلف في الاستعمال وعد من ذلك قوله: (كأني أسمع صوتاً يقطر منه الدم) قال: وقطران الدم من الصوت مما لا تأنس به الأفهام. وهذه هي العبارة الواردة في البخاري ولكن حافظ (رحمه الله) لم يأخذها من البخاري وإنما سلخها من (الأغاني) وقد سار شيطانه بعد انتقال اليازجي، فلقى بعض أصدقائه فقال له بالحرف: (اليازجي غير مطلع في العربية).

قال الصديق: لماذا؟

قال: أنه عاب عليّ: (أسمع صوتاً يقطر منه الدم) مع أن العبارة في الأغاني

قال صديقه: يا حافظ، اتق الله، لأن يقول الشيخ: إن في العبارة مجازا بعيدا خير لك من أن يقول: أنك سرقتها من الأغاني. . .

أمّا هل أخطأ اليازجي أو حافظ فهذا كلام آخر)

قلت: ومما نقده الشيخ اليازجي في (البؤساء): (فخرجت ربة المنزل بالصمت عن لا ونعم أي لم تقل لا ولا نعم، ومن هذا القبيل: أحمل له ضبَّ الضغن. على أن الضب والضغن شيء واحد وكلاهما بمعنى الحقد)

ولم يحك لنا (صديق حافظ) قوله في نقد اليازجي هاتين العبارتين فحالهما كحال ذاك (الصوت) والقياس يدل أن هناك ثورة وسورة وقولا. . .

وقد غزا حافظ في الأولى بشارا:

لم يطل ليلي ولكن لم أنم ... ونفى عني الكرى طيفٌ ألم

وإذا قلت لها: جودي لنا ... خرجت بالصمت عن لا ونعم

وأغار في الثانية على ربيع بن مقروم:

وكم من حامل لي ضبّ ضغن ... بعيد قلبه، حلو اللسان

قال التبريزي في (شرح الحماسة): (الضب الحقد. وأضافه إلى الضغن لأن الضغن العسر، فكأنه حقد عسر) وغزوات حافظ البريطانية الإيطالية الفرنسية. . . وغاراته التركية. . . في (بؤسائه ولياليه) تخبرنا أنه خليفة سعيد بن حميد في هذا العصر قال ابن النديم في (الفهرست): (سعيد بن حميد كاتب شاعر مترسل عذب الألفاظ، مقدم في صناعته، جيد التناول للسرقة كثير الإغارة. لو قيل لكلام سعيد وشعره: ارجع إلى أهلك لما بقي معه شيء) ومن نقد (البؤساء) لليازجي: (استعماله (البرهة) للزمن القصير و (باهت اللون) بمعنى كمده و (تبقى عليه كذا) أي بقي و (ألم تعثر في طريقك أيها الراهب بغلام) والمنصوص عليه في هذا المعنى عثر عليه لا به، وبقيت (تقضقض) من البرد أي تقفقف، ولم يجيء قضقض بهذا المعنى).

قلت: قضقض الشيء فتقضقض كسره فتكسر، والقضقضة صوت كسر العظام، وفي شعر أبي تمام:

طلبُ المجد يورث المرء خبلا ... وهموماً تقضقض الحيزوما

وفي حديث صفية بنت عبد المطلب: (فأطل علينا يهودي، فقمت إليه فضربت رأسه بالسيف، ثم رميت به عليهم، فتقضقضوا) أي انكسروا وتفرقوا كما في النهاية

وفي ذاك (النقد): (ولمحتُ بأحد فخذيك (فدعا) والفدع يكون في القدم لا في الفخذ، وهو أن يعوج الرسغ حتى تنقلب القدم إلى انسيها، وقيل: هو أن يمشي على ظهر القدم).

قلت: أكثر ما يكون الفدع في الرسغ من اليد والقدم، وفي (اللسان): (الفدع عوج وميل في المفاصل كلها خلقة أو داء كأن المفاصل قد زالت عن مواضعها، لا يستطاع بسطها معه).

ومن ذاك (النقد: (عولت على مغادرة ابنتي: أي أجمعت وصممت، وليس هذا معنى اللفظة، ولكن يقال. عوّل عليه بمعنى اتكل).

قلت: في (الجمهرة): عوّل عليّ بما شئت أي حملني ما شئت من ثقلك، وفي (الصحاح): عول علي بما شئت أي استعن بي ومثل هذا في (اللسان والأساس) وفي (الأساس): (ويقال: عول على السفر إذا وطَّن نفسه عليه) وقول حافظ يضارعه. وفي الرابعة والثلاثين من المقامات الحريرية: (قال: أتدري لمَ أعولت، وعلام عوّلت؟) وقد فسر بعض الشراح عول بمعنى عزم واعتمد، وهو مقصود ابن الحريري، ولم ينقد ابن الخشاب هذه اللفظة. وفسر الشريشي عول بمعنى اتكل، وعبارة المقامة لا تعني الاتكال.

ونقد اليازجي (النجمة للنجم).

قلت: النجمة ضرب من النبت كما في (الصحاح) والنجمة الكلمة، ولم أجد النجمة للنجم في المعجمات المعروفة المطبوعة. غير أني قرأت في (التاج) في مستدركه: (ونجمة الصبح فرس نجيب) ورأيت في (أقرب الموارد): (النجمة النجم وهي أخص منه) وقد جاء هذا بعد تفسير: (علم النجوم، نجوم الأخذ، فلان ينظر في النجوم) فغير العارف يظن أن النجمة مثل النجم. والأصل لما فيه (أقرب الموارد) هو في (النهاية): (ومنه حديث جرير: بين نخلة وضالة ونجمة وأثلة. النجمة أخص من النجم وكأنها واحدته كنبتة ونبت) وروى (اللسان) هذا الكلام، فنقل صاحب (أقرب الموارد) منقوله، ورتبه كما رتّب ليظل من يطالع معجمه. والشيخ سعيد الشرتوني فاضل كبير، وله مصنفات حسنة، ومقالات متقنة، لكن معجمه (أقرب الموارد) لا يوثق به، فقد تكردست فيه الأغلاط تكردسا.

الإسكندرية

(* * *)