مجلة الرسالة/العدد 264/تيسير قواعد الإعراب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 264/تيسير قواعد الإعراب

ملاحظات: بتاريخ: 25 - 07 - 1938



لأستاذ فاضل

- 2 -

ولابد من تقدير الإعراب في الجمل أيضاً، لأنه قد يعطف على الجملة اسم مفرد يراعى فيه تقدير إعرابها، فيجب من أجل هذا تقدير الإعراب فيها، ومن ذلك قول الشاعر:

يا رُبَّ بيضاَء من الْعَواهِجِ ... أمِّ صبيٍ قد حَباَ أو دَراِجِ

ومن قوله تعالى: (يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي)

فإذا قلنا - زيد يحسن - فزيد مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة، وجملة يحسن خبر المبتدأ مرفوعة بضمة مقدرة. وهكذا كل الجمل التي تقع خبراً عن مبتدأ أو حالا أو صفة أو نحو ذلك؛ أما الجمل التي لا تقع هذا الموقع فلا يقدر إعراب فيها

وقد ثبت من هذا كله أن ألفاظ العربية كلها معربة، ومن الواجب أن ينقل الإعراب بعد هذا إلى اصطلاح غير الاصطلاح المعروف له، لأن اصطلاحهم في الإعراب أنه عبارة عن تغير أحوال أواخر الكلم لاختلاف العوامل الداخلة عليها لفظاً أو تقديراً، والإعراب على هذا لابد له من عامل يقتضيه، فإذا لم يكن هناك عامل لم يكن هناك إعراب، ولهذا كانت الحروف وبعض الأفعال عندهم غير معربة. وقد ذهب بعض من النحويين إلى إعراب فعل الأمر فلم يكن له بد من تكلف عامل في إعرابه لأنه لا يوجد إعراب لا عامل له، والكوفيون هم الذين ذهبوا إلى إعراب فعل الأمر، وهو عندهم مجزوم بلام أمر مقدرة، لأنه في رأيهم مقتطع من المضارع، فأصل - قُمْ - مثلاً - لِتَقُمْ - حذفت اللام للتخفيف، وتبعها حرف المضارعة وهو التاء، وقد قال صاحب المغني: وبقولهم أقول، لأن الأمر معني فحقه أن يؤدى بالحرف، ولأنه أخو النهي وقد دل عليه بالحرف

أما الإعراب في الاصطلاح الذي ننقله إليه فهو عبارة عن تغير أواخر أجزاء الكلام على حسب ما جاء عن أهل اللغة، فلا يلزم في الإعراب على هذا الاصطلاح أن يكون معه عامل مقتض له، ولهذا يجيء عندنا في الحروف والأفعال التي يرى القوم أنها مبنية لا معربة، وهذا الاصطلاح يغنينا عما تكلفوه من العوامل في بعض المواضع التي جاء الإعراب فيها بدون عامل، كالمبتدأ الذي يتكلفون له عاملاً يسمونه الأبتداء، وكالمض الذي يتكلفون في رفعه عاملاً يسمونه التجرد من الناصب والجازم

على أن هناك ما هو أهم من هذا في ترجيح اصطلاحنا في الإعراب على اصطلاحهم وما يثبت به أن هذا هو معنى الإعراب في اللغات المعربة، لأن اللغات الغير معربة هي التي تنتهي أواخر كلماتها بالسكون دائماً ولا فرق في ذلك بين أسمائها وأفعالها وحروفها، وهذا كما نراه في لغاتنا العامية وغيرها من اللغات التي لا إعراب فيها، أما اللغات المعربة فهي التي لا تلزم أواخر كلماتها هذه الحالة من السكون، بل يتغير آخرها من ضم إلى فتح إلى كسر إلى سكون على حسب ما جاء عن أهلها، فيجب أن يكون الإعراب فيها بهذا المعنى فلا يختص به نوع من ألفاظها، ويكون عاماً في كلماتها كلها، ويشمل في ذلك أسماءها وأفعالها وحروفها

وقد ذكرنا أن الكوفيين يذهبون في فعل الأمر إلى أنه معرب لا مبني، وهذا يدل على أن مسألة الإعراب والبناء مسألة تقديرية، وأنه لا شيء في أن نذهب فيها ذلك المذهب الذي يتفق مع تلك الغاية التي تريدها وزارة المعارف من تسهيل قواعد الإعراب، وقد جاء عملنا فيها أتم من عمل جماعتها وأعم إصلاحاً منه، وأقرب إلى الغاية التي تريدها، كما جاء دليلاً على أنها كانت مخطئة حينما تناست رجال الأزهر في هذا العمل الذي ألفت من أجله هذه الجماعة ولم تظم إليها من الشيوخ الأزهريين من يهمه أمر هذه اللغة كما تهمها

العلامات الأصلية والفرعية للإعراب

ترى الجماعة في هذا أن تجعل كلا من هذه العلامات أصلاً في بابه، وأن يقسم الاسم المعرب إلى الأقسام الآتية:

1 - اسم تظهر فيه الحركات الثلاث وهو اكثر الأسماء

2 - اسم تظهر فيها الحركات الثلاث مع مدها وهو الأسماء الخمسة

3 - اسم تظهر فيه حركتا الضم والفتح وهو الممنوع من التنوين

4 - اسم تظهر فيه حركتا الضم والكسر وهو الجمع بالألف والتاء

5 - اسم تظهر فيه حركة الفتح وحدها وهو الاسم المنقوص

6 - اسم تظهر فيه ألف ونون أو ياء ونون وهو المثنى

7 - اسم تظهر فيه واو ونون أو ياء ونون وهو المجموع بهما ويستغنى بهذا عند الجماعة عن الإعراب التقديري، وعن القول بنيابة علامة عن علامة

وقد عرفت أنه لا يمكن الاستغناء عن الإعراب التقديري، فلا نعيد ذلك هنا، وكذلك لا يمكن الاستغناء عن القول بنيابة علامة عن علامة، لأن اسم الضم كالمرادف لأسم الرفع وكذلك الفتح مع النصب، والكسر مع الخفض أو الجر؛ فإذا حصل رفع بغير الضم أو نصب بغير الفتح أو خفض بغير الكسر كان الأقرب إلى الفهم في ذلك أن يجعل بطريق النيابة، فيكون ما ذهبت إليه الجماعة فيه تعسيراً لا تيسيراً، وليس هناك ما يدعو إلى ارتكابه من اختصار في الإعراب أو نحوه، بل الأبواب هي الأبواب بحالها، والعلامات هي العلامات بدون تغيير فيها، الله إلا ذلك التغير الذي لا طائل تحته

فيجب أن تبقى علامات الإعراب على حالها، وأن تكون علاماتها الأصلية هي الضم في الرفع، والفتح في النصب، والكسر في الخفض، والسكون في الجزم، وأن تكون علاماتها الفرعية كما هي بدون زيادة أو نقص فيها إلا علامة واحدة نرى زيادتها في باب النداء، لأن المنادى فيه إذا كان مفرداً ينصب بالضم وما ينوب عنه من الألف والنون أو الواو والنون، فتكون الضمة في ذلك نيابة عن الفتحة، وقد نابت الكسرة عن الفتحة في جمع المؤنث السالم، ونابت الفتحة عن الكسرة في الاسم الذي لا ينصرف، فلا شيء في أن تجعل الضمة وما ينوب عنها نائبة عن الفتحة في المنادى إذا كان مفرداً

فيقال في إعراب - يا أحمد - أحمد منادى منصوب بالضمة نيابة عن الفتحة، وفي إعراب - يا زيدان - زيدان منادى منصوب بالألف النائبة عن الضمة نيابة عن الفتحة، وفي إعراب - يا زيدون - زيدون منادى منصوب بالواو النائبة عن الضمة نيابة عن الفتحة، وفي إعراب - يا سيبويه - سيبويه منادى منصوب بالضمة المقدرة نيابة عن الفتحة، ولابد من تقدير الضمة في المثال الأخير كما قدرت فيه عند الجمهور، لأن ظهورها في تابعه دليل على تقديرها فيه

ولا شك أن تقدير الجمهور للضمة في نحو - يا سيبويه - فيه تقريب لما ذهبنا إليه من تقديرها في نحو - جاء سيبويه - لأن الذي منع من ظهور الضمة عند الجمهور في نحو - يا سيبويه - إنما هو حركة البناء الأصلي، وهذا هو عين ما ذهبنا إليه من جعل هذه الحركة موجبة لتقدير الاعراب، وجعلها في ذلك كألف المقصور وياء المنقوص سواء بسواء

(يتبع)

أزهري