مجلة الرسالة/العدد 244/من والد إلى ولده

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 244/من والد إلى ولده

ملاحظات: بتاريخ: 07 - 03 - 1938



للأستاذ محمود خيرت بك

المهندس الشاب أبو بكر خيرت، ولد صديقنا الشاعر محمود بك خيرت، هدية من هدايا النبوغ لمصر. تخرج في هندسة العمارة من مدرسة الفنون الجميلة العليا بباريس بدرجة التفوق والامتياز، ثم بهر بأعماله الفنية رابطة المهندسين في فرنسا وإنجلترا فمنحوه الجوائز والأنواط تقديراً لنبوغه؛ وتقدم إلى المسابقة التي اقترحها بنك مصر لفندقه وعمارته في ميدان إبراهيم بالقاهرة فأحرز قصب السبق على ثلاثة وعشرين مهندساً عالميين من أجانب ومصريين وفاز بالجائزة الأولى الممتازة، وكرمه المهندسون المصريون وعلى رأسهم معالي حسين سري باشا، فهز كل أولئك من شعور أبيه فعبر عن سروره بولده، واعترافه للبنك، وشكره لله، بهذه القصيدة:

أين حُسن الربيع في إقبالِهْ ... نتَنشَّى مِن الصَّفا في ظلالِهْ

وابتهاجُ السماء والبدر سارٍ ... يتهادى في هالةٍ من جلاله

واهتزازُ الغصون تشدو القماري ... فوقها شَدْو زاخِرِ الشوق وَالِه

وابتسامُ العروس في ثوبها الشّ ... فِّ تبدَّت أعطافُها من خلاله

أين هذا من مُنتدًى غمَرته ... نشوة البشر يوم عيد احتفالِه

كرّموا فيه صفوةً من شبابٍ ... هام بالفن وارتوى من زلاله

وفتىً منهمُ عرفناه لمّا ... أحرز السبق رابضاً في مجاله

والدّجى مظلم الجوانبِ إلاّ ... إن بدا في السماء وجهُ هلاله

كان للفن من حضارة ميناَ ... والأُلَى قد سروْا على مِنواله

روعةٌ تسحر النفوس ومعنىً ... يفتن المعجَبين سحرُ جماله

إنما كرّت الليالي عليَهْ ... فطوتْه موسّداً في رمالِه

لا نرى حسنه البديعُ ولا نَلْ ... مَس من مجده سوى أطْلاله

كالأسير الهزيل تنكره العَيْ ... ن وتبكي عليه في أغلاله

آن أن يرسل الزمان إليه ... مِن بَنيه من حَلَّه مِن عقاله

بَعثَ الفنُّ من ثراهُ أبو بك ... رٍ وأوفى على نواحِي كمالِ كان بَراًّ ومن أحن على الف ... نِّ طواه الزمان من أشباله

أين شوقي وأين حافظُ كانا ... ينظمان الجُمان في رئباله

يا فتى مصرَ مَن بِمدِحك أولى ... مِن أبٍ أنت ذخره في اكتهاله

كم جَرى دمعهُ على عارضَيه ... هاطلا كالسحاب في تَهطاله

يوم آثرتَ الاغتراب لكيما ... تأخذ العلم ناضجا عَن رجاله

كان من نفسك الشّجّية أشهى ... من حبيب شجاك يومُ وصالِه

تتقرّاهُ عند كل صبَاحٍ ... وترى إن غفوْت طيف خياله

شارداً لا يقرّ جنبك إلاّ ... إن رشفت العتيق من جِرْياله

فتنقَّلت كالهلال وهل يص ... بح بدراً إلا بفضل انتقاله

لم يكن مسرفا أبوك لدى الظّ ... نّ ولا كان سابحاً في ضلالِه

يوم ألْفاك وحدةً لجلال الف ... ن تُحي الرُثيث من آماله

فلقد شاءت المقادير أن عُد ... تَ إليه وأنت مِن أبطاله

والذي يعشق العلى يسهر اللّيْ ... ل طويلا وجدّه رأس ماله

ذاك فضل أفاضه بنك مصر ... هو بعض الطَّريف من افضاله

كل يوم نرى له حَسَناتٍ ... فخرهُ أنّها صَدى أعماله

وينمّ العبيرُ عَن عاطر المسْ ... كِ وكسْبُ السّباق عَن خياله

أنت يا بنكُ للكنانة عصر ... ذهبيٌ يجرّ ذيل اختياله

كنتَ للنّيل مطلع اسْتهلاله ... ورأيناك غاية استقلالِه

قُمت بالعبء أنت وحدك لا يل ... ويك عنه الثقيل من أحماله

ومهَرت البلاد صرحاً سيبقى ... للمدى شامخاً على أمثاله

شاهداً أن مصر فيها شبابٌ ... لا يُدانيه غيره في نضاله

قد كسبتَ الرضى من الله والنا ... س وكنتَ المشكورَ في أفعاله

محمود خيرت