مجلة الرسالة/العدد 240/من أدب العمد

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 240/من أدب العمد

ملاحظات: بتاريخ: 07 - 02 - 1938



بين ديكي وكلبي

للشيخ حسن عبد العزيز الدالي

ديكي العزيز!

بقروش فوق الستين اشتريتك يا ديكي العزيز، بعد بحث طويل عنك في الأسواق. وما أكثر الديكة من إخوانك أيها الديك، ولكن قليلاً منهم ما يشبهك. وأين من الديكة جمال ريشك، وطول عُرفك، وثقل وزنك، وخفة روحك؟ صفات ما اجتمعت قبلك في ديك. فأنت الذي كنت أبحث عنه في الأسواق بذاته وعينه وخصوصيته، حتى عثرت بك!

وعنيت بأمرك يا ديكي كل العناية؛ فأفردت لك جناحاً خاصاً تسرح فيه وتمرح، فتنفش ريشك الأخضر الجميل، وتخفق بجناحك الزاهي الممدود، وتدلي عرفك الأحمر الطويل، وتكركر بصوتك الموسيقي الصادح: كُر كُر كُرْ. . . . . . .

بيدي كنت أقدم إليك الطعام في الأطباق الصيني في وجبات منتظمة الميعاد، شهية المذاق، مغذية سائغة، استعداداً ليومك المعهود بعد ثلاثة أسابيع، يومَ تُزَفُّ في الصحفة الكبيرة، لتكون عشاء العروسين في ليلة الزفاف. أيّ شرف كنت أُعدّ لك أيها الديك؟ ولكن. . .

ليت شعري ماذا أصابك أيها الديك. . .؟ لقد كنت في زيارتك أمس بعد الغروب ورأيتك وأنت تقفز بخفتك ونشاطك إلى العريش الذي اتخذته لك بيتاً عندما يجن الظلام. . . ويلي منكم يا معشر الديكة! لا يفارقكم الزهو والخيلاء: ففي النهار كرٌّ وفرّ وعُجْبٌ وكبرياء، وفي الليل لا يرضيك أن يمس جنبيك التراب فتأبى إلا العلاء. . .؟ بَلَى، رأيتك أمس يا ديكي في خفتك ونشاطك، وعافيتك وصحتك، وحوصلتك مملوءة، وعرفك ريان؛ فماذا دهاك في الصباح يا ديك؟

يا أسفاه وقد غدوت عليك لأقدم إليك الفطور بيميني فإذا أنت جثة هامدة، ملقى على الأرض، معفر بالتراب، تحت السرير الذي ارتقيته أمس مزهواً أمام عيني!

لقد أحزنني مرآك يا ديك على هذه الحال، وبجوارك ذلك الكلب الصغير (بيتر) الذي أصفاك الود منذ حللت الدار!

ما بك من جرح أيها الديك يُظن أن صديقك الأمين قد أحدثه بك في ثورة طيش، وما بك رضٌ يحتمل أن يكون من جراء سقوطك من مرقدك في غفوة حلم؛ وهذا مكانك دافئ لا إمكان لأن ينالك فيه برد. . . إذن فماذا. . .؟

لابد من تشريح الجثة لمعرفة سبب الوفاة. ليس في الأمر جريمة على ما أعتقد وأرى! أهي سكتة قلبية؟ أهي ذبحة صدرية؟ أهو تصلب في الشرايين. . . .؟ ليتني أعرف يا ديكي العزيز. . .!

يا للقدر! لقد كنا نأمل أن يكون تشريحك بين العروسين في ليلة الزفاف، فكيف يطاوعني قلبي أن أبدلك منهما مبضع الطبيب البيطري. . .!

هذا صديقك (بيتر) يهز ذيله في حيرة، وينكت الأرض برجليه في ألم، ويعوي من قلبه في صوت مبحوح. ماذا يريد يا ترى؟ أيطمع أن يرشدنا إلى القاتل وليس هناك جريمة؟ أم يريد أن يقوم هو بعملية التشريح وتمزيق اللحم بعد ما أصبح الديك لا يصلح للعروسين، أم. . . أم هو يبدي الحزن على صديقه الفقيد ويريد أن يحفر له قبره بيده. . .؟

من يدري أي سر يعتمل في صدر هذا الحيوان؟ لقد تركناه لحاله وما فهمنا قصده، واتجهنا إلى هذا الفقيد نفكر فيما نصنع به وأخيراً شيعناه بنظرة وداع، وعقدنا العزم على أن نجعله طعاماً لبيتر. ما أشد ظلم الإنسان للحيوان، حتى على الموت! لقد قطعنا فخذ الديك فنزعنا ما بها من ريش، ثم جعلناها وجبة الطعام لبيتر. . . ولكن. . . يا عجبا! إن بيتر يأبى أن يأكل من لحم صديقه الذي مات، على شهوته وجوعه. ها هو ذا يعمد إلى الريش المنزوع فيجمعه بفيه ثم يغطي به هذه الفخذ العارية. لقد قام الكلب بواجبه، فكفن صديقه في أثوابه وواراه التراب!

يا للوفاء! الكلب يأبى أن يأكل لحم صديقه ميتاً وإنه لا يعف عن طعام، والإنسان - ويلي على الإنسان! - والإنسان لا يتعفف أن يأكل لحم أخيه. . . إن في الكلاب لنُبلاً وشهامة. . .!

لله أنت يا بيتر، وفي ذمة الله يا ديكي!!

حسن عبد العزيز الدالي

عمدة كفر دميرة القديم