مجلة الرسالة/العدد 238/الجلوة الملكية

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 238/الجلوة الملكية

ملاحظات: بتاريخ: 24 - 01 - 1938



للأستاذ إبراهيم مأمون

أي مجد حيال مجدك يُذكر؟ ... هذه الشمسُ في رحابك تُنثَرهْ

وابنُها البدرُ من رآك على العر ... ش تجلّيت، للوراء تأخّرْ

ونجومُ السماء تنتظم الأف ... قَ توشّيه من سناك المنضَّرْ

والنهار الضحوك يبتدر الشم ... س بوجه على الأريكة أنورْ

والنسيم الحفيّ يستاف ريا ... كَ، ومن فوحه أريج وعبهر

والرياحين في الرياض تواثب ... ن يُضمّخن من شَذاك المعطّرُ

والصِّبا الغضُّ: في المواكب ينسا ... ب انسياب الجمال في الروض أزهر

والكهولات زايلت كل كهل ... في مدَى يزحم النفوس ويبهرْ

والأغانيّ رَنّحت أذنَ الده ... ر فوافى لدى زفافك يسمُر

هذه هذه أغاريد مصر؟ ... أم هو الكون بين نايٍ ومزهر؟

ضَجَّ في سمعه الهتاف ودوّى ... منطق النيل في البلاد وزمجر

لَهوات الطيور تبتدع الشد ... ووتوليه صوت مصر المطهر

سال لحناً على شفاه مجالي ... ها، ومن نَفحة السماء تحدّر

في أغانٍ عُهِدن في شدْو (داو ... د)، ومن لحن بُوقه تتفجّر

وهتاف جرى على قصب الخل ... د، فغنت به ضفاف الكوثر

سرتُ والشعرَ في زفافك يا فا ... روق أحدو البيان غير مؤخر

وأناديه: إيه شعري، فهذا ... هو مجلاك، والكنانة مِنبر!

هات يا شعرُ من رصين القوافي ... هات بكرَ الخيال غير مُزَوَّر

لا تطف بي على عوانس ماضي ... ك. ومِل بي إلى البيان تمصّر

فاستوى يرسلُ المعانِيَ أبكا ... راً، ويُضفي الخيال لا يتعثر

ومضى بي كما أردت إلى العر ... ش، ومن دوننا جلالةُ عبقر

فإذا الساح والمواكب فيها ... حاشدات تسبي النفوس وتسحر

وإذا الشعر لا يشاء مضياً ... وإذا بي عن المدى أتأخر!! وإذا الحشد لا يطيق سكوتاً ... شهد العرشَ والمليكَ فكبرَّ

وإذا مصر بالهتاف تدوّي ... ذاك ركب الفاروق، الله أكبر!

عجزت ريشة المصور وارت ... دّ يراع الأديب غير مؤزَّر

وانتبذتُ القرطاس والقلم الفخ ... مَ، وأنكرت كل ما كان يُسْطر

وتسللت في الرياض لعلّي ... بجلال الرياض أحظى وأظفر

فإذا الصمت يحتوينيَ حيرا ... نَ، وشعري هناك غير مُيسَّرْ

ورأتني بلابل النيل أسْعى ... فتساءلن: ما لذاك تحيَّرْ؟

قلت: أرجو الإلهام من نفحة الر ... وض أحيّ به الزفاف الموقر

فتهامسنَ: ما لذاك؟ وعن أيّ ... ة حالٍ يرى المحاكِيَ عبَّر؟

أم عن العرش في الجلالة يبدو ... ضاحيَ الوجه، باسم الثغر، أحور؟

أم عن المُلك بات ينتظم الشع ... ب، كأن العباد للبعث تحشر؟

أم عن الليل بات يستبق الصب ... ح بوجهٍ من المواكب أقمر؟

أم عن الضوء في ائتلاق من البي ... ت يريك النهار أو هو أبهر؟

أم عن الغِيد يحتشدن جماعا ... ت وفي ركبها العفاف يُنَضَّرْ؟

أم عن الزهر في فروع العذارى ... يتهادين كالغصون تؤطَّر؟

أم عن الجَلوة المهيبة تسعى ... في احتشادٍ به الكمال تخفر؟

أم عن الدين في المحاريب يجثو ... بالدعاء المجاب للعرش يجْأر؟

أم عن الجحفل العرمرم في السا ... حة يهتزّ لِلوّاء المظفرْ

أم عن الخيل في رحابك يَرقصْ ... ن وفي موطن المنى تتبخترْ؟

أم عن الحائمات هَزَّمْن في الج ... وّ ومن نشوة العلا تتهدّر؟

أفحمْتني، فقلت: ويحك ماذا ... صُغْتهِ أنت؟ فانتحتْ تتفكر!

قلت. إيه بلابل النيل شدوا ... إن وصف البيان في الحق قَصّر!

فتناجين - والحقيقة تهفو - ... هكذا الوصف، نحن في الأمر نُعذر

قلت: إيه بلابل النيل إيهٍ ... إن جُهد المُقلِّ في الحفل يشكرْ

هل أتاك الحديث من شفةِ الوا ... دي بيوم على الزمان مُشهَّرْ أو رأيت الرحاب عادت سماء ... بسوى وجهك المضيء المدنّرْ

مهرجانٌ على المشارق ضافٍ ... يحشد الدهر رائعاً يتجمْهرْ

هذه مصر تحتفي بيفاع ... ساس بالحكمة الشئون ودبّر

يافعٌ، أروعُ الفؤاد، مُزكيَّ ... طيبُ النفس بالحنيف تَدَثّر

بلغَ الرشدَ يوم نُزِّيَ في المه ... د، وما كان في الأمور بإِمَّر

من وفاء البلاد إكليله السمْ ... حُ ومن حبها المؤكد يُضْفَرْ

وله الشمس وهي تاج المعالي ... تاج عِزٍّ، على سواه تكبر!

لم يُتح قبلُ للعياهِل في الأر ... ض ولم يُتخذْ لهامةِ قيصَرْ

رامه الشعب للمُمَلَّك رمسي ... س، وللفاطميِّ رجّاه جوهَرْ

يا مليك البلاد: ذلك يومٌ ... في حَشيد الأيام لَن يتنكّرْ

خفّ في قدسه فراعنة الوا ... دي نشاوى الخطا تُدِل وتفخَرْ

وكأن الوفود من (عين شمس) ... ومن (الكرنك) المخلد تخطرْ

وكأنّ الزفاف في (طيْبة) المج ... د وحشد الجموع حول (الأقصُر)

ههنا الصِّيد من فراعنة الوا ... دي يرون البلاد في العُرس تزخر

ذاك (وادي الملوك) ينتظم الني ... ل جلالاً على السفائن تمخُرْ

فانظر النيل والمواخر فيه ... تلْق دنيا من الزمان تُنشَّرْ

تلق عرش البلاد من (آل خوفو) ... ضاحيَ الحشد بين جند وعسكر

وترى (أحمسَ) الجريَء يزجّي ... سفن المجد تستزيد وتكثرْ

وانظر السُّفْنَ في الوشائع نشوى ... إن فيها (تحتْمسَ) النيل يَزْأرْ

أمِنتْ مصْرُ مِنْ عَوادي اللّيالي ... وزمان الفاروق بالعدل أسفر

إبراهيم مأمون

المدرس بمدرسة فؤاد الثانوية بالزقازيق