مجلة الرسالة/العدد 237/نقل الأديب
مجلة الرسالة/العدد 237/نقل الأديب
للأستاذ محمد إسعاف النشاشيبي
335 - سبحان الله!
في (بغية الوعاة): الشيخ ضياء الدين القرمي العفيفي العلامة المتفنن كان إماما عالماً بالتفسير والرواية والمعاني والبيان والفقه، وكانت لحيته طويلة بحيث تصل إلى قدميه، ولا ينام إلا وهي في كيس، وإذا ركب تتفرق فرقتين. وكان عوام مصر إذا رأوه يقولون: سبحان الله! فكان يقول: عوام مصر مؤمنون حقاً لأنهم يستدلون بالصنعة على الصانع. . .
336 - ألم نسمع بفتكة جساس؟
أبو بكر بن جزي في طبيب يهودي:
ورُبّ يهوديّ أتى متطبباً ... ليأخذ ثارات اليهود من الناس
إذا جسّ نبضَ المرء أودى بنفسه ... سريعاً، ألمْ تسمعْ بفتكة جسّاس؟
337 - كنت أكون أذن أحمقين
في (ألف با) لأبي الحجاج البلوي: دخل جحا ذات يوم دار الرحا فجعل يأخذ من قمح الناس ويجعله في قفته فقيل له: لأي شيء تضع هذا؟ فقال: لأني أحمق. فقيل له: فلم لا تجعل شيئاً من قمحك في قفاف الناس؟ فقال: كنت أكون أذن أحمقين. . .
338 - أقمته مقام هزؤ
في (سرح العيون) لابن نباتة المصري: يروى أن المأمون كان قد أنحرف عن سهل بن هارون إلى أن دخل عليه يوماً فقال: يا أمير المؤمنين، إنك ظلمتني وظلمت فلاناً الكاتب. فقال: ويلك وكيف؟! قال: رفعته فوق قدره، ووضعتني دون قدري، إلا أنك في ذلك اشد ظلماً. قال كيف؟ قال: لأنك أقمته مقام هزؤ، وأقمتني مقام رحمة. فضحك المأمون وقال: قاتلك الله ما أهجاك! ورضى عنه.
339 - ولكن سليقي أقول فأعرب
في (تاريخ اليمن) لنجم الدين عمارة اليمني: جبلا عكاد فوق مدينة الزرايب وأهلها باقو على اللغة العربية من الجاهلية إلى اليوم، لم تتغير لغتهم بحكم أنهم لم يختلطوا قط بأحد من أهل الحاضرة في مناكحتهم ولا مساكنتهم. وهم أهل قرار لا يضعنون عنه. ولقد أذكر أني دخلت زبيد في سنة (520) أطلب الفقه دون العشرين فكان الفقهاء في جميع المدارس يتعجبون من كوني لا ألحن في شيء من الكلام، فأقسم الفقيه نصر الله بن سالم الحضرمي بالله لقد قرأ هذا الصبي في النحو قراءة كثيرة. فلما طالت المدة والخلطة بيني وبينه صرت إذا لقيته يقول: مرحباً بمن حنثت في يميني لأجله. ولما زارني والدي وسبعة من إخواني في زبيد أحضرت الفقهاء فتحدثوا معهم فلا والله ما لحن أحد منهم إلا لحنة واحدة نقموها عليه.
340 - ما يقول هذا؟
في (خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر) للمحبي: مر بعض الظرفاء بغلام جميل فعثرت فرس في طين أصاب وجه الغلام منه نزر فقال الظريف: (يا ليتني كنت تراباً!).
فقال بعض المارين للغلام: ما يقول هذا؟
فقال: (ويقول الكافر: يا ليتني كنت ترابا). . .
341 - يعشق مطلق الجمال
في (شذرات الذهب ونفح الطيب): كان ابن الفارض عشاقاً يعشق مطلق الجِمال حتى أنه عشق بعض الجِمال وولع به فكان يستأجره من صاحبه ليتأنس به، فقيل له: لو اشتريته فقال: المحبوب لا يُملك. وزعم بعض الكبار أنه عشق بَرنية بدكان عطار.
وذكر القوصي في (الوحيد) أنه كان للشيخ جوار بالبهنسا يذهب إليهن فيغنين له بالدف والشبابة وهو يرقص ويتواجد. وكان أيام النيل يتردد إلى المسجد المعروف بالمشتهى في الروضة ويحب مشاهدة البحر مساء، فتوجه إليه يوماً فسمع قصاراً يقصر ويقول:
قطع قلبي هذا المقطّع ... لا هو يصفو أَو يتقطع
فصرخ وسقط مغمى عليه فصار يفيق ويردد ذلك ويضطرب ثم يغمى عليه وهكذا.
342 - الأمن، الصحة، الغنى، الشباب
في (العقد): قال الحجاج بن يوسف لخريم الناعم: ما النعمة؟ قال: الأمن، فإني رأيت الخائف لا ينتفع بعيش.
قال له: زدني.
قال: فالصحة، فإني رأيت المريض لا ينتفع بعيش.
قال له: زدني.
قال: الغنى، فإني رأيت الفقير لا ينتفع بعيش.
قال له: زدني.
قال: فالشباب، فأني رأيت الشيخ لا ينتفع بعيش.
قال له: زدني. قال: ما أجد مزيداً.
343 - . . . ما سمعناه في كتاب الأغاني
مسعود الدولة النحوي مقدم الشعراء في أيام الأفضل أحمد بن بدر الجمالي أمير الجيوش المصرية:
ما أطاقوا تأمّل الجيش حتى ... كحلت كل مقلة بسنان
غنّت البيض في طُلاهم غناء ... ما سمعناه في (كتاب الأغاني)!
344 - خلعت ما لا تملك على من لا يقبل
حكي عن الشريف المرتضى أنه كان جالساً في عِلِية له تشرف على الطريق، فمر تحته ابن المطرزي الشاعر يجر نعلاً له بالية وهي تثير الغبار، فأمر بإحضاره، فلما حضر قال له: أنشدني أبياتك التي تقول فيها:
إذا لم تبلغني إليكم ركائبي ... فلا وردت ماء ولا رعت العشبا
فأنشده إياها، فلما انتهى إلى هذا البيت أشار الشريف إلى نعله البالية وقال: أهذه كانت من ركائبك. . .؟
فأطرق المطرزي ساعة ثم قال له: لما عادت هبات سيدنا الشريف (أيده الله) إلى مثل قوله:
وخذا النوم من جفوني فإني ... قد خلعت الكرى على العشاق
عادت ركائبي إلى مثل ما ترى لأنك خلعت ما لا تملك على من لا يقبل. . .