مجلة الرسالة/العدد 228/قطف الثمار
مجلة الرسالة/العدد 228/قطف الثمار
للشاعر الفيلسوف طاغور
بقلم الأديب عبد الخالق العطار
كانت حياتي أيام الصبا كزهرة. . . تفقد واحدة أو اثنتين من وريقاتها الكثيرة. . . ثم ينسيها الربيع ما فقدت. . . إذا ما وقف ببابها يطلب إحساناً
وودعت الشباب. . . فصارت حياتي كثمرة. . . ليس لها ما تستطيع فقده. . . ولكنها تنتظر من تهب له نفسها كاملة بكل ما تحمل من حلاوة
هل للأوراق الصفراء والزهور الذابلة أن تشارك الورود الناضرة في بهجتها بعيد الصيف؟ وهل لا يرسل غناء البحر أنغامه للأمواج الهابطة. . . كما يشجي بها الأمواج العالية؟
هاهي ذي اللآلئ والدرر. . . قد انتظمت في بساط يقف عليه إلهي. . . ولكن هناك كثيرون. . . ينتظرون صابرين. . . يرجون لمسة من قدمه. . .
ما أقل العقلاء. .!. . وما أعظم من يجلسون إلى جوار سيدهم!
ولكنه هو. . لقد احتوى الساذجين بين ذراعيه. . وجعلني خادمه إلى الأبد. . .
وجدت خطابه مع الصباح. . . عندما استيقظت. . .
ولم أعلم ماذا يقول فيه. . . فإني لا أعرف القراءة. . .
مالي وذاك الرجل العاقل. . . الذي يجلس وحيداً بين كتبه؟ لن أضنيه. . . وهو الذي يستطيع أن يقرأ لي خطابي. . .
دعني. . . دعني أضع الخطاب على جبيني. . . وأضمه إلى صدري
وعندما ينمو سكون الليل. . . وتتناثر النجوم في ظلمته واحدة إثر واحدة. . . سأبسط الخطاب في يدي. . . وأظلَّ صامتاً!
سيقرؤه لي حفيف الأوراق بصوت عال!
ستفنيه لي المياه وهي تندفع في مجراها!
سترتله لي سبعة نجوم هادئة. . . وسأسمع ترتيلها من السماء!
لقد ضل سبيلي. . . وأنا أبحث عما أريد!
لقد استغلق عليّ فهم ما لابد من معرفته! ولكن هذا الخطاب الذي لم يقرأ. . . قد خفف عني العبء
فصارت أفكاري كلها كالأناشيد
لقد ظللت سبيلي حيث تعددت السبل. . .
فلا في المياه الواسعة. . . ولا في السماء الزرقاء. . . أستطيع أن أجد لي طريقاً
لقد اختفى الطريق تحت أجنحة الطير. . . ووراء النجوم الملتهبة. . . وخلف أزهار الفصول المتعاقبة. . .
فتساءلت. . . أي قلبي! ألا تحمل مع ذلك حقيقة الطريق الذي لا أراه؟
عندما كنت اختال ببطء بين كنوزي الثقيلة الموروثة. . . كنت أشعر كأني الدودة التي تعيش في الظلام. . . تتغذى على الثمرة التي ولدت عليها. . .
إني أترك هذا السجن. . . سجن الفساد
إني لا أعبأ إذ أحطم تمثال السكون. . . لأني ذاهب في طريقي باحثاً عن الشباب الدائم. . .
سأتخلى عن كل ما لم يتحد مع حياتي. . .
سأتخلى عن كل شيء. . . إلا ما كان خفيفاً كضحكي
وسأجري خلال الزمان. . .
و. . . آه يا قلبي. . . في عربتك الصغيرة يرقص الشاعر ويغني بينما خياله يسبح
لقد أخذتني من يدي. . . وأدنيتني إلى جانبك. . . وأجلستني أمام الناس جميعاً. . . وفي مقام عال. . . حتى صرت ضعيفاً لا أقوى على النظر ولا السير في طريقي. . . يملؤني الشك. . . ويحيطني الوجل. . . خشية أن أعثر فيصيبني احتقار الناس. . .
ولكني تحررت أخيرا. . .
فقد دوت الصرخة. . . وقرعت الطبول إنذاراً. . . وهبط مقعدي في التراب. . .
وتفتحت السبل أمامي!
إن أجنحتي لتطير بها الرغبة إلى السماء. . .
إني أذهب لأحتل مكاني بين النجوم التي تنطلق في منتصف الليل. . . لتغرق في الظل اللانهائي، إني كسحابة الصيف التي تتقاذفها العاصفة. . . بعد أن ألقت عنها تاجها الذهبي الذي ألبسته إياها الشمس قبل أن تغيب. . . فتعلقت كسيف مسلول على سلسلة من الضوء. . . وإذا الرعد يدوي كلما اهتز السيف
وفي فرح اليائس اجري في الطريق الذي غطاه التراب. . . طريق المنبوذين. وأجيء إلى جانبك لأحييك التحية الأخيرة. . .
والطفل لا يرى أمه حتى يخرج منها. . .
فعندما صرت بعيداً عنك. . . وألقيت بمنأى من جوارك. . . صرت حراً. . . صرت حراً. . . فاستطعت أن أرى وجهك
على بعد وفي هذا المنخفض ينساب نهر الجومنا. . . هادئاً رائعاً. . . والشاطئ بارز فوقه. . . والتلال المظلمة والغابات المتناثرة قد تجمعت حوله. . .
وجلس جوفندا. . . معلم الشيخ الأعظم. . . على صخرة يقرأ الأساطير. . . عندما جاءه تلميذه راجونات. . . فخوراً بثروته فانحنى احتراماً وقال:
(لقد جئتك بهدية صغيرة. . . لا تستحق منك القبول)
قالها ووضع أمام أستاذه سوارين من الذهب المرصع بالأحجار الثمينة. . .
أمسك السيد أحدها. . . وأداره في إصبعه فبرقت الجواهر وأرسلت من الضوء. . . وفجأة. . . أفلت من يده. . . وتدحرج على الشاطئ. . . إلى أن بلغ الماء. . . واستقر في القاع
هتف راجونات. . . (يا إلهي). . . ووثب وراء السوار في الماء. . .
أعاد المعلم بصره إلى كتابه. . . وأمسكت المياه وأخفت ما سرقته. . . وسارت في طريقها. . .
واضمحل ضوء النهار. . . عندما عاد راجونات إلى أستاذه متعباً يتصبب عرقاً وقال: (قد أستطيع استرجاعه لو أنك أشرت إليّ أين سقط)
أمسك المعلم السوار الآخر. . . وقال وهو يلقيه في الماء. . . . . . (إنه هناك)
يا إله السموات. . . إن حديثك سهل بسيط. . . ولكن حديث هؤلاء الذين يتحدثون عنك ليس كذلك. . .
فما أقرب صوت نجومك إلى فهمي. . . وما أبلغ صمت أشجارك.
إن قلبي قد تفتح كالزهرة التي ملأتها حياتي في خميلة مختفية. . .
وأناشيدك. . . كالطيور الآتية من بلاد الثلج النائية. . . وتريد أن تبني لها عشاً في قلبي. . . بما فيه من حرارة كحرارة أبريل. . .
ولكم أنا قانع بانتظاري هذا الفصل البهيج
عبد الخالق العطار