مجلة الرسالة/العدد 226/من وحي الشجرة الضالة

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 226/من وحي الشجرة الضالة

ملاحظات: بتاريخ: 01 - 11 - 1937



على طريق الشعر المنثور

للأستاذ خليل هنداوي

- 1 -

ما تقول الشجرة. . .

من هو هذا الضال الذي ملأ سكينتي نداؤه؟

وما عسى يفعل الضال في ظلالي؟

أيبتغي مني هداه؟

وكيف يجد هداه من لا ينطوي قلبه على هدى؟

أنا لست ضالة وإن رأيتني في وحدتي ووحشتي:

أنا لست صامتة وإن لم تسمع لساني!

أنا لم أعتزل رفيقاتي ولو شئت الاعتزال لما استطعت!

وكل ما بي من جذور يتصل بجذورهن تحت الأرض الصامتة،

وكل ما يجري في عروقهن من دم الأرض يجري في عروقي!

- 2 -

لا تحدثني عن الاعتزال!

إن التفكير في الاعتزال هو مرض الحياة!

نحن هنا في دائرة الوجود الشاملة يتصل بعضنا ببعض!

أيستطيع عالم من هذه العوالم المختلفة أن يحيا منعزلاً!

نحن على ضلال ما ظللنا نطلب الاعتزال!

- 3 -

ألا أين هذه النار التي ستضرمنا؟

ألا حبذا النار!

لأنها عصر موحد. . . لا يترك وراءه إلا الرماد! ينبغي لنا أن نحول رماداً حتى نشعر بالاتصال!

- 4 -

لست ضالاً إلا حين تعتقد أنك جئتني منفصلاً!

وأنت ترى أن كل جذورك متعلقة بجذور الأرض

وأن خيالك متمنطق بجميع آفاق السماء!

أأنت قادر على بتر جذورك وقطع خيالك

ومن أمامك ومن ورائك سلسلة حلقاتها لا تتناهى!

- 5 -

إن في جسدي جزءاً منك

وفي جسدك جزءاً مني. . .

ونحن لا ندرك هذه الأجزاء الغريبة فينا حتى نقدر على اقتلاعها، لأنها أجزاء تآخت مع

أجزائنا

- 6 -

لم تخلق الحياة جزءاً يستطيع أن يحيا منفصلاً!

حتى الأموات الذين أكملوا دوراتهم يبقى اتصالهم بأرواحنا!

وهل يستطيع الأحياء أن يعيشوا بغير أموات؟

إنهم في يقظاتهم يمشون وراء خواطرهم وأفكارهم!

وهم في أحلامهم يعيشون في جزائرهم النائية. . .

أن إبادة الحياة لبعضها الموجود ثم تكريرها لبعضها المفقود هما سواء في معنى

الاتصال!. . .

قل معي كما أقول. . .

لتدخل كل الأكوان في روحي فإنها واسعة جداً!

ولتتزاحم كل الآفاق في عيني فإنها لا تضيق. . .

وليتمثل لي الفناء كاشراً عن أنيابه فلن يروعني لأنني جزء هائم من أجزاء الحياة الثابتة التي لا تقدر الحياة نفسها على هضمي. . .

هي تحملني تائهة من مكان إلى مكان!! إلى التربة التي أنجم فيها جديداً لأناجي فيها كل

الأكوان

- 8 -

قل للحياة. . .

اصنعي بي ما تريدين! فأنا حياة مثلك!

واجعليني إذا شئت رماداً لغذاء الزهور المتفتحة. . . إنني سأغذيها بقلبي!

لأن هذه الزهور المتفتحة تدري مثلي أنها تأكل رماد زهور كانت تحيا مثلها. . .

ليس سر الحياة في الذرة أن تشعر بأنها حبة!

إن سر الحياة في كل ذرة أن تؤدي الغاية من حياتها ثم تمضي لتأتي الذرة الثانية التي

نشأت في حضنها. . .

أنت من حياتك تمثل كل يوم هاتين الذرتين، فمثلهما على وجههما الأسمى الذي تنشده

الحياة

خليل هنداوي