مجلة الرسالة/العدد 223/رسالة الشعر

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 223/رسالة الشعر

ملاحظات: بتاريخ: 11 - 10 - 1937



الشعر

للأستاذ فخري أبو السعود

ألا يا صدى النفس قد بات حاكياً ... تترجم عنها شجوها والأمانيا

تبوح بذكراها وتحكي شعورها ... وتروي رُؤَاها صادقاً والمعانيا

وتكشف من أسرارها كل مبهم ... خبيراً بأغوار السريرة داريا

لأنَت نديم النفس في صَبَوَاتها ... وإِنْ عَنَّ خطب كنت أنت المواسيا

لها منك في الأشجان يا شعرُ مَفْزَعٌ ... تُدافِعُ عنها اليأسَ بالبِشْرِ ماحيا

وأنت قرين البأس والمجد والعلى ... وكم تلهِم العليا وتوِحي التساميا

وما أنت ألفاظٌ تُصاغ لباقةً ... ولكنْ شعورُ النفس قد فاض طاميا

مَعِينٌ بنفْس المرء يجري ترقرُقاً ... إذا حَسِبتَه غِيضَ جَرْجَرَ داويا

أهَاب به من حادث الدهر نازلٌ ... فأقْبلَ دفَّاقاً يلبّي المناديا

وما كنتُ يوماً نَاظمَ الشعرِ إنما ... غدوتُ له في صفحة الكون تاليا

أقلّب من ديوان ذا الكون صفحةً ... تلي صفحةً أتلوه للناس راويا

صحائفُ ما تَبْلَى على الدهر جِدَّةً ... وكم بات تَالوها عظاماً بواليا

صحائف حُسْنٍ قد عبدتُ صفاتهِ ... وصورتُ منه في القصيد مَجَاليا

وأودعته آمالَ أَمسِ وَهَمَّه ... وأيام حسْنٍ قد مضت ولياليا

إذا رُحتُ أَتلوها ما خططتُ رأيتُني ... كأَنِّيَ أحيا ذلك العهد ثانيا

وما العيش إلا أنْ تَرَى فتنة الورى ... وتودِعها من بعد ذاك القوافيا

فلا عشتُ إلا ناظراً متملّياً ... أُهذِّبُ شعراً يَعرِضُ الكونَ حاليا

يصوّر حسنَ الأفْق بالشمس سافراً ... ويرسم سحر البدر يغْشَى الدياجيا

وأَقدامَ طودٍ حفَّها الموجُ غاسلاً ... وهاماتِ هضبٍ لَفَّها الغيم كاسيا

ويحكي ائتلاف النور والظل والشذا ... ويحكي خُفَوقَ الغصن بالغيث ناديا

ويحكي خرير النهر يجري مُسَلْسَلاً ... وألحان طير بات في الغصن شاديا

أميرُ الفُنُونِ الشعرُ جَمَّع شملها ... وأَترعَ منهنَّ النفوس الصوادي رَوَى كلَّ عينٍ ناقشاً ومصوراً ... وكلَّ سَمَاع شادياً ومناجيا

وفيه مجالٌ للخيال وملعب ... بهِ الفكرُ يُدني كلَّ ما كان نائيا

ويمضي مع الأحلام في كل مذهب ... وترْمِي به شتى الطيوف المراميا

ويخلُق منها عالَماً بعد عالَم ... مليئاً بأسباب المسرات حاليا

ويدفعه حبُّ البعيدِ فينثني ... مع الريح يمضي أوْ إلى النجم راقيا

ويَصْدَع أَنيارَ الثرى وقيودَه ... ويمْرَحُ في طلْق السمواتِ ساريا

ويمعن في ماضي الزمان مُجَوِّلاً ... ويسبُر محجوباً من الغيب آتيا

ويجمع أطراف الحياة وتلتقي ... على وِرْدِهِ الأجيالُ شتى تواليا

فخري أبو السعود