مجلة الرسالة/العدد 217/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 217/البريد الأدبي
حول العيد الألفي للأزهر
أذاعت الصحف أن مشيخة الجامع الأزهر تنوي أن تضع برنامجاً جديداً للاحتفاء بالعيد الألفي للأزهر، وأنها ستبدأ قريباً باتخاذ الخطوات العملية لإحياء هذه الذكرى الخالدة، وهذه أول مرة نسمع فيها مذ تقلد الشيخ الأكبر منصبه باهتمام المشيخة بعيد الأزهر؛ وقد كانت للمشيخة عناية خاصة بهذا العيد منذ أعوام، وكان لها برنامج حافل وضعنه للاحتفاء بالذكرى الألفية. وقد اتخذت بالفعل عدة خطوات عملية في هذا السبيل فانتدبت مختلف اللجان لوضع تاريخ الأزهر ولتنظيم الاحتفال، ودعوة مندوبي العالم الإسلامي، وغير ذلك مما يقتضيه إحياء هذه الذكرى الجليلة؛ ولكن هذه الاستعدادات وقفت فجأة منذ نحو عام ونصف، وقيل يومئذ إن الوقت ما يزال متسعاً فلا داعي للعجلة في هذا الاستعداد؛ وكان هذا القول غريباً في ذاته لأنه لم يبق بيننا وبين انقضاء الألف عام على قيام الأزهر سوى ثلاثة أعوام إذا اعتبرنا تاريخ البدء في إنشائه وهو جمادي الآخرة سنة 359هـ؛ وقد اعتادت الحكومات والهيئات العلمية أن تحسب حساب هذه الأعياد قبل وقوعها بأعوام طويلة، وأن تتخذ أهباتها في تؤدة وروية، وأن تعد كل شيء بنظام حسن؛ ونحن لا نلوم مشيخة الأزهر لأنها عدلت عن برنامج الاحتفال السابق ووضعت برنامجاً جديداً، لأن البرنامج القديم كانت تحدوه في الواقع بواعث واعتبارات خاصة، وكان واضعوه يتصرفون بروح ضيق، وكانت الفكرة كلها ينقصها الروح القومي والروح العلمي الصحيح؛ ولكنا نأخذ مشيخة الأزهر أنها تأخرت حتى اليوم في الاهتمام بموضوع لا يدانيه شأن آخر من شؤون الأزهر في أهميته وجلاله.
وثمة مسألة أخرى نريد أن نلفت إليها النظر، وهي أن الاحتفال بالعيد الألفي للأزهر يجب أن يكون احتفالاً قومياً بالمعنى الحقيقي، ويجب أن تشرف الحكومة المصرية على وضع برنامجه وعلى تنظيمه؛ ومن حق الأزهر أن يقوم في تنظيم هذا الاحتفال بأكبر قسط ولكنا لا نرى أن يستأثر بوضع البرامج ودعوة اللجان وغيرها؛ وإذاً فيجب أن تتولى تنظيم الاحتفال لجنة حكومية عليا يمثل فيها الأزهر والهيئات العلمية المختارة، وبعض الشخصيات البارزة، ويجب أن يشتمل برنامج الاحتفال على كل ما اصطلح العرف عليه في مثل هذه المناسبات. وفي وسع اللجنة الخاصة أن تستأنس بما تقوم به الهيئات العلمية الأجنبية في أعيادها الكبرى من المظاهرات العلمية والاجتماعية لإحياء هذه الذكريات.
(م)
كتاب جديد عن مصر
ظهر أخيراً كتاب جديد عن مصر باللغة الألمانية عنوانه (طريق مصر إلى الحرية) بقلم الكاتب الصحفي باول شمتس. والهر شمتس هو مكاتب جريدة (لايبزجر نويسته ناخرختن) في القاهرة، وقد عرف بعنايته بشئون مصر والشرق الأدنى، وتبدو هذه العناية في فصول ومباحث كثيرة ينشرها في الصحف الألمانية عن هذه الشئون. وكتابه عن مصر صغير لا يتجاوز المائة والعشرين صفحة، ولكنه يقدم للقارئ العادي كثيراً من الحقائق والمعلومات النافعة، وهو يصور لنا مصر منذ العهد المسيحي حتى قيام الحرب الكبرى تعيش على هامش التاريخ؛ وفي العصر الأخير تدب في مصر روح الوطنية الملتهبة، وتنهض مصر الفتاة لاسترداد حرياتها واستقلالها أولاً من يد الترك ثم من يد الإنكليز. ومصر اليوم من المراكز الحيوية في سير الشئون الدولية، وفي تطورها، ومصر همزة الوصل بين الشرق والغرب. على أن الهر شمتس لا يقدم إلينا جديداً في تصويره للشئون المصرية، وكل ما هنالك هو أن هذا الكتيب الذي صدر بالألمانية في وقت اتجهت فيه الأبصار إلى مصر يعاون على فهم الشئون المصرية في ألمانيا وأوربا الوسطى.
تاريخ المقاهي
قرأنا في إحدى المجلات الأوربية الكبرى بحثاً طريفاً في تاريخ المقاهي؛ خلاصته أن المقهى منشأة شرقية عرفت أولاً في الشرق. وفي أواسط القرن السادس عشر سافر إلى المشرق طبيب ألماني يدعي ليونارد راوفولف وزار الشام، ورأى في مدينة حلب أول مقهى وشرب فيه أول قدح من القهوة شربه في حياته، وعاد إلى ألمانيا يصف المقهى والشراب الأسود الذي يشبه الحبر؛ وكان المقهى في تلك العصور لا يخرج عن مكان مفتوح يؤمه الناس ويشربون فيه القهوة جلوساً على الأرض؛ وكانت القهوة قد عرفت في البلاد العربية قبل ذلك بنحو مائة عام، ولم يكن المقهى ذائعاً إلا في العواصم الكبرى؛ وعرف الترك المقهى من العرب، وظهر في قسطنطينية أول مقهى في سنة 1554؛ أما في مصر فقد عرفت المقاهي قبل ذلك بنحو نصف قرن.
ومضى قرن آخر قبل أن ذاعت المقاهي في أوربا؛ وفي سنة 1645 ظهرت في البندقية أول دار من هذا النوع؛ ثم ظهرت في لندن وأكسفورد بعد ذلك بقليل؛ وكانت القهوة فيها على الطريقة الشرقية. ولم تلبث المقاهي أن ذاعت في إنكلترا بسرعة. ولبثت المقاهي ممنوعة في روما حتى أوائل القرن الثامن عشر. وظهرت المقاهي في فرنسا في أوائل القرن السابع عشر، وافتتحت في باريس سنة 1689 دار أنيقة سميت قهوة بروكوب؛ وكان الفيلسوف فولتير من روادها. فذاع من بعده ارتياد الأدباء للمقهى؛ ولم يظهر المقهى في برلين إلا في أوائل القرن الثامن عشر.
وكان المقهى في تلك العصور مركزاً للمقابلات والسمر، ولم يعرف الموسيقى إلا في أواسط القرن الثامن عشر؛ إذ افتتح في برلين أول مقهى موسيقي؛ وان هذا النوع من المقهى قد عرف قبل ذلك في باريس؛ وكانت الفرقة الموسيقية التي تختار للعزف فيه تؤلف عادة من بعض الموسيقين العميان؛ وكانت المقاهي تسمى في فينا بالمنتديات الفضية لأن الموائد والكراسي والمشاجب كانت من معدن يطلى بالفضة. وفي سنة 1790 ظهر في لندن مقهى من نوع خاص لا يدخله سوى السيدات؛ ويتولى الخدمة فيه سيدات. كذلك ظهر في لندن أول مقهى وضعت فيه مائدة البليارد، وكانت عند ظهورها عجيبة من العجائب.
وتطورت المقاهي بعد ذلك. وتفنن أصحابها في تجميلها وتأثيثها وتزويدها بمختلف الملاهي من الموسيقى والغناء وورق اللعب والرقص وغيرها، وبلغت ما بلغت في عصرنا من الأناقة وحسن التنظيم؛ وكثرة التنوع والافتنان في كل ما يجلب المسرة والمتاع إلى نفوس الزائرين، وأضحت منتديات للسمر والسياسة والأدب.
حرية الفكر في مؤتمر القلم الدولي
قرأنا في البريد الفرنسي الأخير أخبار مؤتمر القلم الدولي الذي عقد في باريس في أواخر شهر يونيه. وسبق أن أشارت إليه (الرسالة) وذكرت أن مصر ستمثل فيه على يد وفد من أعضاء نادي القلم المصري برياسة الدكتور طه حسين عميد كلية الآداب؛ وقد شهد المؤتمر مندوبو خمسين دولة وتولى افتتاحه وزير المعارف؛ وكانت أعظم ظاهرة في جلساته ومناقشاته مسألة حرية الفكر التي أصبحت مهددة في كثير من الدول والتي سحقت بالفعل في بعض الدول التي تسودها النظم الطاغية. وألقى الكاتب الفرنسي الكبير جول رومان رئيس نادي القلم الدولي بهذه المناسبة خطاباً رناناً نوه فيه بقدسية الحرية الفكرية؛ ومما قاله: (إن للفكر قوانينه وأخلاقه وعاداته التي لا تستطيع أية حدود بل ولا يستطيع التاريخ أن يوقفها أو يميلها؛ فالفكر وحده هو الذي يضطلع بوضعها ومراعاتها؛ وإذا تنزل الفكر إلى الدعوة إلى فضائل لا توجد، أو لا تستطيع الوجود إلا بممالأته فهو يرتكب بذلك حماقة لا تغتفر؛ وإذا كانت جمعية القلم لا دخل لها في السياسة فأنا مع ذلك لا نستطيع أن نسترشد إلا بقيمة الفكر وحياته وحقوقه في جميع أنحاء العالم؛ ولن نستطيع أن نقبل أي حجة لتعطيل حرية الفكر وحقوقه، ذلك أنا نعلم أن قبول غل واحد يصفدنا فيما بعد بأغلال لا نهاية لها). هذا وسوف نتحدث في فرصة أخرى عن قرارات هذا المؤتمر الأدبي الخطير.
الأزهر في مؤتمر القوانين
عاد منذ أيام اثنان من أعضاء وفد الأزهر في مؤتمر القانون الدولي بعد الاشتراك في دورة المؤتمر.
وقد بدأت هذه الدورة في اليوم الرابع من هذا الشهر، وكان اليوم الأول خاصاً بحفلة الافتتاح التي أقيمت تحت رعاية وزير العدل في الحكومة الهولاندية واشترك فيها بعض أعضاء محكمة العدل الدولية في لاهاي؛ ثم دامت جلسات المؤتمر بعد ذلك من اليوم الثاني إلى أن كانت جلسة الختام في اليوم الحادي عشر من الشهر.
وكانت مصر ممثلة في المؤتمر من جهتين: الأزهر، وممثلوه هم الأستاذ الشيخ عبد الرحمن حسن والشيخ محمود شلتوت ومحمد عبد المنعم رياض بك والأستاذ حسن البغدادي؛ والجامعة المصرية وكان يمثلها الدكتور عبد الرزاق السنهوري بك.
وقد كان الربح الأدبي والعلمي الذي وصل إليه الوفدان ربحاً عظيماً إذ ألقى الدكتور السنهوري بك بحثه عن الجنسية في اليوم الثالث للمؤتمر. وأعقبه بعد ذلك في الأيام التالية الأستاذان الشيخ عبد الرحمن حسن والشيخ شلتوت فألقيا بحثهما باللغة العربية للمرة الأولى في دورات المؤتمر كلها. وكان البحث الأول خاصاً بالشريعة الإسلامية وعلاقتها بالقانون الروماني، والبحث الثاني خاصاً بالمسؤولية المدنية والجنائية في الشريعة الإسلامية.
وقد تناقش كثير من أعضاء المؤتمر عند تلاوة هذه البحوث وكان الأستاذ البغدادي يتولى الترجمة العربية والفرنسية والأسئلة وأجوبتها كما تولى ترجمة البحوث نفسها عند إلقائها.
ومن المظاهر المشرفة التي نالتها مصر في هذه الدورة أن جلسة الختام التي تليت فيها قرارات المؤتمر النهائية. كانت خاصة برؤساء اللجان والمقررين، فكانت الغالبية العظمى من الدول يمثلها في هذه الجلسة ممثل واحد سوى مصر، فقد حضر من وفديها في هذه الجلسة اثنان هما فضيلة الشيخ عبد الرحمن حسن والأستاذ عبد المنعم رياض بك.
وكذلك كان من الربح العظيم الذي وصلت أليه مصر بواسطة الوفد الأزهري أن قرر المؤتمر جعل اللغة العربية إحدى اللغات الرسمية له. وقد قلنا إن بعض البحوث التي ألقيت في هذه الدورة ألقيت فعلاً باللغة العربية. وكذلك قرر المؤتمر حسبان الشريعة الإسلامية مصدراً من مصادر التشريع الحديث.
وقرر المؤتمر في ختام جلساته أن تعقد دورته القادمة في سنة 1942 في مدينة لاهاي أيضاً.
بعثة أزهرية جديدة باسم جلالة الملك فاروق
علمنا أن الرأي قد استقر على اختيار بعض العلماء الممتازين أيضاً لتأليف بعثة جديدة يتلقى أعضاؤها في جامعات أوربا من العلوم، ما يرتبط ارتباطا وثيقاً بالعلوم الشرعية وذلك على النهج الذي اتبع في تأليف بعثة (فؤاد الأول) الأزهرية
وسيطلق على هذه البعثة الجديدة أسم (بعثة فاروق الأول) وتفكر إدارة المعاهد الدينية في هذه الأيام في تأليف بعثة أزهرية جديدة تؤلف من بعض العلماء الأزهريين الممتازين الأكفاء لتوفدها إلى بعض المقاطعات الإسلامية في الهند، للدعوة إلى الدين الإسلامي ونشر مبادئه بين طوائف المسلمين في هذه المقاطعات
اضطراب آخر في شيوخ الأزهر
أطلعت في أثناء تحقيق للاضطراب الذي وقع في رحلة الشيخ عبد الغني النابلسي عن اضطراب آخر في كتاب (خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر) للشيخ أمين المحبي بن فضل الله بن محب الله المولود بدمشق سنة 1061هـ والمتوفى بها سنة 1111هـ فقد ذكر في الكلام على الشيخ محمد بن حسن بن محمد بن أحمد جمال الدين بن بدر الدين المعروف بالمنير ما ذكره الجبرتي عنه، وخلاصته أنه ولد بسمنود سنة 1099هـ. وقدم الجامع الأزهر وعمره عشرون سنة فدرس على كثير من شيوخه وبرع في كثير من علومه خصوصاً علم الحديث، وكان عالي السند فيه، وكان يعرف أيضاً جملة من الفنون الغريبة كالزايرجة والأوفاق وغيرهما
وقد ذاع صيته في أواخر أمره وذهبت شهرته في الآفاق، وأتته الهدايا من الروم والشام والعراق، وكانت وفاته سنة 1199هـ
وقد زاد المحبي على ما ذكره الجبرتي من ذلك أنه بلغ أمره أن صار شيخاً للأزهر، وأن أول من انتزع مشيخة الأزهر من المالكية، وكان رحمه الله شافعياً
فهذا اضطراب آخر في شيوخ الأزهر، فالشيخ المنير غير معدود في هؤلاء، وقد كان شيوخ الأزهر في عهده الشيخ عبد الباقي المالكي القليني، فالشيخ محمد شنن المالكي، فالشيخ عبد الله الشبراوي الشافعي، فالشيخ محمد الحفني الشافعي، فالشيخ عبد الرؤوف السجيني، فالشيخ أحمد الدمنهوري، فالشيخ أحمد العروسي، وقد صار أولهم شيخاً للأزهر سنة 1120هـ وصار آخرهم شيخاً له من سنة 1192 هـ إلى سنة 1208هـ
والشيخ عبد الله الشبراوي هو الذي ذكر صاحب تاريخ الأزهر أنه أول من تولى مشيخة الأزهر من الشافعية، وقد صار شيخاً للأزهر من سنة 1137هـ إلى سنة 1171هـ، فكيف يكون الشيخ المنير شيخاً للأزهر بين توالي أولئك الشيوخ؟ وكيف يكون أول من انتزع مشيخة الأزهر من المالكية إلى الشافعية؟
فالحق أن الشيخ المحبي أخطأ في هذا كما أخطأ قبله الشيخ عبد الغني النابلسي في الشيخ منصور المنوفي الشافعي، وقد كانا شاميين بعيدين عن الأزهر ورجاله، ولا شك أن هذا يضعف من قيمة ما شذا فيه من ذلك.
ولو صح أن الشيخ منصور المنوفي كان شيخاً للأزهر كما ذكر الشيخ عبد الغني النابلسي لكان هو الذي انتزع مشيخة الأزهر من يد المالكية إلى الشافعية لا الشبراوي ولا المنير لأنه أقدم عهداً منهما كما سبق.
عبد المتعال الصعيدي