مجلة الرسالة/العدد 198/نقل الأديب
مجلة الرسالة/العدد 198/نقل الأديب
للأستاذ محمد اسعَاف النشاشيبي
13 - في النيل
في (حلبة الكميت): ركب الأمير تميم في النيل متنزهاً فمرَّ ببعض الطاقات المشرفة فسمع جارية تنشد شعراً:
نبهتُ نَدماني بدجلة مَوْهناً ... والنجم في أفق السماء معلق
والبدر يضحك وجهه في وجهها ... والماء يرقص حولها ويصفق
فأستحسنهما تميم وشرب عليهما، وما زال يستعيدهما ويشرب حتى انصرف وهو لا يعقل سكراً. فلما أصبح قابلها بهذين البيتين:
شربنا على النيل لما بدا ... بموج يزيد ولا ينقص
كأنَّ تكاثف أمواجه ... معاطفُ جارية ترقص
14 - شهادة. . .
كان أبو عيسى بن الرشيد يقول لعمه إبراهيم بن المهدي:
السكر على صوتك شهادة يا عم. . .
15 - أتكابر إبليس؟
في (محاضرات الراغب): قال أبو نُؤاس: كنت يوماً في الحمام فقلت قصيدة وفيها:
فتمشت في مفاصلهم ... كتمشي النار في الفَحَم
ولم يكن معي أحد فتراءى لي شبح فقال: قطع الله لسانك فإنك لا تفلح! أتقول مثل ما يقول العوام؟ ألا قلت:
فتمشت في مفاصلهم ... كتمشي البرء في السقم
فقلت: هكذا قلت
فقال: أتكابر إبليس؟؟
16 - أحسن الجواب
قال أبو العيناء: قال لي الخليفة المنتصر يوماً: ما أحسنُ الجواب؟ فقلت: ما أسكت المبطل، وحيّر المحق
فقال: أحسنت والله!
17 - بالله ألا رحمت غربتها
في (اليتيمة): حكى أبو الخطاب بن عون الحريري النحوي الشاعر أنه دخل على أبي العباس النامي قال: فوجدته جالساً ورأسه كالثغامة بياضاً، وفيه شعرة واحدة سوداء، فقلت له: يا سيدي، في رأسك شعرة سوداء
فقال: نعم، هذه بقية شبابي وأنا أفرح بها، ولي فيها شعر. فقلت: أنشدنيه، فأنشدني:
رأيت في الرأس شعرة بقيت ... سوداء تهوى العيون رؤيتها
فقلت للبيض إذ تروّعها ... بالله ألا رحمت غربتها!
فقلَّ لبث البياض في وطن ... تكون فيه البيضاء ضرتها
ثم قال: يا أبا الخطاب، بيضاء واحدة تروِّع ألف سوداء، فكيف حال سوداء بين ألف بيضاء؟
18 - المقادير تصير العي خطيباً
قال الطبري في تاريخه:
يحكى أن الحجاج ذُكر عنده رجل بالجهل فأراد اختباره
فقال: أعظامي أم عصامي؟ أراد أشرفت بآبائك الذين صاروا عظاماً أم بنفسك
فقال الرجل: أنا عصامي عظامي، فقال الحجاج: هذا أفضل الناس، فقضى حوائجه. ومكث عنده ثم فتشه فوجده أجهل الناس. فقال له: تصدقني كيف أجبت بما أجبتني به حين سألتك عما سألتك؟
فقال: لم أعلم أعصامي خير أم عظامي، فخشيت أن أقول أحدهما، فقلت كليهما، فإن أضرني أحدهما نفعني الآخر
فقال الحجاج عند ذلك: المقادير تصير العيَّ خطيباً
19 - إذا تمت صارت سياسة
في تحفة الأمراء في تاريخ الوزراء لهلال بن المحسن الصابي قال أبو الحسن بن الفرات: أصل أمور السلطان مخرقة فإذا تمت واستحكمت صارت سياسة
20 - بكت رحمة للورى بالدم
قال أبو الأصبع بن رشيد الأشبيلي لما هطلت بأشبيلية سحابة بقَطْر أحمر في يوم السبت الثالث عشر من صفر عام (564):
لقد آن للناس أن يقلعوا ... ويمشوا على السنن الأقوم
متى عهد الغيث (يا غافلا) ... كلون العقيق أو العندم
أظن الغمائم في جوها ... بكت (رحمة للورى) بالدم
21 - اقرأ قرآنك
قال الشاطبي في (الاعتصام):
كان في الزمن القريب رجل يقال له الفزارة أدعى النبوة وأستظهر عليها بأمور موهنة للكرامات والإخبار بالمغيبات، ومخيلة لخوارق العادات، تبعه على ذلك من العوام جملة. وكان مقتل هذا المفتري على يد أبي جعفر بن الزبير.
قال الحسن بن الجباب: لما أمر بالتأهب يوم قتله، وهو في السجن الذي أخرج منه، جهر بتلاوة سورة (يس) فقال له أحد الدعار ممن جمع السجن بينهما: إقرأ قرآنك، لأي شيء تتفضل على قرآننا اليوم؟ فتركها مثلاً بلذوعيته،
22 - تعالوا نتكرم اليوم
قال أبو الحسن القروي يوماً لندمائه: تعالوا نتكرم اليوم
فقالوا: وأي يوم لا يتكرم فيه سيدنا؟
قال: قولي (نتكرم) من (الكرْم) لا من الكرَم
قالوا: وكيف؟
قال: نأكل سكباجة وحصرمية، وحلوى دبسية ونشرب العنبي. ونتنقل بالزبيب، لنكون قد استوفينا مرافق الكرْم ومنافعه
قال بعضهم: ينبغي أن نستوقد بقضبانه أيضاً ليتم التكرم.
فقال: أحسنت وجودت، وأمر بذلك كله وطاب يومهم 23 - إن غبت عنا دخل الصبح
قال القاضي الفاضل:
بتنا على حال يسر الهوى ... وربما لا يمكن الشرح
بوابنا الليل وقلنا له: ... إن غبت عنا دخل الصبح!
24 - صدق الأمير
في شرح (النهج) لأبن أبي الحديد:
ناظر المأمون محمد بن القاسم النوشجاني في مسئلة كلامية، فجعل النوشجاني يخضع في الكلام ويستخذى له، فقال: يا محمد، أراك تنقاد إلى ما أقوله قبل وجوب الحجة لي عليك وقد ساءني ذلك منك، ولو شئت أن أفسر الأمور بعزة الخلافة وهيبة الرياسة لصدقت وإن كنت كاذباً، وعدلت وإن كنت جائراً، وصوبت وإن كنت مخطئاً؛ ولكني لا أقنع إلا بإقامة الحجة، وإزالة الشبهة؛ وإن أنقص الملوك عقلاً وأسخفهم رأياً من رضى بقولهم: صدق الأمير. . .
25 - هناك والله قرارة اللؤم
وقف إعرابي فسأل قوماً فقالوا: عليك بالصيارفة.
قال: هناك (والله) قرارة اللؤم
26 - كبرت
في (نفح الطيب):
قال أبو محمد بن حزم الحافظ: كنت يوماً في مجلس الرئيس الفقيه أبي بكر بن زهر، فدخل علينا رجل عجمي من فضلاء خراسان، وكان ابن زهر يكرمه، فقلت له: ما تقول في علماء الأندلس وكتابهم وشعرائهم؟
فقال: كبرت!
فلم أفهم مقصده، وأستبردت ما أتى به؛ وفهم مني أبو بكر ابن زهر أني نظرته نظر المستبرد المنكر.
فقال لي: أقرأت شعر المتنبي؟ قلت: نعم: وحفظت جميعه.
قال: فعلى نفسك (إذن) فلتنكر، وخاطرك بقلة الفهم فلتتهم، فذكرني بقول المتنبي:
كبرت حول ديارهم لما بدت ... منها الشموس وليس فيها المشرق
فأعتذرت للخراساني وقلت له: قد (والله) كبرت في عيني بقدر ما صغرت نفسي هندي حين لم افهم نبل مقصدك.