مجلة الرسالة/العدد 198/في الكتب
مجلة الرسالة/العدد 198/في الكتب
المطالعة التاريخية للمدارس الابتدائية
للأساتذة: محمد رفعت بك وزكي علي ومحمد مصطفى زيادة وأحمد
نجيب هاشم والسيد أحمد خليل
للأستاذ أحمد الشايب
هذه أول مرة في تاريخ الحياة المدرسية المصرية يعرض فيها التاريخ على التلاميذ عرضا علميا فنيا جميلا، يحاول به الأساتذة أن يصلوا بين الأطفال وبين العصور الأولى أقوى صلة وأجملها، وأنفعها، وأحبها إلى النفوس الغضة الحديثة العهد بالحياة. وما ظنك بدرس في التاريخ - أو كتاب في التاريخ - يشرك الطفل في بناء الماضي درسا، وقصصا، وعملا، ومتعة، فيستمع به الناشئ إلى أحاديث الملوك السابقين، ويرى آثارهم مصورة، ويدخل إلى منازلهم، ويلعب مع أطفالهم، ويصنع مثل لعبهم، ويتنقل بين الزراع، والصناع، والتجار، في المزارع، والمصانع، والمتاجر، لا مشاهدا ومتحدثا فقط، بل مشاركا، مفيدا من الماضي خير الفضائل وأنبل الصفات. ذلك، وأكثر منه، وخير منه، هو ما قام به هؤلاء الأساتذة الأفاضل مؤلفو كتاب المطالعة التاريخية للمدارس الابتدائية. وقد قرأت جزءه الأول الذي وضع في حياة المصريين القدماء، فإذا به يصور الخطوة القديمة لحياة مصر والمصريين، ولكنها مع ذلك خطوة واضحة، بهية، استطاع واصفوها محتالين متلطفين أن يمزجوها بخطأ الطفولة ومواهبها حتى لقد خشيت أن يستحيل أطفالنا، بهذا الأسلوب الفني الجميل، أبناء فراعنة، وأطفالا تاريخيين.
لترك الباحثين يختلفون حول التاريخ، أعلم هو أم فن، ولنقف عند طور الطفولة وما يلائمه موضوعا وشكلا، فلن نرى - فيما نعرف - خيرا من هذا الكتيب ولا اصلح منه لأبناء المدرسة الابتدائية، سواء في ذلك اختيار المعلومات، وتنوعها، وشمولها، وطريقة عرضها، وسهولة أسلوبها، وما أعقبها من التمارين العملية. . وأما الرسوم والأشكال فهي وحدها مدرسة في إيضاحها وفي جمالها الذي يفتن الأطفال، ويبهر الأبصار.
عرف المؤلفون، أو المربون، طبيعة الطفولة فكان تاريخهم قصصا، سهلا، مشوقا، متص بحياة التلاميذ وما يألفون، وعرفوا غرائز البنين وشغفها بالعمل، فحولوا الدرس من هذا الشكل النظري إلى تمارين عملية تسد هذه الحاجة الغريزية، ولم يقفوا عند هذا المران التقليدي حتى عمدوا إلى قوة الخيال، فاعتمدوا عليها لتجسيم الصور الوصفية، وكلفوا التلاميذ من ذلك قسطا حسنا ينزع بهم إلى هذه العادات العملية المحققة؛ ولحظوا فتنة الأولاد باللعب الصغيرة، والمناظر البهيجة، فيسروا لهم الحصول على العرائس والكرات، وزخرفوا صفحات الكتاب بأجمل ما ترك الفراعنة من صور وأشكال.
وبعد هذا ينتقلون بالطفل بين جوانب الحياة القديمة، آباء عاطفين وأصدقاء مخلصين، فهم به اليوم في النوادي الرياضية يرونه المصارعة. وحمل الأثقال والترامي بالكرات، وغدا يأخذون بيده إلى المدرسة فيشهد زملائه لاعبين كاتبين حاسبين، وبعد غد يعرضون عليه الجيش المصري بأسلحته وعرباته وسفنه يفتح في الأقطار، ويكون الإمبراطورية القديمة. ثم يدخلون معه منزلا لإحدى الأسر الراقية ليشهد مثل النظام، والطاعة، والألفة، وحسن الآداب. وقد يحملونه على سفن الملكة حتشبسوت إلى بلاد الصومال بأفريقية ليعود بالأشجار العطرية، والحيوانات العجيبة. . وهكذا لا يتركون ناحية من هذه البيئة الفرعونية حتى يغرقوه فيها سامعا، مبصران عاملاً، خائلاً كأنه يشترك في تمثيل رواية أو حفلة ألعاب.
ليس في الكتاب هذه العبارة الجوفاء، والمبالغات الممقوتة التي يلجأ إليها كتاب التاريخ للأطفال حين تعوزهم المادة الممدودة، وبراعة الأسلوب. ولقد سررت حين رأيت (خوفو) ينتهز فرصة فراغ المصريين من الأعمال الزراعية أيام فيض النيل فيملأ فراغهم وجيوبهم ببناء الهرم الأكبر، كما سررت بهذه الناحية التهذيبية التي تصل بالأبناء إلى غاية الدرس التاريخي، وتحملهم على التعلق بأسباب المجد والفضيلة، فهذا الملك أحبته الرعية لإخلاصه في خدمتها، والإسكندر المقدوني بكرت إليه إمارات النجابة، فكان ملكا كبيرا، وهؤلاء الرسل أدوا رسالة الإنسانية وصبروا في سبيلها فكانوا البررة الكرام، وهذه مصر المحبوبة العزيزة أصبحت بفضل هذا الماضي المجيد محج السائحين والباحثين من كل الأقطار.
أما بعد، فلو كان لي طفل أو تلميذ في مدرسة ابتدائية، لما تركته ليلة دون أن أتدارس معه في هذا الكتاب، وأفيض على نفسه منه معرفة، وتسلية وتهذيبا. . . ولعل التلاميذ قد ظفروا من هذا الكتاب بحياة مدرسية حديثة حقا، تجمع بين العلم والفن الجميل.
أحمد الشايب