مجلة الرسالة/العدد 192/فوائد قياس الذكاء في التربية
مجلة الرسالة/العدد 192/فوائد قياس الذكاء في التربية
للأستاذ علي محمد فهمي
مدرس التربية التجريبية المساعد بمعهد التربية
تقدم قياس الذكاء منذ الحرب العظمى فذاع استعمال المقاييس في المدارس حتى أصبحت ضرورية لكل مدرسة تعنى بجعل التعليم ملائماً للأطفال. وهذه هي أهم فوائد مقاييس الذكاء والتي لها أثر في تعليم الأطفال وإرشادهم: -
أولاً - قياس الذكاء والتعليم المدرسي
تعالج عيوب الامتحانات القديمة بجعلها موضوعية بواسطة المقاييس الدراسية التي تعتبر أحسن وسيلة لقياس معلومات الطلبة وما يحصلونه من العلم والمعرفة. ومقدار التحصيل المدرسي هذا يتوقف إلى حد كبير على الذكاء، يدلنا على ذلك التجربة التي أجراها الأستاذ سيرل برت على 689 طالباً تتراوح أعمارهم بين السابعة والرابعة عشرة لإثبات العلاقة بين الذكاء والتحصيل المدرسي فوجد أن معامل الارتباط بينهما 74 في المائة؛ وهذا معامل عال جداً يدل على شدة الاتصال بين الذكاء والتحصيل. ومن هذا كانت معرفة ذكاء التلميذ من الأمور التي تساعد المختبر على تفهم أسباب تقدمه وتأخره. فإذا فرضنا أن تلميذاً ضعيفاً في دروسه فإن قياس ذكائه يبين لنا إذا كان ضعفه نتيجة غباوة طبيعية أو نتيجة عوامل أخرى كإهمال التلميذ أو عدم ميله للدروس أو عدم ملاءمة البيئة المنزلية للدراسة. الخ
ولأهمية مقاييس الذكاء وضرورتها تستعمل بدل الامتحانات القديمة في بعض الأحيان وتساعد الامتحانات الجديدة في بعض الأحيان الأخرى، وعلى هذا نجد أن مقاييس الذكاء والمقاييس الدراسية يكمل كل منهما الآخر. من أجل ذلك يتحتم على من يريد قياس التلميذ قياساً مضبوطاً ألا يكتفي بقياسه بالاختبار الدراسي فقط بل يقيسه أيضاً باختبار الذكاء ويبني حكمه على نتيجة هذين الاختبارين فيتعرف أولاً ميول الطفل الطبيعية ثم يقيس ثانياً ما اكتسبه هذا الطفل عن طريق هذه المواهب
على أنه ليس من الضروري أن نقيس ذكاء الطفل في كل مرة نقيس فيها تحصيله الدراسي، بل يكفي أن نقيسه عند أول عهده بكل مدرسة يلتحق بها فتساعدنا هذه المعرفة على الحكم عليه.
ولقد استعاضت بعض كليات الجامعات عن امتحانات القبول باختبارات الذكاء فتستعمل الآن كلية كولومبيا اختبار ثورنديك بدل امتحان القبول الذي كانت تعقده في أول كل عام دراسي للطلبة الذين يرغبون الالتحاق بالكلية. ولقد نجحت هذه الطريقة نجاحاً كبيراً يدل على ذلك ما قاله الأستاذ هوكس عميد الكلية من أن الطريقة الجديدة (تبين بوضوح ودقة أعظم مما عهدناه في أية طريقة أخرى ما إذا كان الطالب سينجح في جامعة كولومبيا أم لا)
ثانياً - التوجيه التعليمي
يرجع ازدياد نسبة فشل الطلبة في الامتحانات لعدة أسباب منها عدم ملاءمة الدراسة لكل الأفراد، إذ أن ما يلائم شخصاً لا يلائم الآخر، ولقد دعت نفس هذه الفكرة في البلاد الأوروبية والأمريكية إلى امتحانات التحصيل المقننة واختبارات الذكاء إذ يمكن من نتائج هذه الاختبارات الحكم على ملاءمة الدراسة للتلميذ أو تغييرها ثم إدماجه في دراسة أخرى أكثر موافقة لمواهبه الطبيعية
وليس هناك شك كما قلنا في أنه يوجد ارتباط وثيق بين مقدار تحصيل الطفل الدراسي وذكائه، فالطفل الذكي هو الذي يستمر في دراسته بنجاح مطرد، بينما الطفل الغبي هو الذي يفشل فيها، ويرجع هذا الارتباط إلى أن الدراسة في الفرق العليا تحتاج لدرجة ذكاء عالية، وهذا مما يجعل الأغبياء في الغالب يقفون عند حد لا يتعدونه مهما حاولوا التغلب وبذلوا من جهد. ولقد قدر الأستاذ ترمان بأن الذين يقل مستوى ذكائهم عن 80 في المائة لا يتمكنون من أن يدرسوا بعد الدراسة الابتدائية، فإذا ما انتقلت هذه الفئة إلى دراسة تحتاج لمستوى ذكاء اكبر من هذا المستوى تكرر فشلهم، وعلى هذا يجب أن يوجهوا إلى دراسات أخرى، وهذا هو السر في بعض حالات لا يتيسر لسوى المشتغلين بالذكاء أن يكشفوها. فكم من طالب مثلاً كان في دراسته الابتدائية ناجحاً لا يفشل في سنة من سنيه الدراسية حتى يعتقد والداه والمتصلون به أنه ذكي، ومثل هذا الصنف من الطلبة إذا ذهب إلى المدارس الثانوية وجد صعوبات كثيرة في الدراسة خصوصاً الدروس المجردة والتي تحتاج إلى تفكير عميق كالجبر والرياضة. الخ إذ في الغالب تتطلب هذه المواد ذكاء اكبر من ذكائه فيتكرر رسوبه ووالداه من ذلك في دهشة، ولكن الاختبارات كفيلة ببيان السر في ذلك
وقد أجرى الأستاذ ترمان اختباراته الكثيرة لتعيين المستويات التي تتطلبها الدراسات المختلفة فوجد أن الدراسة الثانوية تحتاج لنسبة ذكاء لا تقل عن 90 في المائة أما لدراسة العليا فتحتاج إلى نسبة ذكاء لا قل عن 100 % وهناك تقسيم أدق من هذا للأستاذ إسماعيل القباني؛ فمن تتراوح نسبة ذكائهم بين 70 و80 يتأخرون في دراسة التعليم الابتدائي ولا يمكنهم إتمام الدراسة الثانوية، وما بين 80، 90 يمرون في الدراسة الابتدائية في مدة أقل من الفريق الأول ويرجح ألا يمروا في الدراسة الثانوية، وما بين 90 و110 عاديون يتممون الدراسة الابتدائية بسهولة ويستطيعون أن يمروا في الثانوي بصعوبة، وما بين 110 - 120 يمرون في الدراسة الثانوية بسهولة، ومن 120 فأكثر يسهل عليهم الدراسة العليا.
ثالثاً - التوجيه المهني
يجب أن نميز بين الاختبار المهني والتوجيه المهني، فالأول هو اختبار الشخص المناسب لمهنة ما والتوجيه المهني هو اختبار المهنة المناسبة لشخص ما أو هو تسيير الشباب بنين وبنات نحو المهنة التي تتفق أكثر ما يكون ومؤهلاتهم الفطرية، وأهمية هذا التوجيه في تقدم البلاد وإسعادها لا تنكر. وليس معنى التوجيه في المهنة أنه يبدأ عند انتهاء التلاميذ من دراستهم، إذ أن الإرشاد التعليمي هو أول خطوة للتوجيه المهني كما أن ما ينادي به علماء العصر الحاضر هو تدريب الطالب على المهنة التي سيزاولها في المستقبل أثناء مدة الدراسة
قيمة التوجيه المهني والفائدة من وضع الفرد في العمل الذي يليق به وبمواهبه الطبيعية لا تقتصر على الفرد نفسه بل تعود عليه وعلى الأمة بالنفع الجزيل، وإن الحاجة للتوجيه المهني أصبحت حاجة العصر الحديث بعد الاختراعات الحديثة وانتشار الصناعة التي تتطلب الآن صفات خاصة
كيف نقوم بالتوجيه المهني: تختلف المهن من حيث ما تتطلبه من ذكاء كما دلت على ذلك الأبحاث الحديثة فيقسمها الأستاذ ترمان إلى ثلاثة أقسام: (1) مهن تحتاج لمقدار كبير من الذكاء (2) مهن تحتاج لذكاء متوسط (3) مهن لا تحتاج لذكاء. ومن الأبحاث القيمة التي تهمنا في هذا الموضوع بحث فقد أوجد العلاقة بين مراتب الذكاء المختلفة والمهن المتعددة وقال إن النجاح في مهنة ما لا يتيسر لكل شخص إذا كان الذكاء دون المستوى المعين. ومن هذا يتبين قيمة التوجيه المهني وكيف أنه يعمل لمصلحة الفرد والمجتمع في آن واحد. ولقد اهتم بإيجاد مستويات الذكاء للمهن المختلفة كثير من العلماء. ولقد ذكر الأستاذ ترمان أنه يجب ألا يشجع أي شخص إذا كانت درجة ذكائه أقل من 100 لأن يمتهن مهنة من المهن الراقية التي ذكرها وهي تشمل الأطباء وقادة الرأي والمربين والمهندسين وأصحاب المشروعات والكتاب. فالنجاح في مثل هذه المهن لا يمكن أن يحصل عليه إلا من كانت درجة ذكائهم أعلى من 115 - 125 ولقد أجرى الأستاذ فلاندر عدة تجارب استخلص منها أن من كان ذكاؤهم يتراوح بين 70 و80 يمكنهم أن يتخذوا الأعمال الآلية مهنة لهم؛ فعلاقة الذكاء بالتوجيه المهني حينئذ تقع في تحديد مستوى الذكاء المهني الذي يمكن الفرد من النجاح. وهكذا نجد أن اختبارات الذكاء تفيد في تحديد العمل الذي يمكن أن يؤديه الشخص على أحسن ما يمكن. على أن هناك أشياء أخرى يجب دراستها لتوجيه الفرد توجيهاً مهنياً وهي: (1) القدرات الخاصة (2) التحصيل المدرسي (3) البيئة المنزلية (4) الميول والمزاج (5) الصحة والقدرات الجسمية (من حيث القوة والسرعة والدقة)
رابعاً - تقسيم التلاميذ إلى فرق وفصول
يقسم بعض نظار المدارس في مصر التلاميذ إلى فصول مراعياً ترتيب أسمائهم حسب ترتيب الحروف الأبجدية، ويراعي البعض الآخر أجسام التلاميذ ويرتبهم حسب أطوالهم فيضع الصغار في فصول والكبار في أخرى، ويقسمهم البعض الآخر حسب ترتيب أعمارهم الزمنية. وقد ظهر فساد هذه الطرق بعد أن قسنا ذكاء عدد كبير من التلاميذ وتبين لنا أن القوة العقلية لبعض التلاميذ في فصل من فصول السنة الثانية الابتدائية كانت تعادل قوة التلميذ المتوسط الذي عمره 13 سنة في حين أن القوة العقلية لتلاميذ آخرين أقل من قوة الطفل الذي عمره 7 سنين. وفي فصل من فصول السنة الثالثة بمدرسة أخرى وجدنا تلاميذ تعادل قوتهم قوة الطفل المتوسط من سن 8 سنوات وآخرين قوتهم العقلية تزيد على قوة التلميذ المتوسط من سن 14 سنة وهكذا في سائر الفصول
ولا يخفى ما في هذا من الأثر السيئ على كل من التلاميذ الأذكياء والأغبياء الذين يضطرهم اجتماعهم في فصل واحد إلى السير إما حسب سرعة الأول ومقدرته فيعجز الأغبياء عن متابعتهم، وإن أجهدوا أنفسهم فلن يستمروا في ذلك طويلاً حتى يضنيهم الإجهاد فتثبط هممهم؛ وإما حسب سرعة الآخرين ومقدرتهم فلا يجد الأذكياء ما يستعملون فيه قواهم العقلية فتثبط هممهم أيضاً، والنزعة الحديثة في التربية تميل إلى جعل المدرسة ملائمة لعقول التلاميذ وكفايتهم فلا يصح أن يجمع في الفصل الواحد تلاميذ أقوياء ومتوسطون وضعاف إذ يلزم أن يكون تلاميذ الفرقة متجانسين حتى يمكنهم أن يقوموا بعمل مجد. وعلى ذلك فخير طريقة لتقسيم التلاميذ إلى فصول أن نقسمهم حسب نسبة ذكائهم: فنقسم التلاميذ إلى قسمين أو أكثر حسب العمر الزمني ثم نقسم كل قسم إلى فصول حسب العمر العقلي، فمن كان عمرهم العقلي متقارباً وضعوا في فرقة واحدة. فإذا عملنا بهذا نقصت نسبة الرسوب في الامتحانات إلى أدنى حد، وبذلك نقضي على أهم عوامل الشكوى. هذا ولنلاحظ أن تقسيم الطلبة إلى فصول مهم جداً في القسم الابتدائي، وتقل أهميته في الثانوية، وهو غير مهم في القسم العالي، وإن كانت نسبة الذكاء شرطاً هاماً في الدخول. ويتخذ التقسيم في القسم العالي حسب الملكات الخاصة.
خامساً - انتقاء ضعفاء العقول
واضح من الأبحاث السيكولوجية أنه إذا اختبرنا ذكاء عدد من الأشخاص نجد ثلاثة أرباع هذا العدد يقع تقريباً في وسط المنحنى العادي ويتوزع الباقي على الجانبين، فالذين على الجانب الأيسر من المنحنى هم ضعفاء العقول والذين على الجانب الأيمن هم الأذكياء.
وضعف العقل يقسم إلى ثلاثة أقسام: (1) عته: وعقلية المعتوه عبارة عن عقلية طفل عادي لا تزيد سنه على ثلاث سنوات (2) بله: والأبله عبارة عن شخص وقف نمو نوعه عند سن 7 سنوات (3) موروث: وهم الأفراد الذين وقف نمو مخهم عند سن 12
ويرجع ضعف العقل إلى: (1) عوامل وراثية (2) وعوامل مكتسبة (3) وعوامل خارجية. والوراثة هي أهم العوامل المسببة لضعف العقل. فمثلاً إذا كان الأب أو الأم مجنوناً فليس من الضروري أن يرث الشخص الجنون، بل يجوز أن يرث رذيلة من الرذائل أو ضعف العقل - ولقد استقصى بعض الأخصائيين ما للوراثة من تأثير في أبناء الأسرة الواحدة، فبذل الأستاذ جودار جهداً كبيراً في تتبع حياة أفراد أسرة واحدة هي أسرة كاليكاك. وقد كان مارتن كاليكاك شاباً سليم العقل من أسرة كبيرة تطوع في الحرب الأهلية الأمريكية، وكان يتردد على حانة تختلف إليها فتاة ضعيفة العقل توددت إليه فحملت منه سفاحاً وولدت له ولداً ضعيف العقل. وفي سنة 1912 استطاع الأستاذ جودار أن ينتهي من عمله فأحصى أفراد هذه الأسرة فبلغ عددهم 480 فرداً جاءوا من ذلك الزواج غير الشرعي. وتتبع أحوالهم فوجد أن معظمهم (99 % منهم) عاهر أو فاسق أو سكير أو لص. على أن تلك الحرب لم تكد تنتهي حتى تزوج مارتن بفتاة أخرى سليمة العقل شريفة النسب، وتتبع الأستاذ جودار 496 شخصاً من أفراد هذه الأسرة فلم يعثر فيها على شخص ضعيف العقل وإنما وجد أن الأسرة كلها مكونة من أطباء ومحامين ومدرسين ومهندسين وتجار وغيرهم ممن لهم يد عاملة في الحياة.
وضعاف العقول هؤلاء يربكون نظام التدريس في المدرسة ويعطلون سير الدراسة، وذلك لأنهم يختلطون في الفرق المختلفة مع العاديين والأذكياء. أما في المجتمع فقد اتضح لنا من نتائج الأبحاث التي قام بها الأستاذ جودار في إصلاحية الأحداث في الولايات المتحدة بأن سبب سلوكهم الشاذ هو كونهم ضعاف العقول. ومن هنا نجد أن ضعاف العقول يهددون كيان المجتمع، ولذلك يجب أن نهتم بأمر تربيتهم حتى تخف وطأتهم؛ وبقياس الذكاء يمكننا فصل هؤلاء في فصول خاصة وتعليمهم تعليماً يتلاءم مع درجة ذكائهم
ونسبة الذكاء هي الأساس السيكولوجي الذي يبني عليه المربي تعليمه لضعفاء العقول، ويجد على المربي الذي يقوم بأمر تربيتهم أن يعين ذكاء كل واحد حتى يستطيع وضع طريقة تتفق مع قدرة كل منهم العقلية، ويستطيع أن يعين الموضوعات التي يمكن أن يتعلمها ضعيف العقل في هذا العمر المعين
ولا يمكن أن يعلم هؤلاء الضعفاء أي عمل يحتاج إلى درجة من الذكاء أعلى من مستواهم. وقد حاول كثير من المدرسين ذلك فلم يستطيعوا. وكذلك فكرة تعليم هؤلاء الضعفاء حتى ترتقي عقليتهم إلى المستوى العادي فكرة خاطئة، ولكن توصل بعض الأطباء إلى إعادة بعض ضعفاء العقول إلى المستوى العادي، وذلك في الحالات التي لا تنتمي إلى ضعف عقلي وراثي، وإنما ترجع إلى وقوف النمو عندهم بعامل من العوامل الخارجية. ومع كل فإن هذه الحالات نادرة جداً، كما أنه لا يمكن للمربي أن يضيف شيئاً إلى نسبة ذكاء ضعيف العقل وإنما كل ما يستطيعه المربي من تعليم ضعيف العقل هو تكوين عادات خاصة حتى لا يكون شراً ووبالاً على المجتمع؛ وهنا نجد ضرورة تحديد نسبة الذكاء اللازمة لكل عمل أو موضوع يضعه المربي ليتأكد من أن استعداد ضعيف العقل يتمشى مع طبيعة هذا العمل الموضوع له؛ وقد توصل بعض العلماء أخيراً إلى ذلك. وعلى العموم يجب أن يكون نظام الدراسة في مدارس ضعاف العقول قائماً على اختيار المواد العملية النافعة والتعليم الحسن، أما العلوم التي تستدعي التفكير المجرد النظري، وفهم الرموز فلا فائدة ترجى لهم منها
سادساً - انتقاء التلاميذ الموهوبين
من النوابغ من إذا وضع في فصول عادية نجدهم متأخرين في عملهم الدراسي؛ ويرجع ذلك إلى أسباب كثيرة: منها الكسل مثلاً، أو عدم الاهتمام بالدروس لسهولة المادة وطول الشرح. والواجب يقضي علينا أن نبحث عن هؤلاء النوابغ وندرسهم درساً وافياً حتى يتسنى لنا تربيتهم بطرق تناسب قواهم العقلية وتهيئة الظروف لهم لإيقاظ نواحي النبوغ فيهم وذلك لأنهم هم الأسس التي تبني الأمة عليها مدنيتها، فمن بين الأطفال النوابغ توجد الأرواح الحية الفعالة التي تتولى زمام المدنية وقيادتها فيما بعد، وعلى ذلك فتربية الطفل النابغة يجب أن تفصل عن غيره حتى نتمكن من توجيهه إلى ما فيه خيره وخير المجتمع الذي سيعيش فيه.
ومقاييس الذكاء هي من الاختبارات التي تكشف لنا عن هذه الفئة فلا يختار لفصول الأطفال النوابغ من كان أقل من 140. ويقول الأستاذ هورن إن التلاميذ النوابغ يحنون كثيراً إذا ما ساروا في كل المواضيع إلى مستوى أعمق وبطرق مفصلة أكثر من التلاميذ المتوسطين، فالنابغة لا يقبل الحقائق والمعلومات كما هي وإنما يحاول أن يرجعها إلى أصولها ومسبباتها والى النتائج المشتقة منها كما أنهم يميلون أكثر إلى المواد المعنوية.
وقد كان الرأي السائد أن الموهوب يكون عادة ضعيف الجسم أو عصبي المزاج أو يمتاز بشذوذ في الناحية الخلقية أو العقلية، ولكن الأستاذ ترمان كان أول من خطأ هذا الرأي بإظهاره أن الأطفال الموهوبين لا يقلون عن إخوانهم العاديين سواء أكان في الصحة أم في الحالة العصبية.
علي محمد فهمي