مجلة الرسالة/العدد 19/معجم الحيوان

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 19/معجم الحيوان

ملاحظات: بتاريخ: 15 - 10 - 1933



تأليف الدكتور أمين باشا المعلوف

ليس هذا السفر الجليل مما تجوز معه القراءة السريعة والنظرة

العجلى، لأنه ليس لغواً من القول وحشوا من الكلام، بل لابد لك، إن

أردت أن تحصل مما فيه شيئاً، من وقفة طويلة يحدوها الصبر الجميل.

ذلك لأنك بصدد بحث علمي دقيق فهو معجم لأسماء الحيوانات بقلم

الفريق أمين المعلوف، ذكر فيه لكل حيوان اسمه العربي والفرنسي

والإنجليزي فضلاً عن اصطلاحه العلمي. ووصف كل حيوان وصفاً

أوجز فيه حيناً وأسهب حيناً آخر، إذا اقتضى الأمر إيجازاً أو إسهاباً.

وليس هذا المعجم وليد اليوم، إنما هو مقالات نشرت في مجلدات عديدة من المقتطف. بدئ في نشرها منذ أكثر من عشرين عاماً، ولكن الدكتور المؤلف قد توج هذا المجهود العظيم، وأتم على قراء العربية فضله ونعمته، بأن جمعها وبوبها ورتبها في معجم واحد، فملأ بذلك مكاناً شاغراً في المكتبة العربية وأحب أن أسوق إليك مثلاً لدقته في البحث، ما جاء عن ترجمة كلمتي ,؛ فقد كان شائعاً بيننا أن الأولى تطلق على النمر، والثانية على الفهد، ولكنه أثبت خطأ هذا التعريب، وبين أن معناها ببر، وأن معناها نمر، أما الفهد فهو ما يقول عنه الإنجليز ويحسن أن ننقل إلى القارئ نص ما جاء بالمعجم في تعريب كلمة ليرى المراجع التي استند إليها المؤلف: ببر (فارسية معربة) , سبع هندي يعادل الأسد في عظم الجثة والقوة إلا أنه أشد منه بطشاً وهو أبيض البطن والجانبين مع صفرة، ومخطط بخطوط سود.

ولابد لي من الإطالة في الكلام على الببر والنمر والفهد والوشق وعناق الأرض، وذلك لكثرة الخطأ في ترجمة هذه الألفاظ. فالعرب لم يكن عندهم لفظة يعبرون بها عن هذا الحيوان المسمى عند الإفرنج فاستعملوا اللفظة الفارسية ولم يسموه نمراً ولا النمر الهندي، ولا بأس بتسميته بالأسد الهندي كما جاء في محيط المحيط فانه أقرب إلى الأسد منه إلى النمر. وقد وردت لفظة الببر كثيراً في المؤلفات العربية وفي الشعر العربي والمقصود بها هذا الحيوان المخطط المسمى عند الإفرنج، فقد جاء في كتاب عجائب المخلوقات (الببر حيوان هندي أقوى من الاسد، بينه وبين الأسد معاداة، وإذا قصد الببر النمر فالأسد يعاون النمر) وقال الدميري في آخر كلامه عن الببر: (وذكر في ربيع الأبرار أن الببر على صورة الأسد الكبير وهو أبيض يلمع بصفرة وخطوط سود) وقال الجاحظ: (الفيل والببر والطاووس والببغاء والدجاج السندي مما خص الله به الهند) وقال في محل آخر: (لأن هذه السباع القوية الشريفة ذوات الرياسة كالأسد والببور والنمور لا تعرض للناس إلا بعد أن تهرم فتعجز عن صيد الوحش). وهو ما يقوله الإفرنج الآن عن هذه الحيوانات عندما تضرى بأكل لحوم البشر. ثم قال في محل آخر: (والببر الهندي مثل الفيل أيضاً والكركدن فلا يقوم له سبع ولا بهيمة، ولا يطمع فيه ولا يروم ذلك منه *). وقد وردت هذه اللفظة في كتاب كليلة ودمنة ويفهم من سياق القصة انه من الحيوانات المفترسة، فلو كان المقصود به أحد السباع المعروفة عند العرب كالنمر أو الأسد أو الفهد لما تعذر على ابن المقفع استعمال لفظة عربية حتى أتى بكلمة أعجمية. وقد ترجمت هذه اللفظة في النسخة الإنجليزية من كتاب كليلة ودمنة وورد ذكرها في مفردات ابن البيطار في آخر باب النمر حيث قال: (والببر سبع كبير) وترجمت الفرنسية. وهذه اللفظة مستعملة في بعض أنحاء الهند في وقتنا الحاضر لهذا الحيوان بعينه، وكذلك الفرس فانهم استعملوها بهذا المعنى أيضاً كما ورد في شرح جامع التواريخ لكاترمير، فقد ذكر الشارح كلمة ببر وقال عنها: الخ.

ولشد ما أدهشني هذا الخطأ الذائع الذي لم يجد قبل الفريق أمين المعلوف من يرده إلى صوابه، ولم يقتصر أمر هذا الخطأ على طلاب المدارس والمشتغلين بالترجمة جميعاً، بل تعداه إلى أكبر دائرة فنية في مصر وهي حدائق الحيوانات، فأنا أعلم أن إدارة تلك الحدائق تضع الكلمة العربية (نمر) إلى جانب اللفظة الإنجليزية تعريباً لها، وقد أنبأني صديق منذ أيام أنها أدركت أخيراً هذا الخطأ فأصلحته منذ أمد قصير.

وقد أتيحت للدكتور المعلوف فرصة قل أن تتوفر لغيره، وهي هذا التجوال في أنحاء السودان وبلاد العرب، فجمع من الطبيعة نفسها، ومما سمعه من أفواه الشعوب التي مر بها من المعلومات ما لا يوجد بين دفات الكتب. مثل ذلك كلمة (أصله) التي ورد ذكرها في أساطير الأولين أنها حية وكفى دون أن يعلم لحقيقتها وجود، فاستطاع أثناء وجوده بالسودان أن يطبق هذا الاسم على مسماه لأنه سمع الأهلين هناك يطلقونه على نوع خاص من الحيات.

لست أريد أن أفصل هنا الخلاف الذي قام بين الفريق أمين المعلوف والدكتور محمد شرف، إلا أنني أميل إلى الاعتقاد بأن الدكتور شرف قد استقى مما نشره الدكتور المعلوف شيئاً كثيراً دون أن يشير إلى ذلك في معجمه، وكان خيراً أن ينسب الفضل لذويه.

ز. ن. محمود