مجلة الرسالة/العدد 180/كبرياء الألم

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 180/كبرياء الألم

ملاحظات: بتاريخ: 14 - 12 - 1936



وراحة النفس في الشكوى ولذتها ... لو أمكنت، لا تساوي ذلة الشاكي

(أسامة بن منقذ)

للأستاذ أمجد الطرابلسي

أتظلُّ تخفق في الأضالع واهياً ... يا قلب حسبك! لن تراني شاكيا

يا ذلة الباكي! إذا أعداؤُه ... شمتوا به، والخِل أصبح راثيا

يا ذلة الباكي! لجرحي لاهباً ... أرضى لنفسيَ يا خفوق ونارِيا

أكتم لهيبك ما تقسمك الأسى ... لا يرخصن بكاك جرحاً غاليا

واشمخ بأنفك في الخطوب ولا يكن ... غلف القلوب أشد منك تعاليا

ولْتكرم الألم المخلِّد، ولتكن ... بلظى تكتمه الضلوع مباهيا

فالكون تضحكه الدموع إذا جرت! ... أتظل تضحك ذا الزمانَ اللاهيا؟

والمجد للألم الدفين على المدى ... لا للذي يؤذي المسامع باكيا

والوجد أنبله كمينٌ صامت ... وأجله ما كان جُرحاً خافيا

كنز من الإلهام لا تلقى له ... بين الكنوز مشابهاً ومساوياً

يهب الجلال لمن يطيق صيانه ... والعبقرية والثناَء الباقيا

يا أصدقائي النائحين تجملوا! ... لا تصبحوا بين الأنام ألاهيا

تبّاً لقلب لم يذق مجد الأسى ... وبِلىً لقلب لا يملّ تشاكيا

أغلوا الجراح فلن تروا مثل الجوى ... للعبقرية مُنضجاً ومواتيا

إِن القريض أعز مجداً من فتى ... يمسي ويُصبح ضارعاً متباكيا

لا يستحق الخلد شِعر ناحب ... تتقاطر العبرات منه جواريا

يا أيها الشاكي! إلى من تشتكي؟ ... أفأنت مُلْفٍ في الأنام مواسيا؟

وإذا لقيت فإِن في إشفاقه=ورثائه ذلاًّ لنفسك كافيا

أم الطبيعة ما تبث وأُذنها ... موقورة ما إن تجيب مناديا

تشكو فتعتنق الطيور على الرُّبى ... بين الغصون ضواحكاً ولواهيا

وتنوح الأزهار وتضحك خلسة ... والجدول المِطرب يسخر ج هل أسكنت يوماً لشاكي علة ... طيراً على عرش الأزاهر شاديا

أو حطمت أغصانها لفجيعة ... أو مزقت حُللاً ترف زواهيا

أوَلم تجيء هذي الطبيعة مرة ... ولهان تفتقد الحبيب النائيا

كم جئتماها قبلُ كنف الهوى ... وقضيتما فيها ضحى وأماسيا

الزهر حولكما يرفُّ مهنئاً ... والطير فوقكما تحوم شواديا

والغصن مخمور يصفق ناثراً ... قُبَلاً على عطفيكما ولآليا

أودعتماها الذكريات حبيبة ... تحكي أزاهرها اللطافُ، غواليا

وكتبتما فوق الجذوع مواثقاً ... ونقشتما فوق الصخور أساميا

واليوم. . .! تأتيها وحيداً شارداً ... ترجو بمغناها لجرحك آسيا

فانظر إليها! هل رعت ذمم الهوى ... أو خلدت ذكراً حلَوْن خواليا

سائل! فلست ترى لعهدك ذاكراً ... وابحث فلست ترى لحبك راعيا

واجزع! فلن تلقى لخطبك جازعا ... واندب! فلن يلقى بكاك مباليا!

ما بالها تلهو وأنت مكلّم ... تتلمس الذكرى وعهداً خاليا

إن الطبيعة غادة فتانة ... لا تعرف القلب الوفي الحانيا!

أحبيبي الغالي، وأنت مخاطبي -! ... هيا استشفَّ من القصائد ما بيا

هذا القريض يشف عما تحته. ... أتظن قلبي بعد ذلك ساليا؟

ألهو وأضحك ليس يبصر ناظري ... ماذا تكنُّ أضالعي وفؤاديا

أتقول: لا يذكي الهيامُ قصائدي! ... لولا لحاظك ما زكتْ أشعاريا

أقصائد يحملن آلام الهوى!؟ ... يا هونَهن! ولو يكنَّ دراريا

وانا قصيدتك البديعة صغتُها ... من فيض سِحرك أبحراً وقوافيا

وبخافقي ما لو تقسمه الورى ... وسع القلوبَ على الزمان خواليا

لكنني أغلى فؤادي أن يرى ... بين الأنامِ - وأنت فيه - داميا

(دمشق)

أمجد الطرابلسي