مجلة الرسالة/العدد 180/في المسرح المصري
مجلة الرسالة/العدد 180/في المسرح المصري
الفرقة القومية المصرية
وسياسة إعداد المخرجين
لناقد الرسالة الفني
تحدثنا في العدد الماضي عن بعثات التمثيل إلى أوربا وانتخاب اللجنة لأربعة من الأعضاء؛ اثنين من الممثلين واثنين من غيرهم. ونزيد اليوم إن أسماء هؤلاء الأعضاء قد أذيعت، وقد استولت الدهشة على كل المتصلين بالمسرح والذين يعنون بشؤونه، لأن اللجنة ترسل واحداً إلى إنجلترا لدراسة المناظر المسرحية وتصميمها، وبقية الأعضاء إلى ألمانيا وفرنسا لدراسة فن الإخراج والتمثيل ولم ترسل أحداً إلى إنجلترا في حين أنها في مستهل الموسم أذاعت على الممثلين إنها ترى أن ينهجوا على الطريقة الإنجليزية في أداء الأدوار لأنها أجدى على الفن؛ وهذا اعتراف صريح بما للمسرح الإنجليزي من مكانة تفوق مكانة المسارح الأخرى.
والثقافة الإنجليزية هي الثقافة الغالبة والسائدة الآن ولا سيما بين الشبان منذ أصبحت الإنجليزية اللغة الأوربية الأولى في المدارس المصرية. والأدب المسرحي الإنجليزي لا يقوم على العواطف والحب والصلات غير الشريفة كالأدب المسرحي الفرنسي، بل هو يعالج الشؤون الاجتماعية والدراسات النفسية والآراء الإصلاحية، ولذلك يحتاج إلى وسائل خاصة في إخراج رواياته.
ولست في حاجة إلى القول بان المسرح الإنجليزي يقوم على البساطة في وسائله وطرق إخراجه، فقد رأينا فيما تعرضه الفرق الإنجليزية على مسرح الأوبرا الملكية بالقاهرة شواهد عدة وهو في هذا عكس المسرح الفرنسي الذي يقوم على الصناعة والمغالاة والتعقيد في الإخراج. هذا إلى إن الإضاءة المسرحية في إنجلترا قد تقدمت حتى بزت جميع المسارح الأوربية. فإزاء هذا نرى من واجب اللجنة أن تبعث بأحد الممثلين الذين يجيدون الإنجليزية إلى لندن ليدرس الفن هناك.
وإنما طالبت بأن يكون المبعوث ممثلاً لا متعلماً أياً كان لإن الممثل أقدر من غير على تفه وسائل الإخراج والقيام بهذه المهمة فيما بعد، فان من الصعب على غير الممثل وهو يخرج رواية أن يرشد الممثلين إلى أداء الأدوار أداء صحيحاً أو رد أي ممثل إلى حدوده الشخصية إذا ما خرج أو شذ عنها.
ولقد أزددنا دهشة حين لم نجد اسم الممثل الأستاذ أحمد علام بين أعضاء البعثة، ففي تخطي اللجنة له إلى غيره من الممثلين وغير الممثلين قسوة وإنكار لجهوده الطويلة ومواهبه العظيمة؛ فأعضاء اللجنة المحترمون أكثر من غيرهم معرفة بمكانته الدبية وثقافته الإنجليزية واطلاعه الواسع على فنون المسرح، ومكتبته عامرة بكتب الفن الإنجليزية التي ازدحمت هوامشها بالملاحظات الجديرة بالتقدير، كما تعلم إن وزارة المعارف قد عهدت إليه بتدريس الفن المسرحي في مدارسها الأميرية، فقام بالمهمة خير قيام، وهو كممثل من أقدر الممثلين، فأدواره في رمسيس منذ عام 1926 تشهد بنبوغه، فلا يستطيع إنسان أن ينكر أدواره في روايات: اللهب، والذئاب، والإغراء، وتوسكا، والشرف، وغرام الوحش؛ ولنجاحه المنقطع النظير في فرقة السيدة فاطمة رشدي في روايات: الحب المحرم، والبعث، ويوسف الصديق، ومجنون ليلى.
ولقد أرسلته وزارة المعارف عام 1931 في بعثة صيفية إلى إنجلترا، فمن الواجب أن تعاونه اللجنة على إتمام دراسته، ولا أظن إن هنالك مجالاً للاعتذار لأن بقائه تعزيزاً لقوة الفرقة القومية، فالواقع يؤيد أنها لا تنتفع به كما يجب فهو حتى اليوم لم يظهر على المسرح ولا ينتظر ظهوره حتى الرواية الرابعة، وعلى اللجنة ألا تنظر إلى المنفعة القريبة بل تنظر للمستقبل، وتعمل للبناء حتى يمكنها أن تجني ثمار جهودها الكبيرة.
هذه كلمة دفعنا إليها حبنا للمسرح نرجو أن يكون لها أثرها.
يوسف