مجلة الرسالة/العدد 18/في الأدب العربي
مجلة الرسالة/العدد 18/في الأدب العربي
من طرائف الشعر
آثار شوقية
- 1 -
كوميديتان لم تنشرا
بقي من المجموعة الشعرية لشاعر الخلود شوقي بك روايتان كوميديتان تهيئان الآن للطبع وهما: (الست هدى) و (البخيلة).
ومن قرأ الشعر الفكاهي للأمير يتصور الروح الخفيفة المرحة التي تشيع في هاتين الروايتين. وفيما يلي منظر من رواية البخيلة يلهب النفوس شوقا اليها:
(الست نظيفة وخادمها حُسْنى، حُسنى تدخل وبيدها شيء)
الست نظيفة: تعالَي يا ابنتي جيئي=بماذا جئتني حُسْنَى؟
حسنى: لقد جئتُ بفنجانٍ=خذيه جربي البُنَّا
السيدة: وهذا شُبُكي. هاتِ
حسنى:=اجل بالعود قد جيتُ
حُسنى: وفي الكيس مع الدخا_ن زنداني وكبريتُ
السيدة: سَلِمت حُسْنَى يداك =
حسنى: أنا مولاتي فِداكِ
السيدة: والآن هل آخذُ خَرْج النهار؟ =امضي خذيه إنه في الكرار
حسنى: هيأته سيدتي؟
السيدة: أجل!
حسنى: وما أخرجتِ لي؟
السيدة: رأسٌ من الثوم وخمسٌ من صغار البصل
حسنى: والسمن مولاتي تُرى
السيدة:=كأمس لم أُق أوقية
حسنى: والأرز؟
السيدة: لا. لا يدخلنَّ منزلي
لقد غلا سعراً ولا ... يُعجبني السعرُ الغلي
حسنى: ليتكِ بالزيتِ افتكر_تِ والدقيق والعسل
السيدة: ولِمَ يا حُسْنَى؟ أرا_ك اليوم عادَكِ الخَبَلْ
نسيتِ أن ههنا ... وتحت هذي الكنبَهْ
العشراتُ من قدي ... م الكعك والغريِّبه
حسنى: لم أنس يا سيدتي
السيدة:=أنت إذن مخربة
حسنى: قد اشتهيتُ لقمة القاضي
السيدة:=اشتهتك عقربة!
السيدة: وما الذي اشتريت يا=حسنى لنا من الخُضَرْ؟
حسنى: الباميا! كأنها الزُ_مرُّدُ الخام الحجر
السيدة: الباميا منذ متى=هذا الخضار قد ظهر
حسنى: جديدة قلتُ عسى=سيدتي بها تُسَرَّ
نادى المنادون علي ... ها منذ أسبوع غبَرْ
ترفُلُ من شوكتها ... وفي شبابها النضر
السيدة: أجل لقد أكلتُها=في منزل الشيخ عمر
كالذهب الإبريز ... والثومُ عليها كالدُرَرْ
حسنى: واليوم تأكلينها
السيدة:=أمر من طعم الصَّبِرْ
اشتريتْ غاليةً ... مثل البواكير الأُخَرْ
حسنى: هدية تلك
السيدة: وممن؟ حسنى:=من قريبٍ لي حضر
السيدة: من أين جاء ومتى؟
حسنى:=من الصعيد قد بكر
السيدة: وبم ترى جزيته؟ =بقبلةٍ مستعجلة!
حسنى: سيدتي!
السيدة: امضي اطبخي=دقّيةً مكمّلة
كأنها خليةً ... من عسلٍ مجمّلَة
والثوم فيها لؤلؤ ... وهي به مكللة
والعظم
حسنى: واللحم
السيدة: إحذري يتعبني أن آكله
حسنى: اللحم يا سيدتي في الباميا ما أسهله
السيدة: حُسنى انظري
حسنى: سيدتي
السيدة: على البلاط وسخُ
حسنى: الآن اغسلُ البلا_ط ثم امضي اطبخُ
(وتخرج حسنى الخادم)
- 2 -
جبل الدروز
مشروع قصيدة لم تتم كان ينظمها المرحوم شوقي بك وهو بعالية من لبنان في أسود الجبل وقد اخرجوا من ديارهم ففروا بحريتهم وكرامتهم إلى الصحراء.
ألا بديارهم جنَّ الكرام ... وشفَّهم بليلاها الغرام
بلادا أسفر الميلاد عنها ... وصرَّحت الرضاعة والفطام
وخالط تربها وارفض فيه ... رفات من حبيب أو عظام
بناء من أبوّتنا ألاوالي ... يتمم بالبنين ويستدام توالى المحسنون فشيدوه ... وأيدي المحسنين هي الدعام
وأبلج في عنان الجو فرد ... كمنزلة السموءل لا يرام
يبيت النجم يقبس من ضياه ... ويلمسها فيرتجل الجهام
له في الأعصر الأولى سمى ... إذا ذكر اسمه ابتسم الذمام
كلا الجبلين حر عبقري ... لدى محرابه ملك همام
أُزيلوا عن معاقلهم فأمسى ... لهم في معقل الصخر اعتصام
الذكرى
مرت بي الذكرى فعا ... ود قلبي المضني أساه
ولمحت عهدا خاليا ... ووجدت في الذكرى شذاه
أيام روضُ اللهو غض ... والهوى دان جناه
والعيش مُخضر الحوا ... شي والمنى تُندى ذَراه
والقلب يمرح هائماً ... نشوان ما يدري هداه
كم لذَّ تقبيل الخدو ... د وشاقه لثم الشفاه
واليوم صوَّحه القنو ... ط فشاخ منضورا صباه
في هدأة الذكرى وأح ... لام الشباب بكى هواه
وطوى بساط اللهو في ... شرخ الصبا وا لهفتاه!!!
أوَّاه من عبث الزما ... ن وآه من كيد الحياة!
دمشق - حلمي اللحام
قلب!
لشاعر الشباب السوري أنور العطار
يا قلب! يا هيكل قدس الهوى ... ويا مطاف الذكريات العِذاب
اضممُ على الحب شراع المنى ... فهو طعام الروح وهو الشراب
تالله لولا حرمةٌ للهوى ... لكنتُ أصليتك مُرُّ العذاب
أمضَّني حملك طفلاً وها ... لما تزل طفلاً كثير الشغاف تملك أطراف السماء التي ... لم يمتلكها الدهر، طيف التَّباب
تفتُّن في الضحك وما تأتلي ... تلعب حتى يتعايا اللعاب
صبَّرت عنك الروح لكنما ... أضجرها منك مرادٌ عُجاب
أضعت من أجلك زهو الصبا ... فضاع ريحاني، وضاع الشباب
لم يبق لي من مأمل يرتجى ... في راحة الأحلام غيرُ السراب
يَرِفُّ، والروح شديد الصدى ... يُعِله في العمر ماء كذاب
قيثارتي تمعن في نوحها ... ونوحها شطرُ فؤادي المذاب
أشعارها في ذي الدُّنى نفحة ... تائهة في عالم من ضباب
تضيع في غيهب هذا الورى ... ضيعة طفل في فسيح الرحاب
يا غيبُ! هذا الطفل جمُّ الرؤى ... مفضض الأفياء، نضْر الشعاب
مُخْتَطَفٌ، شاردة روحه ... وشارد الروح طويل الغياب
غلغل في دنيا الهوى فارتمى ... حيران قد ضل سبيل المآب
خذه إلى ساحك تغنم به ... أغرودة حالية بالرغاب
أيها النيل
أيها النيل أنت روح البلاد ... ورسول المنى وكل المراد
لست ماء في أرضنا بل دماء ... تتمشى بين الحشا والفؤاد
فاجْرِ يا نيل بالحياة إلينا ... وابعث الخير في بطون الوادي
واملأ القطر من ترابك تبراً ... وابق يا نيل رغم أنف العوادي
أيها النيل لن تذل مدى الده ... ر وفينا ذخيرة للجهاد!
مصر تفديك بالدماء وبالنف ... س إذا عز في الخطوب الفادي
فهي لولاك لم تكن منشأ النو ... ر ومهد الحجى وكهف الرشاد
وهي لولاك لم تكن ذات مجد ... ثابت الأس مستقر العماد
وهي لولاك لم تخلّد بذكر ... في جميع العصور والآباد
وهي لولاك لم تكن منية الغر ... ب حديثاً وكعبة القصاد
أيها النيل بلغ الغرب أنَّا ... قد صحونا من الكرى والرقاد وسعينا إلى النهوض لنُحْيي ... لك عهد الأبوة الأمجاد
محمد فريد عين شوكة
الوداع الأخير
أغداً يا هاجري موعدنا؟ ... ردَّت الموعد أيامي عليك!
ها أنا الساعةَ في مُنعزلي ... أُسلم الروحَ وأُزجيها إليكْ
كم تمنيتُ إذا أسلمتُها ... لو أتَتْ خاتمتي بين يديكْ
يا ضنيناً باللقا. . . . حتى اللقا ... ساعة الموت من الحرمان؟ ويْك!
أيها القاتل. . . . إني مشفق ... لك (إن تلق الردى) من ملكيكْ!
بيَ أوجاع قد استعصت على ... حكمة الآسِي. . وما استعصت عليكْ
في سرير الموت جسم دارس ... ذو فؤاد ذائب من ناظريكْ
أيها القلب. . . . سألقَى خالقي ... ما جوابي أن يسل عن قاتليك؟
لست بالخائف في أخراي من ... لهبٍ ألفيْتُه برداً لديك
كنت في الدنيا مجوسياً صبَا ... للهيبٍ موقد في وجنتيك
لكأني كنت مثلوجاً. . . . وكم ... أدفأتني قبلةٌ من شفتيك!
يا شقيق الزهر والطير أما ... سألت نفسك عني أخويك؟
أنا في روضك أرويه بما ... فاض من دمعي مدى العمر عليك
في سرير الموت أغفَى شاعرٌ ... عبقري. . . وحيهُ من مقلتيك
يا ضنيناً باللقا. . . حتى اللقا ... ساعة الموت من الحرمان؟ وَيْك!
صالح جودت