مجلة الرسالة/العدد 178/ذكرى شهيد كلية الآداب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 178/ذكرى شهيد كلية الآداب

مجلة الرسالة - العدد 178
ذكرى شهيد كلية الآداب
ملاحظات: بتاريخ: 30 - 11 - 1936



للشاعر الحضرمي علي أحمد باكثير

في مثل هذا اليوم ثرَّ دمُ ... تبكي البلاد له ويبتسم

جذلان يمضي للخلود، ولا ... يلوي به أسف ولا ندم

خَلَع الشبابَ على نضارته ... لِشباب مجدٍ ما له هَرَمُ

خَلَع الشبابَ، فويح رَيقِّهِ ... لم توفَ منه للهوى ذِمم!

عينانِ ناعستانِ ترقبُه ... ويدان في لطف النَّدى، وفمُ

كانت ترى فيه لها حُلُماً ... فَصَحَتْ ولما ينقضِ الحُلُم!

ونوازع للشِّعر جائشة ... تهفو عليه أسىً وتضطرم

قد كان يذخره ليُجلِسَه ... يوماً بحيث تألّقُ النُّجُمُ

قد كان يأمل أن يتمَّ به ... للضّاد ما ترنو له الأُمم

حتى دعا وطنٌ فخفَّ له ... شيحانُ في عرنينه شَمم

مِصْرٌ؛ وأيّ فتىً تُهيب به ... مصر فليس جوابَهُ (نعم!)

نسى المُنى والأهلَ واحتشدت ... في قلبه العزماتُ والهِمم

هذا الحِمى نَهْب يعيث به ... خصمٌ ألدْ وطامع نَهمُ!

جاثٍ على الوادي ينوء به ... ويضيقُ من أنفاسه الكَظَمُ

أتظلّ مصرٌ تحت كلكله! ... أيُهان شَعب كله كرم؟

أتداس للوادي كرامته؟ ... أيُصان من غدروا ومن ظلموا؟

هلا فتىً يسخو بمهجته! ... هلاً فتى للعزّ ينتقم!

وهناك صاح دمٌ تردّد في ال ... وادي فلبَّاه دمٌ فدم!!

أصغى له (الطاغي) وقبل شكا ال ... شاكي فلم يُسمع له كلمُ

لا يُسمِعُ الخطباءُ مظلمةً ... ما يُسمِعُ الدّمُ من به صمم!

يا مصر لم يف غيرَ واجبه ... مُستَشْهَدٌ لعُلاك ينتقم

أنت الكنانة أرضها ذهب ... تنمي الفنون، وماؤها شم

وعلى سمائكِ صحو عاشقة ... هبت سُحيراً وهي تبتسم ترعى (الجزيرةٌ) فيك نهضتها ... وبحبل ودٍّ منك تعتصم

قد تأملين فكلها أمل ... أو تألمين فكلّها ألم

ما تنقلين لسؤددٍ قدماً ... إلا وتقفوها لها قدم

فاستقبلي (العهد الجديد) بما ... تجلى به عن أفقك الظلم

قوى عتاد الجيش تحترمي ... فالجيش دون الحق يحترم!

إنا لفي زمن يسود به ... بين الشُّعوب الفاتك الحُطم

السيف يخطب فيه مرتجلاً ... في العالمين، ويهمس القلم!

بدأ الجهاد اليوم - إذ فرغت ... من قدحِه كفّاك - يحتدم!

دون المرام مصاعبٌ غُلُبٌ ... لكنها بالعزم تُقْتحم

وبنوكِ عزموا الخلاص ولن ... تقف الرواسي دون ما عزموا!

آمنت أنّهُم بما اتحدوا ... غُلبُ الأسود وأنكِ الأجم

شهداء مصر لَيَهنكم نُزُلٌ ... بجوار (سعد) يحوطه العِظم

أقسمتم بشراء أنفسكم ... في حب مصر فبورك القسم

ولتحيَ (مصرُ) ويحيَ (عاهلها) ... و (زعيمها) و (النيل) و (العلَم)

علي أحمد باكثير