مجلة الرسالة/العدد 170/جولة ريفية
مجلة الرسالة/العدد 170/جولة ريفية
صحبة النهر المقدس
في الطريق الريفي الملوّن بالأضواء والظلال لا تجد أجمل من رؤية النهر المقدس، يشق الوادي الجميل، فيُنَضرُ بالخضرة طلعته، ويزين بالعشب والشجر حافته، وينفث من روحه في الطير الحياة، ويطيف من حوله أرواحاً تغني بجماله وتبتسم في عذوبته!
ولقد مرَّت قرون وقرون، ومياه النهر تغني للوجود أغنية الخلود، وتفني المخلوقات في كر السنين، ويبقى وجه الماء العذب الطهور تصافحه أضواءُ الشمس الذهبية، وتباركه أنفاس الهواء، فيملأ هذا الثالوث الطبيعي القلوب والعقول بشراً وصفاء وذكاء وحياة!
ويا لها من قوى سحرية تُقوي الإيمان بالخلود، وتزيد الحب للوجود، وتبعث الزهد في الحياة، وتعلن في الدنيا مجد الله!
ومن ذا الذي يمكنه أن يصف سحر النهر؟ وكيف لأديب أو مفتنّ أن يصور روحاً من الأرواح عاشت من جودها الحقول، وطفرت في براءتها الطيور، ورقصت في دلالها الهوام رقصات الجنون!
ومن الغريب أن آلاف الأناسيَّ تسير إلى جوار هذا الروح الهائل، كظل من الظلال العابرة، لا تهتز لجوده، ولا تنحني لبره، ولا تهتف بجماله، كأنما نضبت فيهم عاطفة الاعتراف بالجميل، على حين كان الآباء الأولون يقْدرُون للنهر أياديه، فيقدمون له الهدايا، ويحملون لصدره أعز الأرواح!
فلماذا لا نُزجي لهذا الماء الغني هدايا الفن الحديث، وقرابين القلب العارف النبيل؟ وهاهي ذي روح النهر تشدو بأنفاس الحنان، وهاهي ذي أمواجه تتنفس البهجة والفرحة في الحياة!
(ميت غمر)
مصطفى عبد اللطيف السحرني المحام