مجلة الرسالة/العدد 163/حيرة

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 163/حيرة

ملاحظات: بتاريخ: 17 - 08 - 1936



للأستاذ محمود شاكر

أشابَ القلبُ أم كَرِهَ الشبابا؟ ... وبان الأُنْسُ أم نسي الإيابا؟

وغالبني الأسى أم غالَبتْني ... حياةٌ تجعل الفَوْزَ اغتصابا؟

أتَغْصِبُني الدموعُ الصبرَ حتى ... أَرَى الدنيا أنيناً وانتحابا!

ويُبْدِلُني الزمانُ من التصابي ... ومن طَرَبي وُجُوماً واكتئابا!

وأَسْأَمُ لَذَّةَ الدُّنْيا، ولَمَّا ... أَذُقْ مِنْ لَذَّةٍ إِلا حَبابا!

فأِزْجُرُ لَذَّتي زَجْرَ اليتامى ... إذا ما الدهرُ أَمَّ بهم ذئابا

أفي وَهَج الشباب أعود هِمّاً ... يذودُ بضعفه النُّوَبَ الصِّعابا؟

وَأُطرِقُ للحوادث مستكيناً ... كجاني الشرِّ ينتظر العقابا!

وأُصبحُ في يدِ الدنيا أسيراً ... إِذا رام الفِكاكَ وَهَي وخابا!

كما عَلِقَ الحِبالةَ ذو جَناح ... ولم يَنْفَعُهُ أن صحِبَ السحابا

فصفَّقَ ثم رَنَّقَ ثم أَعْي ... يَحِنُّ لداره جوّاَ وغابا

أَمِنْ عَدْلِ الحوادث أن أُضَرَّى ... لأطْعَمَ إِثْرَ لذَّتِهِنَّ صَابا!

وأن أستقبل الغَدَ مُسْتثيباً ... فيُقْبِلَ، لا أفاد ولا أثابا!

وأحمِلَ من بناتِ الهمِّ قلباً ... إذا نهنهتُهُ زاد اضطرابا!

جزاكِ الله من دُنْيَا خَتُولٍ. . ... غَذَوْتِ القلبَ شكّاً وارتيابا

أنتهانى عن الجزعِ اللَّيالي ... وما تنفكُّ تتركني مصابا!!

فتَسْلُبني الأحبة عن عيان ... وتمتَحُني بذكراهم عذابا

وتسألني اختداعاً: أين بانوا؟ ... ومن يُجْرم توقَّح أو تغابى

سَلِي ما شئت، واستمعي شكاتي ... كمثل الدمع تنسكب انسكابا

أَعدْلٌ منكِ أن أجَّجْت قلبي؟ ... فلولا الصبرُ يمسكه لذابا

فصارعتُ الشجون وصارعتني ... إلى أن فُزْتُ بالبقيا غلابا

فإن الدهر يُنصف من تأبَّى ... ويمنع يائساً من أن يُجابا

ومن يُعط التجلد للرّزايا ... تيقَّن أن يصيب وأن يُصابا وسائلةٍ بظَهْرِ الغيب عني ... وعن جَلَلٍ من الأحداث نابا

تذكِّرُنِي الأحِبَّة ولَّوْا. . ... فزاد الدمعُ والجَزَعُ انتيابا

أحافظتي، فديتُكِ من صديق ... يسائِلُ من مضى عني وآبا

هي الدنيا تُفَرِّقُ ساكنيها ... وفي الذكرى تزيدهمُ اقترابا

ألا لا تَعْجَبي لِيَ من نحيبي ... فإِن أمامنا العَجَبَ العُجابا

محمود محمد شاكر