مجلة الرسالة/العدد 161/من أدبنا المجهول - شاعر يرثي ولده بديوان

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 161/من أدبنا المجهول - شاعر يرثي ولده بديوان

مجلة الرسالة - العدد 161
من أدبنا المجهول - شاعر يرثي ولده بديوان
ملاحظات: بتاريخ: 03 - 08 - 1936



اقتراح القريح واجتراح الجريح

لأبي الحسن الحصري

(للأستاذ الزيات عزاء وسلوة)

للأديب السيد أحمد صقر

- 3 -

نموذج من شعره:

قال أبو الحسن علي الحصري من قصيدة - وهي الأولى -

حاشاك من نار على الأحشاء ... يزداد ضِعفاً حرها بالماء

عزيتني فيما ترى وعزوتني ... للصابرين ولات حين عزاء

من لي بأجر الصابرين وأعظمي ... موهونة من أعظم الأرزاء

هل مستطيع أن يكفكف دمعه ... من لا براح له على البُرَحاء

لهفي على ريحانة راحت إلى ... مثوى ثواب ليت فيه ثوائي

سالت حشاشة نفسه من أنفه ... فشهدت منه مصرع الشهداء

ونظرت في قطع الرعاف فلم تمط ... حكم المنية حيلة الحكماء

فإذا أراد الله ميتة مدنف ... أخفى على الآسى دواء الداء

داواه من أدواه حتى قال لي ... لا تأتني من ذا الردى بدواء

لا أشتكي أني حرمت إجابة ... لولا شعوب لدَعَّ عنه دعائي

والخير فيما اختار خالقه فقد ... آلت به الضراء للسراء

ولقد يَسُرُّ الله بالبأساء في ... أحكامه ويضر بالنعماء

عرضت له تفاحةً نفاحة ... بعضُ الأماء فرد بالأيماء

ولو استطاع القول قال مشافها ... تفاح جنات الخلود شفائي

عبد الغني لك المسرة غائبا ... ولي المساءة مصبحي ومسائ وقال من قصيدة:

كان عبد الغني للعين نورا ... ولقلبي هدى وللعيش طيبا

كان شيبي به شبابا فلما ... بان رد الشباب مني مشيبا

كنت في غربتي كأني به في ... وطني، فانقضى فعدت غريبا

لم يدع فقده لمغناي معنى ... فخلا آهلا وضاق رحيبا

لست أنسى مقامه ومقامي ... وكلانا مثل القتيل خضيبا

أنفه ينثر العقيق وعيني ... تنثر الدمع بالعقيق مشوبا

ضمني شاكيا إلي فقلبي ... كلما يشتكي يطير وجيبا

وبودي لو احتملت فداء ... عنه ذاك الضنى وتلك الكروبا

لو أطق فيه حيلة غير أني ... مذ قضى نحبه ألفت النحيبا

مات من كنت أقطع البيد جرا ... هـ وأرجو المنى وأخشى الخطوبا

ما أعز الحياة للمرء! ما اب ... عد آماله وأدنى شعوبا

ما أقل الوفاء، ما أضعف الطا ... لبَ في ذا الزمانِ والمطلوبا

يا حبيب الآله لولا المنايا ... لشفي منك ما أَعل الطبيبا

يوم ناديتَ: (فرج الله كربي ... إنني اشتقت مسجدي والأديبا

ولِداتٌ سبقتهم لحقوني ... صار من كان غالباً مغلوبا

طال سقمي فارفع دواتي وأقلا ... مي ولا تمح لوحي المكتوبا

فإذا ما أفقت أدركت من فا ... ت وعادت عنقاؤهم عندليبا)

قُلتَ ما قلت ثم زاد سقام ... ودم غادر البياض شحوبا

فجرت عبرتي وأحسب نفسي ... فجرت، كان برّها أن تذوبا

ولدي! كيف نستوي؟ أنا في حرّ ... الرزايا وأنت في ظل (طُوبى)

أنت حيث المقربون فأبشر ... وسل الله أن أراك قريبا

خضعت بعده رقاب لداتٍ ... كان فيهم معظما ومهيبا

كان يهدي قلوبهم ثم ولى ... فمعوا الآن أعينا وقلوبا

حق لي أن أشق قلبي بكاء ... لا أوفيك إن شققت الجيوبا وقال:

إن قلوبا وجبت ... حق لها أن تجبا

مثلك يا عبد الغنيّ (م) ... البرّ لن أنتجبا

وقال من قصيدة:

يا نور عيني فقدتُهْ ... ففي الفؤاد وجدتُهْ

يا كوكبا لقبوني ... بالبدر يوم ولدته

لم يهد ركني سناه ... حتى خبا فلحدته

أنت النجيب ولكن ... أبى الردى ما أردته

حلت يد الدهر عقدا ... قد كنت من قبل شدته

أعارني منك علقا ... ثم اقتضى فرددته

بل سرني فيك ربي ... وساء ني فحمدته

تقاصر اليوم باع ... للفخر فيك مددته

سهرت بعدك ليلي ... وطالما قد رقدته

وكم نضحت بدمعي ... حر الحشا لو بَرَدته

يا رب وف المرا ... دِي بولده ما وعدته

لا ضيع الله أجري ... فأي وجد وجدته

أيوم مصرعه أم ... يوم الحساب شهدته؟

كان ابن تسع ولكن ... في الأكثرين عددته

لا حبذا العيش إني ... على الممات حسدته

عبد الغني مفيدي ... من الغنى ما أفدته

بيمنه كنت مهما ... نصبت لليث صدته

وما زرعت رجائي ... في الصلد إلا حصدته

يا ابني الذي كان يبني ... مجدي وإن كنت شدته

حططتني يوم أودي ... ت من منيف صعدته

قميص مصطبري من ... قبل عليك قددته وفي جوارك أحبب ... ت مضجعي لو مهدته

لعل قربك يشفي ... كربي كما قد عهدته

إني وربي هداني ... لنوره فتبعته

ما غاض بعدك ثكلي ... إلا بكيت فزدته

وقال:

بكيت من سكن في أضلعي سكنا ... لو عاش لي لكفاني الدهر أوقاتا

في كل وقت على فقديه أذكره ... وربما نسى الأحباب أوقاتا

وقال من قصيدة:

دهر حوادثه شتى الأحاديث ... فاسمع بما شئت عن نوح وعن شيث

تغرنا دارنا الدنيا بزخرفها ... ونحن في طلب للموت محثوث

تُوُفِّيَ الخلف الزاكي وعشت كما ... ترضى العدى عيش مكروب ومكروث

حتى أعاف شراباً لست أمزجه ... بعبرتي وطعاماً غير مغلوث

وكنت في جنة حفت جوانبها ... بالزرع والنخل والأعناب والبوث

فأصبحت يوم أودي وهي خاوية ... جرداء من كل مغروس ومحروث

ويلاه ويلاه لا أشفي بتثنية ... حتى أزيد ولا أشفي بتثليث

بكيت مستسقياً للدمع حين جرى ... فلم أزد نار قلبي غير تأريث

أحب لقياه والبقيا لأندبه ... فيا شعوب إعجلي إن شئت أو رِيثي

أهم بنبشي قبرك الطيب الثرى ... لعلي أستشفي وإن حرم النبش

كأني وقد أودعتك القبر طائر ... كسير جناح لا فراخ ولا عش

إلى العيد

قد كنت هيمان مهموماً بلا جلد ... فزدت ضعفين في همي وتهيامي

عهدتُ ليلتك البيضاء نيرة ... فما لها كحلت عيني بإظلام

حتى تناسيت ما عودت من فرح ... وقُبحُ يوم يُنَسى حسن أيام

فما لبست سوى الأحزان سابغة ... ولا نحرت سوى إنساني الدامي

ولا برزت لزواري مخافة أن ... أساء منهم بطلق الوجه بسام ورافل في جديد كان يرفل في ... مثاله ابني غداة العيد مذ عام

حبيبَ نفسيَ لو أعطيت ساكنها ... أصاب نحري وأخطأ نحرك الدامي

كأنني لم أكلم منك نابغةً ... ولا رأيتك ملء العين قدامي

ولا سمعتك تتلو الذكر في سحر ... بصوت داود في إفصاح همام

مخايل فيك راقتني محاسنها ... سَرَّت ببدء ولم تسرر بإتمام

الحمد لله عدل منك ما نفذت ... به المقادير من نقض وإبرام

سيد أحمد صقر

-