مجلة الرسالة/العدد 152/الكتب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 152/الكتب

ملاحظات: بتاريخ: 01 - 06 - 1936



شهرزاد في اللغة الفرنسية

للأستاذ عبد الرحمن صدقي

نوهت (الرسالة) في عددها الماضي بصدور ترجمة فرنسية لرواية شهرزاد للأستاذ توفيق الحكيم. وهذه شهادة ناصعة على مبلغ ازدهار حركة التجديد في مصر وعلى المستقبل المنتظر للأدب المصري بين آداب الأمم

ولما كانت الترجمة مصدرة بكلمة ليست على طراز المقدمات المألوفة بل هي من قلم عضو المجمع الفرنسي المسيو جورج ليكونت تناول فيها الرواية بالتعقيب فأحسن جلاء فكرتها. فانه ليسرنا أن ننشر تعريب هذه المقدمة فيما يلي:

(شهرزاد! لا يتطلبن القارئ تحت هذا الاسم الحالم تلك المناظر المألوفة المعهودة في ألف ليلة وليلة، ولا أبهة الشرق كما أصطلح عليه العرف

طريق قفر. منزل منفرد في جنح الظلام. خيال مخدع الملكة مترائياً في حوض من المرمر: رمال الصحراء. وفي وسط هذه الرسوم الرصينة عن تعمد وقصد تتجلى المأساة الخالدة: مأساة النفس الإنسانية في كل زمان ومكان

هنا شهرزاد، مجردة من بريق عقودها ومن أبرادها المذهبة تتبدا لنا في جوهرها وكنه ذاتها. وما شأن اسمها وسماتها؟ فلتكن لها طلعة امرأة أو طلعة الحظ أو العلم أو المجد، فما هي بعد إلا الذروة اللامعة التي يتطلع إليها طماح الإنسان ويستنفد جهده نحوها؛ هي سراب بقيعة يهيج ظمأه ولا ينقع له غلة؛ هي الملتقى المحتوم يتوافى عنده أبداً تلهف الرجاء وخيبة الأمل على لقاء موجع ووفاء فاجع

(لقد استمتعت بكلِ شيء، وزهدت في كل شيء) بهذا يهتف شهريار. لم يفثأ غليله ولم تطب نفسه بما سفكه من دم العذارى والعبيد، وما ذاقه من سحر ألف ليلة وليلة من ليالي الحب والفتنة قضاها بين ذراعي شهرزاد. لقد استنزف كل شيء من حيث المتعة. والذي يضني نفسه الآن إنما هو ظمأ جديد: (إني براء من الآدمية. لا أريد أن أشعر. أريد أن أعرف)

ومنذ هذه الساعة تطمّ المأساة ويعبّ عبابها، وتنحصر وتستحكم حلقاتها، إلى أن يصبح شهريار وشهرزاد وجهاً لوجه لا يمثلان غير الصراع المحتدم بين لهفة الإنسان وسر الأشياء المطويّ دونه

يسألها شهريار: (من أنت؟ هل تحسبينني أطيق طويلاً هذا الحجاب المسدل بيني وبينك؟)

فتغمغم شهرزاد كالمخاطبة نفسها بهذه الكلمات الخافية المشرقة: (وهل تحسبك - أيها الطفل - لو زال هذا الحجاب تطيق عشرتي لحظة؟)

وليس أصدق من قولها هذا. فان موضع العظمة في قلق الإنسان أنه قلق عضال لا دواء له؛ فضلاً عن أنه قد يكون ضرورياً للإنسان باعتباره مدعاة لاستمراره في البحث والطلب، وعلة لهذه الغريزة التي تحفز كل جيل - بالرغم من هزائمه - على أن يعهد للجيل اللاحق شعاره وهو الأمل

ولقد كان لا بد من شاعر ليقدم في هذا الحيز المحدود على إجمال لإحدى المأساتين العظيمتين للإنسانية؛ ولكنه كان لا بد من شاعر شرقي رقيق الحاشية دقيق الحس كالأستاذ توفيق الحكيم ليعالج صعوبة العمل بهذا الافتنان في التعابير المتراصفة النظم البارعة الوشى

ولا يسعنا أيضاً إلا الثناء الجميل على الأستاذين خضري وموريك بران؛ وكيف لا، وهما قد ترجما إلى اللغة الفرنسية المطبوعة على الوضوح والتعقل عن لغة أخرى جعلت قبل كل شيء للتعبير عن العطور والأشعار والأسرار

عبد الرحمن صدقي