مجلة الرسالة/العدد 149/الحياة الأدبية في الحجاز
مجلة الرسالة/العدد 149/الحياة الأدبية في الحجاز
للأستاذ عبد القدوس الأنصاري
نشر الأساتذة: علي الطنطاوي وعبد الوهاب الأمين وسامي الشقيفي وغيرهم في مجلة (الرسالة) الغراء بحوثاً ممتعة عن الحياة الأدبية في أوطانهم، فأجادوا وأفادوا، وجلو لنا بأقلامهم المرهفة حقيقة هذه الحياة
ولما كانت هذه البحوث عبارة عن جزئيات يتألف من مجموعها موضوع كليَّ عام، هو الهدف الأسمى ألا وهو (تصوير الحياة الأدبية في البلاد العربية) رأيت - والحالة ما ذكر - أن أدلي بدلوي وأقول كلمتي عن الحياة الأدبية في الحجاز، استكمالاً لحلقات البحث، ووفاء بحق هذا القطر الذي هو مهد الأدب العربي الأول
كانت الحياة الأدبية عندنا فيما قبل الحرب العامة الماضية تجري على سنن أدباء القرن الوسطى جريا تقليدياً محضا، ميكانيكياً خالصا؛ قصائد غزل ورثاء، ومدح وهجاء، وتطريز وتشجير، ورسائل معذرة وإطراء، وعتاب وتواصل وتقاطع. . . وكانت كل هذه الرسائل وهاتيك القصائد منهوكة القوى المعنوية بما تحمله دواماً من أغلال السجع المرهقة، وأثقال المحسنات البديعية الجافة. . . للألفاظ في الأدب عامةً المقام الأول: أما المعاني فهي في الدرجة الثالثة أو الرابعة في الأهمية. بقدر اقتدار الأديب ناثراً أو شاعراً على تنميق الألفاظ يقاس أدبه، وبموجبه يصدر له أو عليه الحكم
هكذا كان الجو الأدبي هنا محاطاً بسياج من الجمود. . . فلما وضعت الحرب العامة أوزارها استيقظ في نفر من ناشئة الحجاز المتعلمين روح النهوض، وشعروا أن أدبهم قد أخنى عليه التقليد وأفسده داء الجمود، فتركه هيكلاً عظيماً نخراً باليا، نابياً عن الحياة، بعيداً عن مطالبها، فاقداً روح الحياة، فاشمأزوا من هذه الحالة المزرية. وهنا ابتدأ دور العمل في الإنقاذ، ومن هنا ابتدأ عصر التجديد
إلى أين تتجه؟ كيف نجدد هذا الأدب الرث البالي؟ أين الطريق؟ وأين الدليل؟
هنا شاهدنا سببين ممدودين إلينا من أقطار العروبة الناهضة، وكل منهما له مغرياته، هذا الأدب المصري يجذبنا بنصاعة أسلوبه وقوة تركيبه، وهذا الأدب المهجري يسحرنا بمرونة أسلوبه وسهولة تعبيره. كان طبعيا - والحالة كذلك أن يحصل انقسام في اتجاه حياتن الأدبية. ففي المدينة كان منا إجماع على اعتناق الأدب المصري أسلوبا وتفكيرا، وفي مكة وجدة تمسكت طائفة بذيول الأدب الهجري، وأخرى اعتنقت الأدب المصري. وكل سار في اتجاهه يكتب ويفكر، ويفكر ويكتب. حتى كان تفاعل فكريّ في الآونة الأخيرة أنتج (توحيد) مناهج الأدب الحجازي في انتهاج سبيل الأدب المصري وحده. ومن هنا وبسبب تضافر الجهود وقوة الاتحاد رأينا الأدب الحجازي يخطو إلى الأمام خطوات سريعة تشف عن استعداد عظيم
على أن حياتنا الأدبية بسبب حداثة عهدها ولكونها نتيجة ثقافة محدودة فأنها ما تزال بحاجة إلى الإصلاح والتغذية، وإلى التنظيم والنضوج. فالاضطراب الفكري والارتجاج الكتابي، ظاهرتان ما تزالان تلازمانها فيما تنتجه من ثمار. ومع هذا فأننا لعلى اعتقاد أكيد باضمحلال هاتين الظاهرتين متى تضافرت الجهود في سبيل الإصلاح
وحياتنا الأدبية إنما تستمد كيانها وعناصرها من الأدب العربي الإسلامي القديم، كمؤلفات الجاحظ وقصائد المتنبي، ومن نتائج قرائح أدباء مصر المعاصرين؛ وقلما تأخذ أية فائدة أو تستمد أية فكرة عن الأدب الغربي رأساً لعدم إلمام الأكثرية الساحقة من القائمين بها باللغات الأجنبية إلماماً يؤهلهم للإفادة والاستفادة
ولقد خطت حياتنا الأدبية خطوات مباركة في سبيل النشر والتأليف، فمع وجود كثير من العقبات والحوائل قد ظهر في عالم المطبوعات كتب أدب حجازية منها: كتاب أدب الحجاز، وكتاب آثار المدينة المنورة، ورواية التوأمان، وإصلاحات في لغة الكتابة والأدب، والتحفة الشماء في تاريخ العين الزرقاء، وحياة سيد العرب، والانتقام الطبعي
وفي الحجاز اليوم صحيفة أدبية هي الأولى من نوعها، وهي (صوت الحجاز) التي تصدر بمكة، وهذه الصحيفة هي المنبر الوحيد الذي يتبارى من فوقه حملة الأقلام في الحجاز، وفي نية بعض إخواننا من أدباء المدينة وشبابها إنشاء صحيفة في المدينة كصوت الحجاز، ونرجو لهم التوفيق، لأن الصحافة كما أنها عنوان رقي البلاد فأنها الباعث الوحيد لإنهاضها وإنعاشها في هذا العصر
وخلاصة القول أن في الحجاز اليوم حياة أدبية، وإحساساً أدبياً، زاخرين بالآمال في مستقبل أدبي مجيد رائع لهذه البلاد. والآمال هي مصابيح الحياة؛ ومادامت حياتنا الأدبية تحمل بين يديها هذه المصابيح، فإنها ولا ريب بالغة قمة النجاح
(المدينة المنورة - الحجاز)
عبد القدوس الأنصاري