مجلة الرسالة/العدد 141/أندلسيات:

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 141/أندلسيات:

ملاحظات: بتاريخ: 16 - 03 - 1936


4 - ابن بسام صاحب الذخيرة

والشاعر أبو مروان الطُّبْني

للأستاذ عبد الرحمن البرقوقي

أما كتاب الذخيرة فليس أصدق في التعريف به مما جاء في تصديره أو مقدمته أو مدخله أو خطبته، وإذ أن خطبة هذا الكتاب طويلة فلنجتزئ بذكر ما يهمنا منها، وهنا ننبه القارئ إلى أن مستهل هذا الكتاب الموجود في النسخ الموجودة بدار الكتب المصرية هو غير مستهل الخطبة الحقيقي. وإليك هذا المستهل كما هو في النسخ المذكورة:

(الحمد لله الذي أبرز قمر الآداب في سماء الكمال، وجعل لها أهلا كالنجوم يقتدى بهم ويهتدى مدى الأيام والليال، وصلاةً وسلاما على السيد السند الرسول المفضال، وأصحابه وأزواجه والآل، ما صدح هزار الفصاحة على أغصان فنن البلبال، وبعد: فيقول صاحب العزلة والانفراد أبو عبد الله عبد الملك بن المنصور بن عبد البر بن عدي بن هشام بن أحمد بن بسام: أني كلِفْتُ منذ زمان بأن أعد محاسن أهل جزيرة الأندلس، ورأيت العزلة والانفراد عن هذا العالم في هذا الزمان، واجبةً بحسب الإمكان، وأردت قطع التردد عن مجالسة الرجال، لا سيما والفكر مشغول في بحر التفكير فيما كلفت به وأدركته بعد أمة. ولا أدعي أني اخترعته ولكني لعلي أحسنت حيث أتبعت، وانتقيت ما جمعت، وتألّفت على الشارد، واغتنيت عن الغائب بالشاهد. . . الخ الخ) وهذا كلام كما ترى غث بارد مغسول لا يصدر عن مثل ابن بسام، ولعله تلفيق حَمْقىَ النساخين، يضاف إلى ذلك أنه ورد فيه اسم ابن بسام وخطأ فليس اسم ابن بسام عبد الملك ابن المنصور. . . وإنما اسمه عليّ وكنيته أبو الحسن لا أبو عبد الله. . . إذن هذا كلام مفتعل. ومستهلّ الخطبة الحقيقي هو كما ورد في نفح الطيب ما يأتي:

(أما بعد) حمداً لله ولي الحمد وأهله، والصلاة على سيدنا محمد خاتم رسله، فأن ثمرة هذا الأدب، العالي الرتب، رسالة تنثر وترسل، وأبيات تنظم وتفصل، تنثال تلك انثيال القطار، على صفحات الأزهار، وتتصل هذه اتصال القلائد، على نحور الخرائد، ومازال في أفق هذا الأندلسي القصي إلى وقتنا هذا من فرسان الْفَنَّين، وأئمة النوعين، قوم هم ما هم طيبَ مكاسر، وصفاء جواهر، وعذوبة موارد ومصادر، لعبوا بأطراف الكلام المشقّق، لعب الدجن بجفون المؤرق، وجدّوا بفنون السِحْر المنمّق، جد الأعشى ببنات المحلق، فصبوا على قوالب النجوم، غرائب المنثور والمنظوم، وباهوا غرر الضحى والأصائل، بعجائب الأشعار والرسائل، نثر لو رآه البديع لنسي اسمه، أو اجتلاه ابن هلال لولاه حكمه، ونظم لو سمعه كثّيّر ما نسب ولا مدح، وتتبعه جَرول ما عوى ولا نبح، إلا أن أهل هذا الأفق، أبوا إلا متابعة أهل الشرق، يرجعون إلى أخبارهم المعادة، رجوع الحديث إلى قتادة، حتى لو نعق بتلك الآفاق غراب، أو طنّ بأقصى الشام والعراق ذباب، لحنوا على هذا صنما، وتلوا ذلك كتاباً محكما، وأخبارهم الباهرة، وأشعارهم السائرة، مرمى القصيه، ومناخ الرديه، لا يعمر بها جنان ولا خلد، ولا يصرف فيها لسان ولا يد، فغاظني منهم ذلك، وأنفت مما هنالك، وأخذْت نفسي بجمع ما وجدت من حسنات دهري، وتتبع محاسن أهل بلدي وعصري، غَيرةً لهذا الأفق الغريب أن تعود بدُورُهُ أهِلَّة، وتصبح بحورُه ثماداً مضمحلة، مع كثرة أدبائه، ووفور علمائه، وقديماً ضيعوا العلم وأهله، ويا رب محسن مات إحسانه قبله، وليت شعري من قصر العلم على بعض الزمان، وخص أهل المشرق بالإحسان، وقد كتبت لأرباب هذا الشان، من أهل الوقت والزمان، محاسن تبهر الألباب، وتسحر الشعراء والكتاب، ولم أعرض لشيء من أشعار الدولة المروانية ولا المدائح العامرية، إذ كان ابن فرج الجياني قد رأى رأيي في النَصفه، وذهب مذهبي من الأنفَه، فأملى في محاسن أهل زمانه، كتاب الحدائق معارضاً لكتاب الزهرة للأصفهاني، فأضربت أنا عما ألّف، ولم أعرض لشيء مما صنّف، ولا تعدّيت أهل عصري ممن شاهدته بعمري، أو لحقه أهل دهري، إذ كل مردّد ثقيل، وكل متكرر مملول، وقد مَجَّت الأسماع (يا دار ميَة بالعلياء فالسّند) إلى أن قال بعد ذكره أنه يسوق جملة من المشارقة مثل الشريف الرضي والقاضي عبد الوهاب والوزير ابن المغربي، وغيرهم ممن يطول ما صورته. . . وإنما ذكرت هؤلاء ائتساء بأبي منصور، في تأليفه المشهور، المترجم بيتيمة الدهر، في محاسن أهل العصر. . .

هذا هو كل ما أورده المقري من خطبة الذخيرة، ومن هذا الموضع تبتدئ بقية الخطبة المثبتة في النسخ الموجودة في دار الكتب، فإذا أردت أن تجمع أطراف خطبة الذخيرة فهذا الذي أوردناه هنا هو الشطر الأول منها، لا ما هو مذكور في النسخ التي بين أيدينا حتى إذا وصلت إلى هذا الموضع وهو: - وإنما ذكرت هؤلاء ائتساء بأبي منصور في تأليفه المشهور المترجم بيتيمة الدهر في محاسن أهل العصر - وهذا هو ما أراده المقري واقتصر عليه - فارجع إلى هذا الموضع في خطبة الذخيرة الملفقة وامض منه إلى نهايتها وبذلك تجتمع لك الخطبة وتكمل، وهي خطبة على طولها بارعة جميلة، فارجع إليها في الذخيرة إن شئت؛ وما حفزنا إلى القول عليها وإيراد ما أوردناه منها إلا هذا التخليط الذي اعتور النسخ بأيدينا. . .

هذا وقد كسر ابن بسام الكتاب على أربعة أقسام: القسم الأول لأهل حضرة قرطبة وما يصاقبها من موسطة بلاد الأندلس، وهذا يشتمل من الأخبار وأسماء الرؤساء وأعيان الكتاب والشعراء على جماعة. . . الخ الخ، والقسم الثاني لأهل الجانب الغربي من الأندلس وذكر حضرة أشبيلية وما اتصل بها من بلاد ساحل البحر المحيط الرومي وفيه من الأخبار وأسماء الرؤساء وأعيان الكتاب جملة موفورة. . . الخ الخ، والقسم الثالث ذكر فيه أهل الجانب الشرقي من الأندلس ومن نجم من كواكب العصر في أفق ذلك الثغر الأعلى إلى منتهى كلمة الإسلام هنالك. . . الخ الخ، والقسم الرابع لمن طرأ على هذه الجزيرة من أديب شاعر وكاتب ماهر ووصل بهم ذكر طائفة من مشهوري المشارقة ممن نجم في عصره. . . الخ الخ

(وبعد) فأنا نضرع إلى الله سبحانه أن يوفق جماعة المستشرقين الذين أزمعوا طبع هذا الأثر النفيس حتى يخرجوه سليما معافى بارئاً مما ألمّ به من التحريف الذي شوه محاسنه، وكاد يطمس معالمه إنه سميع الدعاء

عبد الرحمن البرقوقي

منشئ مجلة البيان ورئيس قلم المراجعة بمجلس النواب