مجلة الرسالة/العدد 131/الكتب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 131/الكتب

ملاحظات: بتاريخ: 06 - 01 - 1936



كتاب الأوراق

للصولي

للأستاذ محمد بك كرد علي

كان أبو بكر محمد بن يحيى الصولي من الأدباء الظرفاء والندماء العلماء. نادم الراضي بالله وكان أولاً مؤدباً له. ونادم المكتفي ثم المقتدر. وكان من ألعب أهل زمانه بالشطرنج مات مستتراً بالبصرة في سنة 335هـ على أصح الروايات، لأنه روى خبراً في علي بن أبي طالب فطلبته الخاصة والعامة لتقتله. وله كتب كثيرة في الأخبار وتراجم الرجال، ولا سيما الخلفاء والأمراء والشعراء. والغالب عليه (أخبار الناس، وله رواية واسعة، ومحفوظات كثيرة. وكان حسن الاعتقاد جميل الطريقة. مقبول القول) وتآليفه: كتاب الأوراق هذا الذي قال فيه المسعودي (إن الصولي في كتاب الأوراق ذكر غرائب لم تقع إلى غيره، وأشياء تفرد بها، لأنه شاهدها بنفسه. وكان محظوظاً من العلم، مجدوداً من المعرفة مرزوقاً من التصنيف، وحسن التأليف) والأوراق هو الذي أحياه بالطبع جزئين لطيفين أحد المستعربين من الإنجليز السير هودث دن. وكان طبع له كتاب (أدب الكتاب) أحد أدباء بغداد الشيخ محمد بهجة الأثري.

بدئ الجزء الأول من الأوراق أو القسم الذي عثر عليه الناشر بترجمة أبان اللاحقي وأخباره مع الرشيد ومع جماعة من الشعراء وأجزاء من نظمه كتاب كليلة ودمنة وبدأ بقوله:

هذا كتاب كذب ومحنة ... وهو الذي يدعى كليلة ودمنة

فيه دلالات وفيه رشد ... وهو كتاب وضعته الهند

فوصفوا آداب كل عالم ... حكاية عن ألسن البهائم

فالحكماء يعرفون فضله ... والسخفاء يشتهون هزله. . .

وفيه ترجمة ثلاثة شعراء وأدباء ظهروا من بيت اللاحقي، وترجمة أشجع السلمي ومختار شعره في المديح وغزله ومراثيه، وأشعار أشجع نحو ربع هذا الجزء. وترجم الصولي لأحمد أخي أشجع كما ذكر أخبار أحمد بن يوسف الكاتب وأسرته ولا سيما أخوه القاسم، لأن الأخوين اقتسما نثر الكلام ونظمه فتقدم أحمد بن يوسف في النثر وأخوه القاسم في النظم. وبنو أحمد بن يوسف من أصل قبطي مصري، أسر جدهم فنشأوا في العراق وما زالوا يعلون وتنبه أقدارهم حتى وزر أحمد يوسف للمأمون. وللقاسم في الشيب والزهد من قصيدة:

ودع شبابك قد علاك مشيب ... وكذاك كل معمر سيشيب

جازت سنوك الأربعين فأزعجت ... منك الشباب تجارب وخطوب

ودعاك داع للرشاد أجبته ... وبما يراك الغيّ ليس يجيب

فأبك الشباب وما خلا من عهده ... أيام أنت إلى الحسان طروب

يسبين لبك بالدلال وتستبي ... ألبابهن فسالب وسليب

طوراً يسامحن الهوى ويطعنه ... ويصبن قلبك بالجوى وتصيب

خلطن معصية بحسن إجابة ... فلهن عندك أنعم وذنوب. . .

ولهذا الشاعر قصائد جميلة قالها في أغراض شتى مثل قصيدة يشكو فيها البق والبراغيث والبرغش، وأخرى في رثاء هرة، وثالثة في الشكوى من النمل والفأر، ورابعة في رثاء الشاه مرخ (الشاهمرد)، وخامسة في رثاء القمري إلى غير ذلك (راجع ما كتبناه في درس هذا الجزء السادس في المجلد من مجلة المجمع العلمي العربي).

وفي الجزء الثاني من الكتاب أخبار الراضي والمتقي وتأريخ الدولة العباسية من سنة 322 إلى سنة 333 وفيه تجلت نفسية الصولي، وكان في الجزء الأول ينقل أخبار غيره فيجيد النقل ويحسن الاختيار؛ أما في هذا الجزء فتكلم فيه عن نفسه، وذكر أحاديثه مع الراضي وقصائد فيه، ومبالغة في محامده وعطاياه له، فظهر الإسفاف عليه بالحافة في الاستجداء من الخليفة وشكوى الزمان من الحرمان، وقول فلان منحني وفلان حرمني، مما لا يتناسب مع جلالة قدر من يدعي أن أهله كانوا من نسل ملوك جرجان، وهو يعاشر الخلفاء والأمراء، وهذا القسم مهم في تأريخ الخليفتين الراضي والمتقي، يتجلى فيه انحطاط الملك العباسي، وما كان يحاك حول الخلفاء من دسائس، وكيف تنزع السلطة من الخوالف شيئاً فشيئاً.

والغالب أن بعض المؤرخين اعتمدوا على نصوص الصولي في أكثر المسائل التي ذكرها واقتبسوا عباراته بحروفها، وشعر الصولي الذي شغل به صفحات طويلة من هذا الجزء معجون بالمصانعة، وعلى جانب من التكلف حاول أن يأتي بقصائد ذات قواف مستغربة، فأبهم وعمي، وحاد عن قانون السلاسة. ومما ذكره من شعر تلميذه الخليفة الراضي يفتخر:

لو أن ذا حسب نال السماء به ... نلت السماء بلا كد ولا تعب

منا النبي رسول الله ليس له ... شبه يقاس به في العجم والعرب

فأن صدقتم فأعلى الخلق نحن وإن ... ملتم عن الصدق أعنقتم إلى الكذب

وله من قصيدة:

إني أمروءٌ تصفو موارد رأفتي ... وتحْرُب سطواتي العدو المحرّبا

إذا عدت الأبيات أبصرت بيتنا ... كأن الثريا بالبنيّ مطنباً

رويدك إن النار تظهر تارة ... ويكمن في الأحجار منها تغيبا

وذكر له صفحات من شعره في الفخر والغزل والتشبيب وما أخلى الصولي الخليفة المتقي من تهكم وتعريض، ولعله قال ما رأى في هذا، وأغمض عن أمور رآها في سلفه الراضي، لأنه لم يكن له القبول الذي يحاوله في أيام المتقي، (ذكره ص249) صورة أمر عن المتقي لما غادر بغداد إلى بعض أرجاء العراق وهو خائف من الناس قال: وكتب الخليفة إلى صاحب الشرقية أحمد أبن جعفر الزطي بكتاب يأمره أن ينادي بما فيه فنادى (أمر أمير المؤمنين أطال الله بقاءه بالنداء ببراءة الذمة ممن فتح من العمال والمتصرفين شيئاً من الدواوين، أو نظر في الأعمال، أو طالب بخراج، أو تصرف في عمل من الأعمال السلطانية بعد شخوص أمير المؤمنين، فقد أحل بنفسه العقوبة الموجعة وهجم (داره) وإباحة ماله، فقد أحب أمير المؤمنين ترفيه رعيته والاحتياط لهم، وترك إعناتهم، فليحذر المخالفون لذلك، وليلحق بأمير المؤمنين سائر عماله وأوليائه، ولا يتأخرون عن معسكره، وليلغ سامع هذا النداء الغائب عنه) أي أن الخليفة عطل كل شيء في بغداد لئلا يشغب العامة مدة غيابه عنها. وذكر المؤلف قصة تأديب الراضي وأخيه هارون وكيف أرسلت القهرمانة ريدان إلى المؤدب تقول (ص26) (إن هذه المحاسن من هذا الرجل عند السيدة ومن يخدمها مساوئ، فقل له عني يا هذا ما نريد أن يكون أولادنا أدباء ولا علماء، وهذا أبوهم (المقتدر) قد رأينا كل ما نحب فيه، وليس بعالم فأعمل على ذلك) قال المؤدب فأتيت نصراً الحاجب فأخبرته بذلك فبكى وقال: كيف نفلح مع قوم هذه نياتهم. قلنا ولما اكتفى العباسيون بالجهل لأولادهم تداعت دولتهم شأن كل دولة جاهلة في القديم. وعهد المقتدر وتسلط النساء في القصر العباسي من أغرب أيام بني العباس. ومن هذه الأمور صُورَ صالحة في كتاب الأوراق وصفحات ينبغي لها أن تقرأ بتدبير.

محمد كرد علي