مجلة الرسالة/العدد 127/معركة عدوى
6 - معركة عدوى للأستاذ الفريق طه باشا الهاشمي رئيس أركان حرب الجيش العراقي كانت القوة مؤلفة من أربعة أفواج وسرية خيالة وبطرية جبلية. وكان لدى كل سرية مشاة يبلغ عددها (200) جندي، أربعة طليان وهم رئيس وملازمان وضابط صف. أما الملازمان الآخران فمن الأهلين. ونظراً إلى التنسيق الجديد بلغت القوة في المستعمرة ما يلي: 171 ضابطاً طليلنياً 1400 جندي طلياني 37 ضابطاً أهلياً 4400 جندي أهلي - 6 , 008 المجموع وفي سنة 1895 أحدث الحاكم العام الجنرال (باراتيري) احتياطاً من الجنود المسرحين يتألف من ثماني سرايا تبلغ قوتها 1700 جندي. وأطلق الطليان على الجندي الأهلي اسم (عسكري). ولما توترت العلاقات أنجد الطليان جيش المستعمرة بقوات أخرى جلبوها من إيطاليا. وفي الشهر الأخير من سنة 1895 بلغت النجدة أربعة أفواج قوة كل منها 60 جندياً. ثم جعلوا القوة الأهلية ثمانية أفواج بعد أن كانت أربعة أفواج. وزادوا قوة السرية فيها من 200 إلى 300 جندي، وهكذا بلغت قوة الجيش 14 , 000، منها 2 , 800 جندي طلياني. وبإضافة قوة الاحتياط إلى ذلك أصبحت قوة الجيش 18 , 000 جندي، وفي معركة عدوى كانت قوة الجيش كما يلي: لواء الجنرال (البرتونة) وكان مؤلفاً من أربعة أفواج أهلية وبطريتين طليانيتين وبطرية أهلية. لواء الجنرال (دابورميدا) وكان مؤلفا من ستة أفواج طليانية وفوج أهلي وأربع بطريات طليانية. لواء الجنرال (اريموندي) وكان مؤلفاً من خمسة أفواج طليانية وسريتين أهليتين وبطريتين طليانيتين. لواء الجنرال (اللانا) وكان مؤلفاً من ستة أفواج طليانية وفوج أهلي وبطريتين طليانيتين سريعتي الرمي وسرية هندسة. فالجيش كان مؤلفاً من ثلاثة وعشرين فوجاً، وسريتي مشاة، واثنتي عشرة بطرية، وسريتي هندسة؛ وكان مجموع القوة: 510 ضباط، و 12 , 411 جندياً إيطالياً، و 7 , 330 جندياً أهلياً و 64 مدفعياً، ومجموع رجاله 20 , 251 رجلاً، وهكذا يصيب كل ألف جندي 311 مدفعاً، وكانت هذه النسبة جيدة في ذلك الزمن. أسلوب التعبئة الطليانية كانت كتب التعليم الطليانية شائعة في جيش المستعمرة، إلا أن بعض أحكامها عدل نظراً إلى حالة العدو. وكان بعض هذا التعديل، الحركة في ميدان المعركة بالنظام المنظم، والانتشار بصف واحد، على أن يكون الجنود متجانبين دون فرجات. وظهر من حركات البريطانيين على المهدي أن هذا الأسلوب لا يفي بالمرام تجاه صولة الأحباش الذين يظهرون شجاعة فائقة في حملاتهم، فاستفادت القيادة الطليانية من حركات البريطانيين وقررت أن تترك قدمات احتياط في الخلف لتنجد الخط الأول عند الحاجة أو لتكون متأهبة للطوارئ. إلا أن الضباط لم يتعودوا هذا الأسلوب تماماً لما وقعت معركة عدوى، ولا سيما أنهم كانوا قد تدربوا على أساس التعبئة الأوربية قبل مجيئهم إلى المستعمرة. ليس من السهل دخول القتال في مستعمرة بعيدة عن الوطن ما لم تنظم أمور السوقيات؛ والظاهر من تدابير الطليان أنهم لم يضعوا خطة ناجحة لشؤون النقلية ولم يمهروا فيها، فاتخذوا الميناء (مصوع) قاعدة للحركات وأرسلوا إليها القطعات والتجهيزات على التعاقب دون ترتيب. فكانت التجهيزات ومواد الإعاشة تكدس هنا وهناك بصورة يصعب نقلها من الميناء إلى الداخل. والأغرب من كل ذلك أن الحكومة الطليانية كانت ترغب في إدارة رحى الحرب دون إنفاق المال. ولما طلب الجنرال باراتيري المال أجابه رئيس الحكومة (كريسبي) بأن نابليون الأول كان يحارب حروبه بمال العدو؛ قال هذا ناسياً أن الساحة التي يتحرك الجيش فيها هي أرض قفراء لا ماء ولا أقوات كافية فيها. الشروع في القتال توترت العلاقات في مايو 1894. وفي آخر شهر من هذه السنة ظهرت علائم التمرد في جنوبي أسمرة. وكان المحرض على ذلك رأس تيجري (منيغسيا)، ولما سمع الطليان أنه يجمع الجنود طلبوا منه تسريحهم فلم يجب طلبهم. وعلى أثر ذلك تقدمت القوة السفرية المكلفة بستر أسمرة ومصوع بقيادة الجنرال (باراتيري) إلى شمال نهر مارب وعسكرت هناك. وفي 13 يناير 1895 عبر (منيغسيا) نهر بلزة فتقدم الجنرال نحوه ونشبت المعركة في كواتيت. ورتب باراتيري ثلثي قوته مع البطرية الجبلية في الخط الأول، وترك باقي القوة في الخط الثاني لحماية جانبه الأيسر. وكان الأحباش يسعون للالتفاف حول هذا الجانب إلا أن إرسال الوحدات الأهلية للنجدة، وثبات الطليان في الجبهة، واشتراك جميع القوات في القتال على التدريج مما ساعد باراتيري على الاحتفاظ بموقفه، وتوقف القتال بعد الظهر واستمرت المناوشات الخفيفة إلى المساء وانسحب الأحباش ليلاً. وشرعت القوات الطليانية في المطاردة في 15 يناير 1895 وتقدمت طول النهار ولحقت بالأحباش في سنافة. وبعد إطلاق بضع طلقات انسحب الأحباش، وتقدم الطليان على طريق الهضبة دون أن يضطروا إلى عبور الأنهار، ودخلوا ادجرات في 25 أبريل 1895. وفي شهر مايو بدأ موسم الأمطار الغزيرة فتوقفت الحركات. أما الأحباش فأخذوا يجمعون قواتهم لمقاتلة الطليان، وكانوا يأملون أن يتم الحشد في الخريف، فشرع الأحباش في الهجوم على الطليان لإخراجهم من البلاد. أما الطليان فأنجزوا تحكيم موقع ادجرات في شهر يونيو. والموقع كما نعلم يرتفع عن سطح البحر 2545 متراً وهو صالح لإقامة الأوربيين من حيث الهواء. وهو أيضاً موقع خطير في حد ذاته. ففيه تلتقي الطرق الممتدة إلى مقاطعة شوعا ومقاطعة أمحرة، فضلاً عن كونه واقعاً في نقطة ملتقى الجبال، ومنه تتشعب سلسلة عدوى التي تفصل حوض (تكاه) وتوابعه عن حوض (مارب) وتوابعه. وقرية عدوى عاصمة المقاطعة، وعلى مسافة خمسة وعشرين كيلومتراً منها تقع أكسوم العاصمة الدينية، حيث يتوج عواهل الحبشة. واحتل الطليان عدوى أيضاً في شهر أبريل، وبذلك استولوا على خط (ادجرات - عدوى) فسيطروا على المسالك المؤدية إليه، وجعلوا حوضي النهرين تحت نفوذهم. واستمروا على التقدم من ادجرات سالكين المرتفعات التي تفصل بين أحواض الماء، ودخلوا قصبة (مكلة) أيضاً وحكموها. وعلى هذا الأسلوب تحركوا بحذر وشيدوا القلاع على طول الخط بمراحل 3 إلى 5 أيام. وكان من الضروري الاهتمام بالمواصلات التي تربط هذه القلاع بالساحل. ولا شك في أن توسيع دائرة احتلالهم على هذه الصورة جعلهم ضعفاء في كل محل، لأن القوة لم تكن تكفي لحراسة خطوط المواصلات، والدفاع عن هذه القلاع وتهيئة قوة سيارة تتحرك عند الحاجة لضرب الأحباش، لأن القوة لم تزد حينئذ على 18 , 000 رجل. أما الخط الذي انتشرت عليه القوة فيبدأ من (كسلا) ويمر بخط (كون - اسمرة - ادجرات) وينتهي في (مكلة). وكانت الأخبار تؤيد تأهب الأحباش للمعركة الفاصلة. ولم يكتف الطليان بنشر قواتهم على ذلك الخط الطويل بل أوفدوا قوة ستر مؤلفة من فوج أهلي وفصيلة مدفعية إلى جنوبي (مكلة) في مرحلتين إلى (امبا - الاغى). وفي نهاية السنة هاجم الأحباش هذا الموقع فدافعت القوة دفاعاً مستميتاً، ولم يتلق آمرها أمر الانسحاب إلا متأخراً بعد أن قضى الأحباش على قوته وغنموا مدفعيته، بينما كان الموقف يتطلب أن يبلغ هذا الآمر واجبه الأصلي وهو الدفاع الرجعي دون دخول قتال فاصل. وكانت القوة الحبشية مؤلفة من 30 , 000 رجل يقودها الرأس (ماكونين) والد الرأس (تفري). وكان الجنرال (اريموندي) بكوكبه (بقسمه الأكبر) في مكلة، ولما تيقن أن الأحباش سوف يهاجمونه وأنه لا يستطيع الدفاع أمامهم قرر الانسحاب، فانسحب بسرعة إلى (اداجاموس) ثم إلى (ادجرات) وترك في مكلة فوجاً أهلياً مع مدفع جبلي فقط. أما النجاشي منليك فكان مهتماً بجمع الجيش ليملي إرادته على الطليان ويهيئ سبيل الخلاص لبلاده. وبعد أن جمع المال المطلوب من مقاطعة الغالا، وأنجد جيشه بخياله الغالا، وصل إلى أديس أبابا وأعلن إلى الجميع أن الحبشة لا تحتاج إلى أحد بل تمد يدها إلى الله، فتولى قيادة جبشه بنفسه وجمع جميع الرؤوس في (بروميدا) وصرح لهم ولجميع المشايخ والأشراف برغبته في طرد الطليان من البلاد وإنقاذها من مخالب الاستعمار. فوافقه الرؤوس على ذلك بالإجماع، وكان المشهد مما يثير الحماسة في الصدور، وكانت قوة الجيش الحبشي مع قوة جيش (ماكونين) تبلغ 160 , 000 رجل. فحاصر ماكونين قلعة مكلة وأخذ يدكها بنار مدافعه، وقطع عليها طرق الماء. فاضطرها إلى التسليم في 25 ديسمبر 1896 ووافق النجاشي على عودة الأسرى الطليان إلى بلادهم لينشروا الرعب في قلوب الطليان الآخرين. ولما انتشرت أخبار انتصار الأحباش في المستعمرة ساد القلق والرعب في قلوب الناس، وفكر الطليان في الدفاع عن ميناء مصوع أيضاً. وقررت القيادة حشد جميع القوات في ادجرات لصد تقدم الأحباش ما عدا الحاميتين اللتين في كرن وكسلا، وكانت قوة الحامية منها مؤلفة من فوج وسرية خيالة وفصيل مدفعية. (يتبع) طه الهاشمي