مجلة الرسالة/العدد 121/معركة عدوى

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 121/معركة عدوى

ملاحظات: بتاريخ: 28 - 10 - 1935



للأستاذ الفريق طه باشا الهاشمي رئيس أركان حرب الجيش العراقي

أخذت الجرائد والمجلات في الآونة الأخيرة تبحث في معركة عدوى التي انتصر فيها الأحباش على الطليان وكثيراً ما يذكرها الطاغية موسوليني، ويحث الشبان الفاشيست على محو وصمة العار التي لحقت بالجيش الطلياني، ويعلن للملأ انه عازم على الانتقام من الأحباش.

وقعت هذه المعركة في 1 مارس 1896 في أطراف عدوى بين الجيش الطلياني البالغ عدده زهاء عشرين الفاً، والجيش الحبشي البالغ مقداره زهاء ثمانين ألفاً، وبرغم حيازة الجيشالطلياني على الأسلحة الجيدة، وتنظيمه على احدث الأساليب، انتصر الأحباش عليه انتصاراً مبيناً، وأوقعوا به خسارة فادحة بلغت 248 ضابطاً، و15400 جندي، بين قتيل وجريح وأسير، ونالوا بذلك صك استقلالهم الذي امتنعت إيطاليا عن الاعتراف به.

لم يكن الجيش الحبشي جيشاً منظماً على الوجه المطلوب، بل كان مؤلفاً من أناس مسلحين بأسلحة متنوعة كالبندقية والحربة والسيف والترس والقوس وغير ذلك، وكان يقودهم رؤساؤهم على الطريقة البدوية وكانت مدافعه قديمة يبلغ عددها الأربعين؛ وكان لدى الجيش الطلياني أربعة وستون مدفعاً حديثاً

وقبل البحث في هذه المعركة رأينا من المفيد أن نذكر باختصار جغرافية الحبشة وتاريخها وعلاقاتها بالدول المستعمرة

جغرافية الحبشة

تقع الحبشة في الشمال الشرقي من أفريقية ويحيط بها من الشرق مستعمرة إريترية الطليانية، والمستعمرات الصومالية الفرنسية، والبريطانية والطليانية؛ ومن الشمال مستعمرة إريترية والسودان المصري؛ ومن الغرب والجنوب المستعمرات البريطانية في وسط أفريقية.

ولا منفذ للحبشة إلى البحر الأحمر، وقد سدت دول الاستعمار طريق البحر في وجهها، فجعلتها خاضعة لها في تجارتها واقتصادياتها. وتبلغ مساحتها السطحية زهاء 1. 120. 400 كيلو متراً مربعاً؛ وتقدر نفوسها باثني عشر مليوناً؛ وهذه النفوس لا تنتمي إلى قومي واحدة، ولا تدين بدين واحد؛ وفيما يلي الشعوب التي يتألف منها سكان الحبشة:

الأمحرة، الغالا، السيدامو، الصومال، الدناكل، الزنوج ودين الدولة الرسمي المسيحية، والمذهب يعقوبي. وفيما يلي عدد النفوس بالنظر إلى الأديان:

العدد

4. 500. 000 مسيحيون (يعاقبة)

3. 000. 000 مسلمون

3. 500. 000 وثنيون

50. 000 يهود

40. 000 كاثوليك

5. 000 الاتحاد اللاتيني

واللغة الرسمية هي اللغة الامحرية وهي شعبة من اللغات السامية والعاصمة أديس أبابا ونفوسها زهاء 100. 000 نسمة وهي متصلة بالميناء جيبوتي عاصمة المستعمرة الفرنسية بالسكة الحديدية.

وصف البلاد - السهول والجبال

تتألف بلاد الحبشة من جبال وسهول. والأراضي السهلة واقعة بالقرب من الساحل. أما الأراضي الجبلية فهي في داخل البلاد. وإذا ما أنعمنا النظر في خريطة الحبشة رأينا إن سلاسل الجبال الواقعة إلى الشرق وإلى الجنوب قد كونت مثلثاً متساوي الأضلاع: الضلع الشرقي منه ضفاف البحر الأحمر وخليج عدن، والضلع الجنوبي يمتد من رأس عسير المقابل لجزيرة سومطرة إلى الشرق، والضلع الغربي يمتد من الشمال إلى الجنوب.

والأرض الواقعة في هذا المثلث هي الأرض السهلة المتموجة من بلاد الحبشة والمتاخمة لمستعمرة إريترية الطليانية والصومال الفرنسي والبريطاني. والقسم الشمالي منها صحراء دناكل القاحلة، وإلى جنوبي الضلع الجنوبي من ذلك المثلث تقع أرض سهلة متموجة أخرى تتألف منها بلاد الغالا وفيها قصبة ولوال التي نشأ الخلاف عليها بين إيطاليا والحبشة.

وليست الأرض المتموجة خالية من الجبال، فالجبال منتشرة فيها هنا وهناك، إلا إنها أقل وعورة من المناطق الجبلية الواقعة إلى غربي الضلع الغربي من المثلث المذكور. ومع ذلك تقع سفوح الجبال الشرقية إلى شرقي هذا الضلع وهي شديدة الانحدار كثيرة المناعة والوعورة.

والجبال في الحبشة تحيط البلاد الداخلية بسور منيع طالما وقف في وجه المستعمرين وساعد الأحباش على الاحتفاظ باستقلالهم.

ويشبه الوضع الجبلي في داخل بلاد الحبشة خطوطاً مستحكمة، فخط منها في الشرق يمتد من الشمال إلى الجنوب على موازاة الساحل ويسيطر على السهول ويسد طرق الاستيلاء الممتدة من الساحل. وهذا الخط هو السلسلة التي تؤلف ضلع المثلث الغربي.

وهناك خط آخر ممتد من رأس عسير في الصومال البريطانية على موازاة ساحل خليج عدن الجنوبي إلى أن يصل إلى قصبة (هرر) ثم ينعطف نحو الجهة الجنوبية الشرقية ثم إلى الجنوب موازياً للبحيرات الواقعة في جنوبي الحبشة، وهو السلسلة التي تؤلف الضلع الجنوبي للمثلث. وهذا الخط يعلو ارتفاعاً ويشتد مناعة كلما تقدمنا من الشرق إلى الغرب، وكأنه الخط المستحكم الأول الذي يسد طرق الهجوم في وجه القوات الزاحفة من الصومال الطليانية للتوغل في صحراء الغالا.

وغير هذين الخطين توجد خطوط أخرى تمر بذري الجبال الشامخة منفصلة عن الخط الشرقي وممتدة من الشرق إلى الغرب على موازاة حدود إريترية الطليانية الشمالية كأنها خطوط مستحكمة متوازية لصد القوات المتقدمة من الشمال على التعاقب.

ومع وقوع الأرض السهلة والأرض المتموجة والحافات الشرقية الوعرة في شرقي الخط الأول الممتد من الشمال إلى الجنوب والمسيطر على صحراء الدناكل تشتد الأرض وعودة وتزداد مناعة في هذا الخط ذاته وفي غربيه - أي في الهضبة الحبشية التي تقطعها عدة سلاسل جبلية ممتدة من الشرق إلى الغرب على ما سبق ذكره؛ وفي أطراف بحيرة تانا نلتف الجبال بعضها ببعض فتكون المعقل المركزي للحبشة بشكل منحرف، ضلعاه القصيران في اتجاهي الشرق والغرب، وضلعاه الطويلان في اتجاهي الشمال والجنوب؛ وتقع العاصمة (أديس أبابا) في طرف الضلع الشرقي.

أما منطقة البحيرات الواقعة في جنوبي الحبشة فمحاطة من الشرق والغرب بسلسلتين جبليتين؛ وهما طرفا الخط الأول والخط الثاني الممتدين من الشرق والغرب، وفي وسط هاتين السلسلتين تعلو البحيرات فتؤلف هضبة مرتفعة.

مما تقدم نعلم أن داخل بلاد الحبشة قلعة منيعة ذات عدة خطوط مستحكمة تسيطر على السهول في الشرق والجنوب، وهي مؤلفة من عدة معاقل كونها الهضاب الشامخة بجبالها وغاباتها وبحيرة (تانا).

تمد وادي النيل بالمياه في موسم الصيف بواسطة رافده النيل الأزرق، وهي ذات خطورة خاصة لمصر والسودان، ولولاها لما فاض النيل في كل سنة فسقي الحقول الواسعة والمزارع الخصبة التي ضرب بها المثل في فجر التاريخ؛ وسبب ذلك أن الثلوج المتراكمة في ذرى الجبال تذوب فتختلط بالأمطار الغزيرة التي تنزل صيفاً فتجري في الوديان المتشبعة من الجبال وتنصب جميعاً في النيل الأزرق فيطفح بالمياه وبالطين، وينقل البركة والخير إلى بلاد السودان ومصر.

ولنذكر بعد ذلك المرتفعات التي في أرض الحبشة:

الأرض المتاخمة للساحل في المستعمرات الطليانية والفرنسية والبريطانية منخفضة وسهلة، وكلما تقدمنا من الشرق إلى الغرب أخذت الأرض في الارتفاع. وفي إريترية (على مسافة تتراوح بين 50 و80 كيلو متراً من الساحل تتصل هذه الأرض بالقسم الشمالي من الخط الأول فتصبح شامخة وعرة، مكسوة بالغابات والإحراج.

وفي صحراء دناكل بالقرب من (عصب) تكون أرضاً متموجة قليلة المياه، وذات شعاب ووديان؛ وعلى مسافة (200 إلى 300) كيلو متر من الساحل تصل إلى حدها الأعلى في الخط الأول حيث المضايق الوعرة؛ ويتفاوت ارتفاع الذرى في هذا الخط من (2400 إلى 4300) متر، ويبلغ الارتفاع في ذروة (أبونا يوسف) (4200) متر، وفي ذروة (كللو) يبلغ 4300 متر، وتقع قلعة (مجدلة) على هذه الخط.

وفي الجنوب يبدأ السهل من ساحل البحر المحيط الهندي ويأخذ في الارتفاع إلى الغرب، وعلى مسافة 200 إلى 300 كيلو متر من الساحل يبلغ من الارتفاع والوعورة مبلغاً يكون هضاب (اوجادن) و (بوران).

وتتفاوت الارتفاعات في هذا القسم من (300 إلى 1000) متر وبالقرب من خليج عدن يبلغ الارتفاع في السلسلة التي تؤلف الخط الأول 2000 متر في جنوبي (بربرة).

وفي صحراء (الغالا) نجد الأرض متموجة والروابي قليلة الميل، وهي ترتفع إلى جبال هرر بسهولة وتلتقي بالخط الثاني، وتتفاوت المرتفعات في مركز هذا الخط من (1000) إلى (1500) متر، وفيها هضاب شامخة بانحدارات شديدة كأنها جدران يتفاوت ارتفاعها من (2000 إلى 3500) متر وصخورها بركانية.

أما الجبال الداخلية التي تؤلف معاقل الحبشة فالهضاب فيها ترتفع (2000) متر كأنها قلعة أحاطت بها الجبال من الشمال والشرق والجنوب، ومع ذلك لا يمكن تسلقها من جهة الغرب حيث يجري النيل الأزرق إلا بصعوبة.

وفي منطقة (غوجام) يبلغ الارتفاع في راس (دانجان) (4620) متراً وهو أعلى ذروة في بلاد الحبشة

(يتبع)

طه الهاشمي