مجلة الرسالة/العدد 114/كيف ارتاد الشيخ رشيد مصر

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 114/كيف ارتاد الشيخ رشيد مصر

ملاحظات: بتاريخ: 09 - 09 - 1935



رسالة تاريخية قيمة

من المرحوم السيد رشيد رضا إلى صديقه الأستاذ المغربي

. . . كان السيد رشيد رحمه الله أشار في مصنفاته الأخيرة إلى مبلغ الود الذي توثقت بيننا في عهد طلبنا العلم في طرابلس الشام، وقد استمرت هذه المودة زهاء عشرين سنة، حتى سافر إلى مصر، واتصل الأستاذ الإمام، وأنشأ المنار. وكانت هذه الرحلة إلى مصر نتيجة الدراسة العلمية الحرة المشتركة بيننا خلال تلك المدة. ولا أدل على ذلك من هذه الرسالة المرسلة إليكم. وكان السيد رشيد كتبها بعد أن وصل مصر سنة 1898م والرسالة المذكورة تدخل في نحو 200 رسالة مثلها أرسلها إلى السيد رشيد خلال تسع سنوات (من 1898 - 1906) حتى جئت مصر وحررت في المؤيد

والرسائل المذكورة محفوظة لدي لا يعوزها إلا حذف بعض (الخصوصيات) فتتمثل كتاباً يحتوي على مذكرات في مواضيع مختلفة هامة، لما فيها من وصف الحالة الاجتماعية والأدبية في مصر خلال تسع سنوات

(المغربي)

الرسالة

أخي وسيدي:

سلام وتحية - وأشواق قلبية

لقد امتلأت المخيلة ولا سعة في الوقت لشرح ما ينبغي شرحه بل ولا لكتابته موجزاً بعبارة بسيطة. ولكن لابد من الأيماء إلى بعض بما يحتمله الوقت من البيان

(1) في بيروت: رغب إلي الوطني الفاضل عبد القادر أفندي القباني أن أحرر جريدة الثمرات، وأعلم في المدرسة التي أنشأها مع الشيخ أحمد عباس فإنها تحتاج لمثلي ولم يجداه

(2) حدثني المومأ إليه عن السيد محمد بيرم حديثاً طويلا يتضمن حالته في بيروت والآستانة ورجوعه إلى تونس ثم إقامته في مصر: أهمه أنه في بيروت جرى له مع قاضيها يومئذ مذاكرة علمية طويلة ما كان أحد غيرهما يفهم ما يقولان. وبعد الانصراف سأل عبد القادر أفندي السيد بيرم عن القاضي فقال إنه أعلم من رأى، ثم سأل القاضي عنه فقال انه زنديق فلم يسلم له باطناً. وأن جريدته (الإعلام) ذكرتهم بكلام القاضي بعد زمان، لأنها كانت خادمة للإنكليز، وأنه رأى عدداً يتكلم فيه على الكمال ويقول فيه إن الكمال موجود عند الإنكليز، فيجب أن نأخذه عنهم بعد ما قدم مقدمه أنه يجب أخذ الكمال حيثما كان

(3) حدثني أيضاً عن ترجمة فانديك، وأن أطباء الإفرنج لا يعترفون له بأنه طبيب ماهر ولا علماءهم بأنه عالم وإنما كان مترجماً. وحزبه - ومنهم جماعة المقتطف - الذين تحزبوا له يوم أخرجته الجمعية الأمريكانية من المدرسة بناء على أنه ليس لديه من العلم ما يؤهله لها - يسمونه فيلسوفاً

(4) اجتماعاتي مع الأمير شكيب وحديثه لي عن شؤونه في الآستانة لاسيما مع إبراهيم بك المويلحي وترددهما بين السيد جمال الدين (الأفغاني) وبين أبي الهدى أفندي وقضيت العجب مما ذكر لي من خبث المويلحي

(5) اجتماعاتي مع وجوه الجبل (لبنان) متصرفه فمن دونه أمور شخصية ليس فيها فائدة تاريخية أو علمية إلا مسألة توليه نسيب بك جنبلاط قائم مقامية صيدا بإرادة سنية وذهابه بأمر الوالي إليها وما كان من الاحتفال الغريب من أهلها به وإرسال الوالي تلغرافا صبيحة ليلة وصوله بطلبه لبيروت وإقامة وكيل لصيدا مكانه بحيث لم ينم في صيدا إلا ليلة واحدة

(6) بور سعيد والإسكندرية ومرفأ كل منهما ومبانيهما وشوارعهما لا سعة للكلام في ذلك

(7) مدرسة جمعية العروة الوثقى بالإسكندرية وتعليمها ورئيسها عبد القادر أفندي سري

(8) اجتمعنا بالسيد عبد الفتاح النديم بداره في الإسكندرية وأهداني نسخة من الجزء الأول من سلافة النديم وأخبرني أن كتب أخيه (عبد الله نديم) لم تول في الآستانة وهي عند الشيخ ظافر، ولم يعطوها له بناء على صدور الأمر بفحصها، وأن كتاب المسامير الذي ألفه بالطعن في أبي الهدى أفندي توجد نسخة منه عند أخ لجورجي كان يتردد بين السيدين الأفغاني والنديم في الآستانة وأخو جورجي الآن في مصر لكنه يطلب في مقابلة الكتاب مئات من الجنيهات (9) مولد السيد البدوي الرجبي في طنطا وما يقام في ذلك المسجد العظيم في أيامه من الأذكار والنوبات واجتماع الألوف من النساء والرجال وطوافهم بقفص قبر السيد كما يطاف بالكعبة، وتقبيلهم وتمسحهم به، بل وتقبيل عتبة باب مقصورته

(10) بحيرة الإسكندرية، الملاحة. أراضي مصر وفيها سباخ كثير، أشجارها، النيل، عظمتها لاسيما في كفر الزيات والمنصورة ودمياط، الطرق الحديدية والترام الكهربائي - أمور عمومية

(11) ذهبت إلى دمياط عن طريق المنصورة ومعنا أبو النهي والشيخ أبو النصر (القاوقجيان) فنمنا بالمنصورة عند صديقنا الشيخ عبد الرزاق أفندي الرافعي القاضي ولم يكن ثمة، لكن تلقانا ولده محمد أفندي بالترحاب وهو لطيف جداً، وسهر عندنا المفتي والنائب وبعض أهل العلم، ولما سمعوا حديث أخيكم أعجبوا به، ودعانا المفتي للغداء في اليوم التالي فسافرنا إلى دمياط ولم نجب دعوته

(12) الجمعية الأدبية للخطابة في المنصورة وكلام المقطم فيها

(13) اجتماعنا بالعلماء في دمياط وكثرة سؤالهم لي عن المسائل الدينية والصوفية والفلسفية، وبفضل الله لم أتوقف في جواب. وقد تمنى الكثير منهم أن أبقى عندهم وبعضهم أن يكون معي

(14) فريد بك (وجدي) ابن وكيل محافظ دمياط بحالة الإسلام والوقت وجهته مثلنا دينية، يطالع الأحياء، وله اعتناء بالفلسفة، ألف كتاباً صغيراً سماه الفلسفة الحقة أهداني نسخة منه، وهو الآن يستعد لتأليف كتاب بالفرنسيةفي الديانة الإسلامية ويعرضه في معرض باريز الآتي، وهو منفرد بهذه الأفكار في دمياط، لأن دمياط بلدة إسلامية لا مداخلة للنصارى والإفرنج فيها، ومن ثم هي ضعيفة في العمران، قوية في التمسك بالدين، لا نظير لها في مدن مصر. زرت فريد بك وزارني، وقد أعجب بي كل الإعجاب، وتمنى أن أكون معه دائما، ونشط على إنشاء الجريدة (المنار) وسيكتب فيها

(15) فاتني أن أذكر لكم عند ذكر الإسكندرية أنني اجتمعت هناك برجل يدعى السيد حسن أنين وهو رجل باقعة أصله بيروتي ودخل النصرانية وتعلم اللاهوتي البرتستانتي ثم رجع للإسلام، وهو متقن الإنكليزية ومتزوج بإفرنجية، وقد ساح في البلاد كثيراً وأكثر إقامته في عدن يتعاطى الأعمال التجارية، وله مداخلة مع جميع طبقات الناس، ويعاشر كلاً على مشربه خيراً أو شراً، يجتمع باللورد كرومر وبمختار باشا (الغازي) وبسائر الوزراء والكبراء وكتاب الجرائد، وله صحبة مع أصحاب المقطم أثنوا عليه يوم جاء مصر، وفي هذه المدة الأخيرة أقامه الشيخ الميرغني الشهير خليفة على تلاميذه في شرقي أفريقيا إلى رأس الرجاء، ولا نعلم ما يكون من أمره، وقد وعدنا بالمساعدة في أمر الجريدة (المنار)

(16) مصر وما أدراك ما مصر!! وصلنا إليها قبيل العصر يوم السبت الماضي، وأتينا تواً للأزهر؛ فتلقانا الشيخ إسماعيل (الحافظ) وغيره، وشربنا الشاي في غرفة الشيخ بدر الغزي - يظهر أنه بابي على مذهب شيخه - وفي ضحوة يوم الأحد ذهبت لزيارة المصلح العظيم الأستاذ الشيخ محمد عبده ومعي الشيخ إسماعيل والشيخ أبو النهي. قعدنا في المندرة وأعطيت العبد بطاقة الزيارة فأوصلها إليه في الحريم. فلم يلبث أن نزل وهي في يده ولم يتركها مدة جلوسنا، بل جعل يقلبها بيده ويتكلم

سألنا أولاً عن أستاذنا الشيخ حسين أفندي (الجسر) ثم عن عزيز أفندي سلطان ومحمد باشا المحمد، ثم عن طلبة العلم وشيوخهم وتعليمهم. ومما قلنا إن الطلبة نحو مائتين والمستفيد المجتهد نحو اثنين

ثم أنشأ يتكلم عن حالة الأزهر والأمة. فعلمنا أن ما كنا نعتقده فيه من أنه موجه كل همه وسعيه للأزهر صحيح. ومن جملة كلامه أن سعادة هذه الأمة في الأزهر، وأن شقاءها من إهمال الأزهر. وإنه لا يرى نفسه سعيداً إلا إذا نجحت مساعيه في إصلاح التعليم فيه. وإنه إذا رأى انتظامه قبل موته يموت قرير العين ويرى أنه ملك عظيم، وحدثنا بأمر الامتحان في الأزهر حديثاً كله تنديد بشيوخه وبتعليمهم، بل قال إن الكثير من مدرسي الأزهر لا قابلية فيه الآن لأن يكون طالب علم: ومنهم من يصلح اليوم لأن يطلب العلم من طريقه

قال: كنت في الامتحان أسأل أحد الطلبة عن عبارة فيحل ألفاظها المفردة بإرجاع ضمائرها وبيان متعلق ظروفها - هذا إن أحسن الجواب - فأسأله عن المراد بهذه العبارة فلا يحير جواباً. قال لأحدهم مرة: ما مراد المصنف من هذه العبارات - ثلاث مرات - وهو يعيد له الحل السابق. فقال له في الأخير: إن مراده كذا، فقل مثلما قلت؛ فلم يحسن ذلك. وقال - بمناسبة ذم كتبهم: - سألت أحدهم في المنطق فأجاب بما يبعد عن الصواب. قال: فقلت: من أين لك هذا الكلام. فقال: من حاشية الصبان على السلم. قال: فلم أصدقه فنظرت في الكتاب فرأيتها كما قال. فقلت للشيوخ كيف يعرف المنطق وشارحه لا يعرف المنطق ومحشّيه (الصبان) لا يعرف المنطق

قال: كان مراده من العام الماضي قلب هيئة الأزهر دفعة واحدة، لكن قيل له إن الشيوخ يصعب عليهم ذلك، ولابد من أخذهم بالتدريج

وقال: إن مداخلته بالحكومة إنما هي لأجل الأزهر لأنه لولا مركزه في الحكومة لا يقبل له قول ولا يستطيع أن يعمل شيئاً فيه. وانه يعلم أن كثيراً من الشيوخ الذين ينقادون له الآن ساخطون عليه في نفوسهم، مع أنه سعى لعلماء الأزهر بمبلغ خمسة آلاف جنيه بعضها من الحكومة وبعضها من الأوقاف، وكانوا في غاية الضيق

مما ينقمون عليه أنه لا يطول أكمامه، مثلهم، وأنه يركب الحصان ويلبس الجزمة عند ركوبه كما فهمت من الشيخ إسماعيل فتأمل. وقال: لما ولاه الخديو السابق القضاء قال لناظر الحقانية: أنا خلقت لأن أكون معلماً لا لأن أكون حاكماً: أقول حكمت على فلان بكذا وعلى فلان بكذا. فقل للخديو يجعلني في دار العلوم، فلم يرض الخديو، وقال: إن الحكومة أرادت الإصلاح بكذا وكذا

قال: وإن المصريين منهم من يعتمد على فرنسا وعلى. . . وعلى. . . وكل هذا أوهام، والصحيح أنه لا يضمن لنا الاستقلال والحياة للأمة إلا شيء واحد وهو التربية والتعليم الصحيح

ثم تكلم عن ضعفنا وقوة أوربا: إن جميع ما حولنا - لاسيما حكامنا وعلماءنا - يدل على اليأس، ومع هذا فان لي أملاً كاملاً، ويوجد رجل آخر في مصر له نصف أمل سأسأله عنه، ثم بكلام تاريخي عن حالة أوربا في ضعفها وكيف قويت

سألته عن الكتاب المعهود، فقال: إنه لم يتمه وأنه لابد منه ومن كتبٍ أخرى. لكنه يحتاج إلى مساعد حاذق أمين: يفحص له عن النصوص؛ فان جميع أرباب التآليف الكثيرة كالغزالي وغيره كانوا كذلك، وإلا فان الوقت لا يتسع لتلك المؤلفات. وإنه لم يجد ذلك المساعد ولا بالمال. فقلت له: (ستجدني إن شاء الله من الصالحين) وربما يحصل بيني وبينه ارتباط عظيم. ولو جئت مصر غير متعلق بغيري ربما كان أولى؛ فإني أجد قبولاً عظيما عند الكبراء والوجهاء من أهل العلم وأهل الدنيا: ما تكلمت أمام أحد إلا اعتبرني اعتباراً زائداً. وقد تبين لي صحة قول من كان يقول لي: إنك ضائع في بلادك ولو كان في الوقت سعة لأخبرتك بما يسرك جداً من التفصيل

أخبرنا الأستاذ (الإمام) أيضاً أنه كان شرع في تأليف رسالة في التوحيد منذ كان في بيروت، وانه سيتمها ويقرؤها درساً في الأزهر في أول السنة الآتية، ويقرأ كتاب السيرة المعهود أيضاً إذ قراءته تدعو إلى إتمامه

وقال بمناسبة صعوبة التآليف المهمة في العربية - إن بعض الكتب التاريخية وغيرها ربما لا يوجد فيه من العبارات المفيدة إلا عبارة واحد أو اثنتان والباقي لا أهمية له. فاستخراج المفيد صعب، ومثل مثلاً فقال: إذا أردنا أن نكتب في تاريخ علم الكلام فمن أين نستفيد: كيف كان هذا العلم في عصر الصحابة ومن بعدهم؟ وكيف اعتزل واصل بن عطاء مجلس الحسن البصري؟ ومن أين جاءه ذلك الفكر في المخالفة؟ وهل كان غيره على رأيه؟ وما الذي حمل أبا الحسن الأشعري على القول بأن الوجود عين الموجود مثلا؟ وما غرضه من ذلك؟ ومتى دخلت الفلسفة ونحوها من الفنون في هذا العلم؟ وما غرض العلماء من جعل الفلسفة تدخل على العقول مع عقائد الدين في وقت واحد؟ مسائل لم يشرحها أحد من علماء الإسلام. وقال: إن لعلماء الإفرنج ومؤرخيهم كلاماً في الدين الإسلامي لم يهتد له أحد من المسلمين، وذكر لنا بعض تلك الكتب ومؤلفيها وكيفية أبحاثها

وقال: إن الأمم تتقدم إلى الأمام ونحن نرى من سعادتنا في تقدم الأمة أن ترجع للوراء تسعمائة سنة. وأن تكون كتبنا وتعاليمنا كما كانت منذ تسعمائة سنة

وذكر في معرض الانتقاد ابن عابدين وانتقد عليه وقال: كان يمكن جعل الكتاب مجلدين بذكر ما يفيد والسكوت عما لا يفيد، وذكر الإحياء وأنه ينبغي اختصاره، وأنه رأى له مختصراً في مجلدين في المكتبة الخديوية مدحه كثيراً، ولولا أنه مخروم لسعى في نشره، وقد تعجبت لرضائه عنه رضاءً تاماً، ولعله لا يعجبه غير كذلك

أما سيرة الأستاذ (الإمام) في مصر فكلٌ يعلم أن بيده زمام الأزهر، وأنه هو الساعي في انتظامه. وشيخ الإسلام فمن دونه تبع له، وفي إنشاء الرواق الجديد الذي أنشأه الخديو ويسمى بالرواق العباسي وهو حسن جداً، وقد سعى بمبلغ من النقود ليوزع على النابغين في الامتحان من الطلبة، وسيوزع قريباً في احتفال يخطب هو فيه الخ

وأما من حيث المحكمة فقد سمعت أنه يأتي الساعة واحدة فيحل المشاكل ويفصل الدعاوي المتراكمة. وينقلون عنه حكايات لطيفة في بيان الحيل وكشف الدسائس

ذكرت له: أن غرضي الأول تلقي الحكمة منه في أوقات الفراغ؛ فسر لذلك وعهد إلي أن أجيء لبيته صباح يوم الجمعة (نهار غد) وأنه يأخذني حيث يذهب

فإنني أن أكتب لكم عند ذكر التربية أنه قال للسيد جمال الدين (الأفغاني) عند ما كانا في فرنسا، دعنا من السياسة ولنختر لنا مكانا مهملا لا اعتبار له في نظر الحكام (أو ما معناه) ونعلم به ونربي بعض الأولاد، فلا تمضي عشر سنسن إلا ويبرع منهم جماعة على رأينا يقلدوننا في ترك أوطانهم والهجرة في نشر العلم والدين فنرسلهم للجهات، وأن السيد (الأفغاني) أبى عليه هذا وقال له: أنت مثبط فلم يكن مندوحة عن الانصياع له. وقال: لو أن السيد ترك السياسة والتفت إلى التعليم لأصلح إصلاحا عظيماً

ذكرت له بمناسبة ما شاهدته من طواف الناس بقبر السيد البدوي ولثم أعتابه، فحدثنا أن بعض الوجهاء كان عنده في يوم مولد السيدة زينب وأنه قام ليحضر المولد. فسأله الأستاذ أين تذهب؟ قال: لزيارة السيدة. فقال: لأي شيء خصصت زيارتها بهذا اليوم. قال: لأنه يوم المولد. فقال له: ما هو يوم المولد؟ أنا لا أفهم معنى هذا اللفظ. هل هو عبارة عن يوم تقوم فيه من قبرها وتستقبل الزائرين، وطفق يندد بهذا الأمر. فقال له الرجل إن كثير من العلماء والفضلاء يحضرون هذه الموالد وتهيأ للقيام. فقال الأستاذ: أنا لا أعتبرك وأعتبر هؤلاء الذين تسميهم فضلاء إلا وثنيين، لأن هذه الأعمال أعمال الوثنيين؛ إن كل آيات الكتاب ونصوص السنة تذم هذا (أو ما معنى هذا) بل الفاتحة التي تصححون بها عبادتكم تنهاكم عن هذا وتعده خلاف العقيدة، أنتم في كل ركعة من الصلاة تقولون: (إياك نعبد وإياك نستعين) فكيف تصدقون بهذا وأنتم تطلبون الإعانة من هؤلاء الأموات، أفعالكم متناقضة، لأن قراءتكم الفاتحة له يدل على أنهم محتاجون إليكم بهذا العمل الذي تهدونه لهم ليكون في ثواب أعمالهم ثم تطلبون منهم الحوائج الخ

أهل مصر عموماً لاسيما العلماء الوجهاء وأركان الحزب الوطني يلعنون أبا فلان في المجالس ويكفرونه، ويقولون إنه هادم لأساس الدولة وإنه موقع الفتنة بين السلطان والخديو، حيث أوهم الأول أن الثاني طالب للخلافة ويساعده على هذا العمل توفيق البكري الإنكليزي المشرب

ما كنت أتخيل أني أكتب هذا المقدار لضيق الوقت علي ولا أراك تؤاخذني على قبح الخط وعدم انتظام الكلام، واقرأه على الشيخ محمد (كامل) أفندي الرفاعي لأني أود أن يطلع عليه، وكنت عازماً أن أكتب له بمثل هذا فلم يساعدني الوقت.

أخوكم

محمد رشيد رضا