مجلة الرسالة/العدد 105/الكتب
مجلة الرسالة/العدد 105/الكتب
رسالة في الإسلام
بين هيجل ومحمد عبده
تأليف الأستاذ محمد محمد البهي
عضو بعثة تخليد ذكرى الأمام
من أولى نتائج الدرس الذي عكف عليه أعضاء بعثة تخليد ذكرى الأستاذ الإمام محمد عبده، كتيب قيم وضعه باللغة الألمانية الأستاذ محمد محمد البهي، الذي لازال يتابع دراسته في جامعة هامبورج بألمانيا
ويقول المؤلف في مقدمة كتيبه هذا إن الدافع له على إصداره هو ما رآه في ألمانيا من أن الناس فيها لا يفقهون الإسلام على حقيقته، وقد كوّن رأيه هذا بعد استماعه لأستاذه (نوك) في محاضراته عن (فلسفة التاريخ) لهيجل، وبعد اشتراكه في مساجلة الأستاذ شتروتمان لتلاميذه في عدد من المؤلفات عن الإسلام. وبذلك أتيحت له الفرصة ليوزان بين آراء (هيجل) في الإسلام، كما جاءت في كتابه (فلسفة التاريخ)، وأراء فيلسوف الإسلام الإمام محمد عبدة، كما جاءت في كتابه (الإسلام والنصرانية، والعلم والمدنية). وأراد الأستاذ البهي أن يتقدم برسالة في هذا الموضوع لينال بها الدكتوراه في الفلسفة، ولكن غيرته على العلم والدين لم تمهله حتى يستوفى البحث، فأصدر هذا الكتيب لينفس عن روحه وليطلق فكرته من عقالها، وكان حقاً موفقاً في سرد أهم آراء الفيلسوف الألماني هيجل الخاصة بالإسلام، وبرغم الإجمال الذي ألتزمه المؤلف فإنه ألم بتلك الآراء إلماماً حسناً. فذكر كيف أن الإسلام في نظر الفيلسوف هيجل، هو صورة صادقة للعقلية الشرقية، فهو يجمع بين المتناقضين: المسائل التجريدية والمسائل الواقعية. وأن فكرة الإله عند اليهود هي غيرها عند المسلمين - على حد ما يعتقده هيجل، فيهوا هو رب الشعب الإسرائيلي فقط، أما الله فرب العالمين؛ ويرى هيجل أن المسلمين يعيشون ويحيون من أجل دينهم وتحقيق مبادئه، وأن حياتهم الدنيوية ليست إلا وسيلة لبلوغ الآخرة وما فيها من متاع. ولهذا كانت فتوحاتهم العظيمة في آسيا وأفريقيا وأوربا. وكان التعصب ضد الكفرة على أشده في بادئ الأمر، إ أنه تراخي بعض الشيء، فأستعيض عن قتل الكافر بفرض جزية سنوية على شخصه؛ ومع ذلك لم يكن التعصب في الإسلام مدعاة تخريب وهدم، كما هي طبيعة التعصب، بل كان فوق ذلك مدعاة تشييد وبناء. ثم تدرج المؤلف إلى ذكر رأى هيجل في أن الإسلام كدين يبرر أعمال العنف والقوة لنشره، كما برر روبسبير أعمال العنف والقوة لبلوغ الحرية؛ وأن الفردية في الإسلام من التناقض بدرجة تجعل الحاكم الذي يبغي المجد والعظمة والسيطرة لا يتوانى في أن يضحي بها جميعاً في سبيل الدين، وقد لا يلبث إلا قليلاً حتى يستردها دون هوادة، وأن الخليفة عمر - على حد ما ذكره هيجل - هو الذي أمر بإحراق مكتبة الإسكندرية، بينما الخلفية المنصور كان يجمع العلماء في مجلسه ويغدق عليهم العطايا؛ وبحسن معاملته لهم أزدهر الأدب والعلم في أيامه. ثم ذكر بأن الحريات كانت مكفولة للناس كافة، لا فرق بين رجل وامرأة، ولا بين طبقة وأخرى، حتى كان الرجل من رعاع الناس يدخل على الخليفة في مجلسه فيحدثه مطمئناً عن كل ما يريد؛ ولكن عقب ذلك أعتكف الخلفاء والحكام في قصورهم وأبعدوا الشعب عنهم، فأنقلب الحال إلى الضد. ويرجع (هيجل) أسباب ذلك إلى أن التعصب الديني كانت قد بردت حرارته، فبدأت المفاسد تسود المجتمع، وأصبح الاستمتاع بملذات الحياة شهوة الناس في هذه الدنيا، ثم تراجع الإسلام كما يقول (هيجل) إلى أفريقيا وآسيا، ولم تطقه النصرانية إلا في ركن ضيق من أوربا. وتلاشى الإسلام كقوة مسيرة لتاريخ العالم. ويعترف هيجل بأن الغربيين أخذوا عن العرب مختلف العلوم والفنون والمعارف، وبخاصةً الفلسفة؛ ويقر فيلسوف الألمان أم الإسلام هو أكبر ظاهرة في تاريخ العالم
غير أن الأستاذ البهي يرى أن هيجل حكم على الإسلام من خلال أعمال بعض المسلمين، وكان الأولى به أن يرجع إلى مصادر الإسلام وهي: القرآن والحديث وما أجمع عليه الأئمة. وعاب على هيجل طريقته في البحث، وقال بأنه (أي المؤلف) لن يكون عادلاً في حكمه إذا ما نسب إلى الدين المسيحي عداءه للعلم ومحاربته لحرية الفكر، مستنداً في ذلك إلى بعض الحوادث التي منها:
(1) إعدام (حيباتيا) المصرية وكانت سيدة من أفذاذ العلماء الرياضيين، عام 415 ميلادية أثناء تعقب النصارى للفلاسفة (2) إحراق 1220 شخصاً بالنار فيما بين سنة 1481 و1499م، وهم أحياء تنفيذاً لأحكام الرقابة الموضوعة على الكتب وأصحابها
(3) إحراق جيوردانو بروفو الذي قال بالوحدانية الربانية
(4) إحراق الكردينال زيمنس 8000 مجلد من الكتب العلمية في غراناطة
إن كل هذه الأعمال لا تؤديها التعاليم الدينية المسيحية، وكل بحث يرتكن إلى مثل هذه الأشياء يكون خاطئاً. وهكذا كان هيجل في بحثه عن الإسلام؛ واستشهد المؤلف برأي الأستاذ هورتن الذي ذكر في أحد كتبه: (إن انحطاط المسلمين وعدم قيامهم بأعمال مجيدة سامية لا ترجع إلى روح الإسلام، ولكن إلى سوء تصرف الخلفاء وإلى غيره من الأمور، ونشأ عن ذلك أضرار عديدة بالدين والعادات وسمعة الإسلام)
ثم ناقش الأستاذ البهي ثماني مسائل من آراء الفيلسوف هيجل أولها: الفريدة في الإسلام. فهي ليست العمل للآخرة دون سواها، كما تصورها هيجل، ولكن العمل للدنيا أيضاً؛ وأستشهد بما جاء في الذكر الحكيم: (ولا تنس نصيبك من الدنيا)، وما جاء في الحديث: (أعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، وأعمل لأخرتك كأنك تموت غدا)
وتكلم في المسألة الثانية عن الصوم وأن الغرض منه ليس مجرد صحة الأبدان، بل له غرض معنوي آخر هو إشعار الصائم بوجوب العطف على الفقراء والمساكين
أما المسألة الثالثة فقد حاول فيها الأستاذ البهي أن يثبت بأن الإسلام لم يكن في كل الحروب التي خاضها إلا مدافعاً عن كيانه. أما فكرة الغزو لإجبار الناس على اعتناق الإسلام، فليس لها أصل في الدين. وقد أستشهد بآراء هورتن الذي ذكر في أحد كتبه بأن الحروب الدينية في الإسلام لم تكن إلا للدفاع عن هجمات الأعداء أو لإخماد فتنة. ولهذا كانت الفكرة القائلة بأن الدين الإسلامي يبرر أعمال العنف والقوة فكرة خاطئة
وعالج المؤلف في المسألة الرابعة مسألة الجزية على الذميين، وقال بأن الغرض منها لم يكن إجبار الناس على اعتناق الإسلام بل كانت مجرد ضريبة للمحافظة على أرواح الناس وأملاكهم
أما عن التعصب في الدين، وهي المسألة الخامسة فالإسلام لا يعارض العلم، ولا يعاقب الأحرار من العلماء أو يتعقبهم، بل دعا الدين الإسلامي إلى الدراسة، وإلى العلم والمعرفة، وقد أحيا المسلمون العلماء أيا كانوا، وأشادوا بذكرهم واحترموهم ويجلوهم؛ ويكفي إن علماء اليهود في سورية وعلماء النصارى في مصر، كانوا يجلسون مع غيرهم من العلماء في مجالس الخلفاء والحكام. ولقد نقل المسلمون العلوم إلى بلاد الغرب، كما إن الإسلام لم يحظر على الناس حرية البحث، بل ضمن لهم الحرية الكاملة سواء أكانوا من الأولياء أم الأعداء
أما مسألة حرق العرب لمكتبة الإسكندرية، وهي النقطة السادسة، فإن هذه الدعوى لم تأت في أي كتاب علمي للتاريخ، وقد كذبتها دائرة المعارفة الإسلامية، كما كذبها الأستاذ موللر في كتابه (الإسلام في المشرق والمغرب)
وعالج المؤلف في النقطة السابعة عفاء الدولة الإسلامية، وقال إن ذلك يرجع إلى أسباب سياسية واقتصادية، مما ليس له علاقة بالدين، وأستشهد برأي الفيلسوف شبنجلر حيث يقول: (وإذا كان هيجل قد ختم بحثه عن الإسلام بقوله: (إن قوة الإسلام اختفت كعامل لتكييف تاريخ العالم. . .) فعلينا أن نتذكر بأنه يوجد اليوم ثلثمائة مليون مسلم في العالم)
وأعقب الأستاذ البهي ذلك البحث بآراء الأستاذ الأمام الشيخ محمد عبده في الإسلام، مستنداً في ذلك إلى كتابه (الإسلام والنصرانية، والعلم والمدنية) - كما ذكرنا في البدء. وإنا نكتفي هنا بالإشارة إليه، ليراجعه من يهمه الإطلاع عليه
إبراهيم إبراهيم يوسف
شرح الإيضاح
في علوم البلاغة
للأستاذ عبد المتعال الصعيدي
المدرس بكلية اللغة العربية
ذكر جلال الدين الخطيب أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن القزويني أنه ألف كتابه (الإيضاح) وجعله على ترتيب مختصره الذي سماه (تلخيص المفتاح) وبسط القول فيه ليكون كالشرح له، فأوضح فيه مواضعه المشكلة، وفصل معانيه المجملة، وعمد إلى ما خلا عنه المختصر مما تضمنه (مفتاح العلوم) للإمام السكاكي، وإلا ما خلا عنه المفتاح من كلام الشيخ الإمام عبد القاهر في كتابيه (دلائل الأعجاز وأسرار البلاغة) وإلى ما تيسر النظر فيه من كلام غيرهما - فأستخرج من ذلك كله زبدته، وهذبه ورتبه حتى أستقر كل شيء منه في محله، ثم أضاف إلى ذلك ما أداه إليه فكره ولم يجده لغيره، فجمع بهذا أشتات هذه العلوم كلها، واستقامت له فيها هذه الطريقة البديعة التي فتن بها الناس بعده وجاراه فيها كل من كتب في علوم البلاغة الثلاثة إلى الآن
وهو يميل في مختصره (تلخيص المفتاح) إلى طريقة السكاكي في العناية بجمع القواعد دون إيراد الشواهد، ويميل في الإيضاح إلى الجمع بين طريقة السكاكي في ذلك، وطريقة عبد القاهر في العناية بإيراد الشواهد، وقد أمتاز في إيضاحه على السكاكي في طريقته بحسن الترتيب، وبوضوح العبارة وجريها على الأسلوب العربي، كما أمتاز على عبد القاهر بالقصد في إيضاح القواعد على ما يليق بأسلوب الكتابة العلمية
ولكن العلماء الذين أتوا بعد الخطيب لم تعجبهم طريقة (الإيضاح) على ما تمتاز به من هذه الميزات العظيمة، وفتنوا أيما فتنة بطريقة (التلخيص) في العناية بجمع القواعد، وإهمال إيراد الشواهد من منظوم العرب ومنثورهم، فوضعوا عليه من الشروح المبسوطة ما لا يحصى، ووضعوا على تلك الشروح شروحاً سموها حواشي، ووضعوا على تلك الحواشي شروحاً سموها تقارير، وجروا فيها كلها على إهمال ما أهمله الخطيب في تلخيصه من تلك الشواهد التي لا يستقيم النظر في هذه العلوم إلا بها، فجاء كل ما كتبوه على هذه الطريقة حشواً لا فائدة إلى في القليل منه، حتى أصبحت طريقة غاية في العقم، وغدت دراسة هذه العلوم بها خالية من الثمرة، عاجزة عن تربية الذوق البياني
وقد أحسنت كلية اللغة العربية من كليات الجامع الأزهر بالعدول عن درس هذه العلوم في التلخيص وشرحه للسعد التفتازاني إلى درسها في الإيضاح وحده، ولكن طلاب هذه الكلية يجدون أنفسهم في حاجة إلى الرجوع إلى هذه الشروح والحواشي والتقارير في كثير من مواضع الإيضاح في سائر أبوابه، فيضطرون بحكم هذه الحاجة إلى الرجوع إليها كلها، واستيعاب النظر فيها، وتضيع بذلك الفائدة المقصودة من إيثار درس الإيضاح عليها
ولا شك أن هؤلاء الطلاب وغيرهم من طلاب هذه العلوم في حاجة إلى شرح على الإيضاح يجاريه في طريقته، ويكمل من شواهد ما لم يكمله، ويزيد عليها ما تدعو الحاجة إليه، وينظر في ذلك الحشو الكثير الذي أتخمت به هذه العلوم فيختار منه ما فيه فائدة تتصل بها وما أقل ذلك بينه، ويهمل ما لا اتصال له بها وما أكثره فيه، ويؤدي مع ذلك كله واجب النظر العلمي الحديث في بعض مسائلها، وقد وفق الله واضع هذا الشرح الجديد على الإيضاح إلى ما أراده من هذه الأغراض، فجزاه الله عنه خير الجزاء
(ص)