مجلة الرسالة/العدد 1022/كوليرج

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

2 - كوليرج مجلة الرسالة/العدد 1022/كوليرج للكاتب الناقد. أي. تي. كيلر كوج بقلم الأستاذ يوسف عبد المسيح ثروت وفي حزيران (يونيو) من سنة 1794 زار كوليرج صديقه أرلن في أكسفورد وتعرف هنالك بالشاعر (روبرت ساوذي). وقد كان روبرت هذا شاباً نارياً متحمساً فيه ميل شديد ونزعة قوية لاحتضان المبادئ العنيفة ومن هذه المبادئ نشأت فكرة (البانتيسو كراسية) بتأييد من أصدقاء ساوذي ومساعدة من كوليرج. ويلخص كامبل هذه الفكرة فيما يلي: (اتفق اثنا عشر رجلاً من المثقفين ثقافة جيدة وممن لهم أفكار حرة مع من يماثلهم من السيدات على الإبحار في نيسان من هذا العام واضعين نصب أعينهم منطقة بديعة من مناطق أمريكا، وكان المظنون من عمل كل هؤلاء الأشخاص لمدة ساعتين أو ثلاث ساعات يومياً كان للقيام بأود (المستعمرة). أما المنتج فهو ملك مشاع، وكان المقرر أن تكون هنالك مكتبة عامرة، وأوقات فراغ ملائمة، لتخصيصها للدراسة والمناقشة وتربية الأطفال وفق خطة دقيقة معينة. كما أن واجب النساء كان يقتضي منهن التفرغ للاعتناء بالأطفال الرضع، والقيام بأشغال لائقة أخرى. على أن ذلك يجب ألا ينسيهن تثقيف أذهانهن وإنماء مواهبهن المتنوعة بالتتبع والدراسة والتفهم والممارسة في كل شأن من شئون الحياة العامة والخاصة). أما الأمور الأخرى التي لم تقرر في حينها فكان أهمها رباط الزوجية وهل في الإمكان فصمه برغبة أحد الطرفين أو برغبة كليهما وكان من حق كل شخص أن يتمتع بكل حقوقه الدينية والسياسية إذا لم يكن في ذلك اجتراء على الحقوق والقوانين المتفق عليها سابقاً) وقد حسبوا أن أي شخص يدفع (125) جنيهاً وله ما لهم من الآراء الحق في تنفيذ هذا المشروع). وبينما كانت (البانتيسو كراسية) في دور المخاض المؤلم، طافت فكرة طارئة في ذهن كوليرج فتركها هكذا وسار مشياً على قدميه في مقاطعة ويلز. وفي اليوم الثالث عشر من (يوليو) وصل إلى (ريكسهام) وهنالك عثر على ماري إيفانز بينما كان يتمشى بالقرب من نافذة أحد الفنادق فلمحها وهي تهبط السلم إلى الشارع مع إحدى أخواتها. وقد علق على هذه المقابلة غير المتوقعة بقوله: (هجم على المرض فجأة وكاد الإغماء أن يوقع بي شر هزيمة، ولكنني تمالكت روعي وتمكنت من التراجع بسرعة). ويظهر أن الأختين قد شاهدتاه (لأنهما سارتا أربع أو خمس مرات بجانب النافذة المطلة على الشارع كأن القلق كان يحز في قلبيهما). ولكن اللقاء لم يتحقق، وهو لو تحقق لأدى إلى المصالحة على أكبر احتمال. فر كوليرج إلى (برستول) ولحق بصديقه ساوذي هناك مع عدد من البانتوكراسيين ومنهم كانت عائلة تدعى عائلة (فركر). وقد تزوج ساوذي (أديت فركر) بينما تزوج كوليرج (سارة فركر) كما يقع ذلك بصورة فجائية بنتيجة الصدمات التي تصيب العاطفة الهائجة (فتجعلها ترتمي في أحضان أية امرأة يضعها القدر في طريقها). يقول كامبل (إن الزواج لم يعقد في السماء وإنما قرر على الأرض وعلى يد ساوذي. إن السماء وحدها وليس أحباء كوليرج، هي التي تعرف ما كان يحدث لو أنه اقترن بدوروثي ورد زورث) ليس من حقنا أن نرجم بالغيب في مثل هذه الأشياء، وإن نحن حاولنا ذلك فلن نصيب إلا أنفسنا. أما إن التقاءه بها كان مؤخراً فهذا حق لا يماري فيه أحد، وكذلك كان الحال مع وليم ورد زورث أخيها. وبعد أن مكثت عائلة كوليرج أمداً قصيراً في (كيلفندن) وبرستول تخللتها سفرة قام بها كوليرج وزوجه لجمع الاشتراكات لمشروع جريدة باسم (المراقب) ارتحلت هذه العائلة مع وليدها إلى (نيذر ستاوي) في (سومرثت) لتكون بجوار توماس يوول، الصديق الوفي والخل المخلص. وإلى هنا قدم وردزورث مع أخته الجميلة في تموز عام1797، وقد لحق بهما بعدئذ تشارلي لامب وصل الجميع في ضيافة كوليرج (وقد خلدت هذه الزيارة في قصيدة (تحت ظلال شجرة الليمون) وبعد ذلك رجع تشارلي إلى لندن بعد مكوثه معهم لمدة قصيرة جداً، بينما أقام وردزورث وأخته في (الفوكسدن) على مقربة ثلاثة أميال من دار كوليرج، وذلك بسبب الرابطة السحرية التي ربطتهما بعنف وقوة بكل ما له علاقة بكوليرج. وأخيراً حدثت المعجزة. قد يكون من الحق أن نقول إن كوليرج لم يبلغ مبلغ الإعجاز فجأة، لأنه سبق له أن طبع مجلداً من الشعر طبعة ثانية بعد أن نفذت الطبعة الأولى؛ ولكن هذا المجلد لم ينبئ بما سيقع. أما وردزورث فكان يستوحي آلهة الشعر - إن جاز لنا أن نطلق كلمة (الوحي) على ناظم قصيدة (المجاورين) - ولكن العجب سيأخذ منا مأخذاً شديداً، لأننا سنجد هذا الناظم بالذات ينظم بعد حول فقط قصيدته العصماء (كنيسة تنيترن) فما كان غير محتمل وقع، وما كان أملا تحقق. وقد غدا الأخ والأخت والصديق روحاً واحداً، كما شهد بذلك كوليرج نفسه. وفي وسط روح المحبة والأخوة وتحت تأثير دوروثي بصورة خاصة، التي كانت وحدها صامتة هادئة، وقانعة بالتشجيع والنقد والإعجاب والإرشاد، أقول: في وسط هذا الجو السحري الرائع وجد كوليرج وورد زورث نفسيهما شاعرين مفردين بنغمات جديدة في فجر جديد. وفي الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر من اليوم الثالث عشر من تشرين الثاني شرع الأصدقاء الثلاثة يسيرون مشياً إلى (وجيت) في طريقهم إلى الريف في (اكسومر) وذلك لأداء ما بذمتهم من نفقات بواسطة بيع قصيدة، عزم الاثنان على نظمها في الطريق!. وقبل انقضاء ثمانية أميال من سفرتهم هذه، فشلت خطة النظم المشترك، وأخذ كوليرج على عاتقه نظم القصيدة بمفرده، واستمر العمل في ذلك حتى شهر آذار التالي. تقول دوروثي معلقة على ذلك: (إنه في الثالث والعشرين من ذلك الشهر تناول كوليرج طعامه معنا، وكان في جعبته قصيدته (النوتي القديم) كاملة تامة. وكان الليل بديعاً والقمر بازغاً، وكنا نشعر كأن النجوم والكواكب متحلية بزينتها احتفالاً منها بمولد الكوكب الجديد). ومن الحق أن نقول إن قصيدة (النوتي القديم) تضطرنا إلى التأمل والتفكير في أحقية ما كان يدعو إليه رجال العصور الوسيطة من أن هناك انسجاماً بين الشعر والسحر، وأن (فرجيل) كان ساحراً. وكما قلنا قبل الآن يمكننا أن نفهم بمجهود يسير أن أغاني باولز - على ما هي عليه من شحوب ووهن وذبول - كانت تعني في عام 1790غير ما تعنيه الآن. ولكن يمكن أن نتجاهل ظروف ولادتها ووقت بزوغها وما يتعلق بها من نظريات، كما يمكن أن نتجاهل ورد زورث ومقدماته وما كان بينه وبين كوليرج من مشادات ومنازعات. إلا أننا مع ذلك وحتى بعد مرور مائة سنة، مجبرون على الاعتراف بأن قصيدة (النوتي القديم) هي تجربة الفن الكبرى، والكوكب الذي اصطاده كوليرج وجلبه بيديه إلى (الفوكسدن) وأراه لدوروثي ووليم ورد زورث. لأنه ليس في مجال الشعر الإنجليزي بأجمعه - وحتى لدى شكسبير - ما يجاري في عبقرية لغتنا الغنائية تلك النغمات العلوية التي أنشدها كوليرج في هذه القصيدة. . فموسيقاها جذابة سهلة، جميلة في تصويرها وخيالها وإيقاعها، وكلماتها تجري مجرى السلسبيل العذب في رقتها وخفتها ولطافتها. وقد تضم القصيدة بعض الكلمات الضخمة الثقيلة إلا أنها تقوم بدورها وتمضي بيسر وجمال وبراعة؛ فشكسبير - على علو كعبه وسمو منزلته - لم يتمكن من الإتيان بما أتى به كوليرج في هذه القصيدة اللهم إلا بعض النتف المتناثرة هنا وهناك. . . إن في هذه القصيدة لحن الملائكة وصوتهم العذب المرتل، وكأنهم في إنشادهم هذا جوقة سماوية تغني ما يحلو لها من الأنغام الدينية أمام بوابة الفردوس في غبش الفجر. وعلى الرغم من أن النقاد يعترفون بسحر هذه القصيدة وقوة تأثيرها وجمالها الفني، إلا أنهم مع ذلك يسفهون هذا الاعتراف، وذلك لأنهم يصرون على التساؤل عن السبب الذي منع كوليرج من عدم اتباعها بقصائد مماثلة أو أن يكتب شيئاً يضارعها. وأخيراً لوى كوليرج رقبة إرادته النحيلة بتأثير الأفيون واشتد كابوس العادة عليه، فأصبح - كما قال هازلت - رجلاً يقدر على كل شيء إلا ما يمثل واجبا من الواجبات! وقد تمكن مرة أو مرتين في (كرستابل) و (قبلاي خان) أن يكتشف أجواء مقدسة، ولكن إرادته لم تقو على الاستمرار في التحليق في مثل هذه الأجواء، فإنتهت قصته كشاعر في محاولات متكررة غير مجدية لإتمام (كرستابل). وكل هذا حق صراح، أو على الأقل يمكن أن يكون مقنعاً لي شخص يحاول أن يستعرض مسألة شذوذ كوليرج. البقية في العدد القادم يوسف عبد المسيح ثروت