مجلة الرسالة/العدد 1018/في عالم الكتب: نقد وتعريف
مجلة الرسالة/العدد 1018/في عالم الكتب: نقد وتعريف
موكب الأشباح
ترجمة الدكتور عبد الحميد عنبر والأستاذ فتحي عبد الوهاب
هذا الكتاب الجديد يندرج تحت عنوانه طائفة من القصص المطولة والأقاصيص القصار، منقولة نقلاً أميناً عن جهابذة الفن القصصي في الغرب من أمثال موباسان وسمرست موم وبييرميل وغيرهم ممن لمعت أسمائهم في عالم القصة الزخار.
والكتاب مصبوب في قالب من الأخيلة والرموز على نمط تلك الأقاصيص التي برع فيها الكاتب السويدي هانز أندرسن.
وأحد المترجمين الفاضلين، وهو الأستاذ محمد فتحي عبد الوهاب معروف لقراء (الرسالة) بتلك البحوث العلمية القيمة التي يطالعهم بها بين الفنية والفنية. وهو الذي تولى عن زميله تقديم الكتاب. وأعترفبأني أعجبت بهذه المقدمة أو بالجانب الأكبر منها؛ لأنها تكشف عن كثير من جوانب الضعف الإنساني، فنحن (نحلق في أجواء الخيال فنبني قصوراً من المخاوف، ونخلق أنواعاً من مسوخ فرانكنشتاين ومصاصي الدم أمثال دراكيولا، وغير ذلك من غريب ما يخلقه الفكر).
بيد أني وقفت طويلا عند قول الأستاذ عبد الوهاب (إذا بحث باحث عن تاريخ قصص ما وراء الطبيعة يجد إن من أهم أسباب نشأته الخرافات والمعتقدات والرغبة في معرفة ما وراء الموت ثم الخوف والرهبة من الظلام) إلى آخر ما قاله في هذا الباب من تفصيل يتناول المدارس المختلفة لقصص ما وراء الطبيعة.
أقول إني وقفت طويلاً عند قول الكاتب هذا، ثم أعدت تلاوة المقدمة خشية أن يكون فاتني منها شئ، غير إني تأكدت إنه لم يفتني منها شئ، وإنما فات الكاتب الفاضل، فإن قصص ما وراء الطبيعة كانت بداءة ونشأة للأدب الرمزي، ذلك أن الأدباء الأقدمين اصطنعوا الكناية ليعبروا برموزهم عن مقاصدهم السياسية التي لو افصحوا عنها لقطعت رءوسهم وبذلت أرواحهم، وقد سبق إلى ذلك ابن المقفع فأنشأ (كليلة ودمنة) وأورد أراءه السياسية كلها حكاية على ألسنة الحيوان والوحش والطير، ثم قفاه أبو العلاء المعري فحلق في (رسالة الغفران) إلى السماوات السبع ودخل الجنة وانحدر إلى الجحيم، وكذلك فعل مؤ كتاب (ألف ليلة وليلة) وإن كتاب (الكوميديا الإلهية) الذي وضعه دانتي الإيطالي في العصر الوسيط لمثل بارز على أن المؤلف أراد أن يرمز إلى آرائه الخفية في الإصلاح الديني وفي النهضة الأوربية التي كانت تتمخض في عهده.
إذن فليس الخوف من المجهول وحده هو الدافع إلى سرد قصص ما وراء الطبيعة والتخويف بالغول والعنقاء والهورلا التي ينقل المترجمان الفاضلان قصتها، ذلك لو أننا جارينا كاتبنا الفاضل على هذا الرأي لسلبنا هذا النوع من القصص ركناً من أهم أركانه، فهو من أهم دعائم الأدب الرمزي الذي يميل إلى التضمين الخفي والكناية البعيدة.
والكتاب الأحرار في عصور الطغيان يفزعون إلى هذا النوع من الأدب فيستنطقون الحيوان ويناجون الأشباح، وهم في ذلك كله إنما يومئون إيماءات ذات مغزى ويبدون آراء لها قيمة فيما يجري من الأحداث.
وبعد فإن الكاتبين الفاضلين ليستحقان الثناء على ما بذلا منجهد وعلى ما قدما من صنيع.
منصور جاب الله
ماتزيني
تأليف الأستاذ علي أدهم
ماتزيني علم من أعلام الجهاد الوطني، ومثل من أمثلة الصبر على المكاره في سبيل الغاية المنشودة. وحسبنا أنه قضى أكثر من خمسين عاماً يقاسي آلام النفي والتشرد مكافحا ضد استعمار النمسا لبلاده إيطاليا، وعاملاً على تحقيق استقلالها ووحدتها. وقد عاش حتى رأى وطنه يستقل ويتحد فكان في مقدمة بانيه. ولماتزيني من جهة أخرى اشتغال بالأدب ورأي في النقد، ولو تفرغ لهذا لكان من أعلام الأدباء.
وقد صور لنا الأستاذ علي أدهم شخصية متزيني تصويراً دقيقاً قام على التمحيص والاستيعاب، فأنت تقرأ في كتابه هذا عن متزيني الزعيم الوطني المجاهد ومتزينيالأديب النقادة.
وقد أحسن الأستاذ أدهم صنعا بتقديم هذه الشخصية الفذة لأبناء العربية في وقت هم فيه أحوج ما يكونون إلى المثل في الكفاح والصبر على المكاره.
المسيح عيسى بن مريم
للأستاذ عبد الحميد جودة السحار
هذا كتاب جمع بين الدراسة والقصة في طريقته. يتبع فيه الأستاذ عبد الحميد السحار حياة المسيح مرحلة مرحلة؛ يصف لك بخياله الموفق بيئة المسيح عليه السلام وكيف نشأ؛ ثم يتتبعه رسولاً لبني إسرائيل ويصف أسلوبه في تبليغ رسالته وصلة حواريه به، وخلاصة هذه الرسالة، ثم يريك كيف كانت خاتمته، كل ذلك في أسلوب مشرق رصين، وقصص ممتع. وقد جعل المؤلف ما جاء عن المسيح في القرآن محور دراسته، فهو يبدأ أكثر الفصول في كتابه بآية من كتاب الله مناسبة لما يدور حوله ذلك الفصل، ويرد أكثر ما عرف من حياة المسيح إلى ما تتضمنه هذه الآيات البينات في كياسة ودقة نظر، مما يجعل كتابه هذا جامعاً بين المتعة والثقافة ومستوجباً الثناء الحق.
شمس الخريف - بعد الغروب
للأستاذ محمد عبد الحليم عبد الله
هاتان قصتان للأستاذ عبد الحليم عبد الله؛ وقد أصبح للأستاذ عبد الحليم مكان مرموق في مجال القصة المصرية الناشئة، يبشر فيما نأمل بمستقبل مجيد. ومن حق قصتيه هاتين أن نعرضهما في مجال النقد، بعد هذا التعريف الذي نبدأ به.
تدور القصة الأولى حول مسألة هي: ماذا تأخذ منا الحياة وماذا تعطي؟ وهي قصة شاب سرقته أمه وهو صغير من بيت أبيه بعد أن تزوجت برجل آخر في الإسكندرية. وهاجر الشاب إلى القاهرة تاركاً صبية له كانت فتاة ريفية خادما هي كل من يحنو عليه من الناس ولقى في القاهرة ألواناً من العذاب والحرمان، ومازال يخرج من شقاء ليدخل في غيره، وقد انقطعت الصلة بينه وبين أمه، وبينه وبين حبيبته زمناً. وماتت أمه وتزوجت حبيبته، وتزوج هو من سيدة قبلها على خطيئة لها فعاشت معه مكفرة عن خطيئتها ثم ماتت بداء الصدر، وقد أنجبت له ولداً، عاش أبوه حتى رآه طبيبا للأمراض الصدرية، وسعد الأب بابنه وأبتسم له الدهر بعد عبوس طويل.
أما القصة الثانية فهي قصة الفقير الوهوب يشق طريقه في الحياة. وأبن فلاح يتخرج في كلية الزراعة فيجد أرض أبيه وقد انتزعها أحد المصارف، فيعمل ناظراً لأحد الضياع ويحب أبنه صاحب الضيعة وتحبه، ويريد أن يتزوجها لكن أباه يرفض ذلك رفضاً قاطعاً، ويوصي عند موته بأن تكون أبنته لأبن عمها، وتعرض هذه الفتاة عن حبيبها تنفيذاً لوصية أبيها ومخافة من الشائعات وسوء الظن بها إذا هي تزوجته بعد موت أبيها.
ويطرد أبن عمهاذلك الشاب من الأرض، فما يزال يكدح في سبيل رزقه حتى ينتهي به الأمر إلى أن يصبح رئيس تحرير إحدى المجلات.
ويكتب قصته يصف فيها مأساة قلبه، ويضفي على حبيبته ألواناً من الغدر وعدم الوفاء، فتذهب للقائه وتذكر له حقيقة أمرها
يتذكر كل منهما ماضيه، ولا يأسف الرجل على شئ من هذا الماضي، وإنما الذي يكدر عليه حياته حاضره الخالي من الولد؛ وقد استبان له أخيراً أن السعادة الحقيقية إنما هي في الولد
والأستاذ محمد عبد الحليم عبد الله يكتب في أسلوب عربي صحيحخال من التكلف، وأسلوبه جدير بالنقد الذي لا يتسع له هذا المجال. ولعلنا نعود إلى قصتيه هاتين في فرصة قريبة بما يستحقان من نقد وتقدير
الخفيف