مجلة الرسالة/العدد 1014/المسلمون

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 1014/المسلمون

ملاحظات: بتاريخ: 08 - 12 - 1952



للأستاذ محمد عبد الله السمان

إن من ألزم اللوازم للمسلمين - كأمة في مجموعهم - صحيفة تنطق بلسانهم، وتعبر عن مشاعرهم وعواطفهم، وتدعو إلى مبادئهم وتوضح أهدافهم، وترسم الطريق إلى الخلاص من آلامهم، وتحمل بصدق وعزيمة رسالتهم إلى الدنيا مشرقها ومغربها. .

أجل! إن المسلمين - كأمة في مجموعهم - في أمس الحاجة إلى هذه الصحيفة التي تبعث الشعوب الإسلامية المبعثرة الممزقة من مرقدها، فتربط بينها برباط وثيق من الأخوة الصادقة، والتي تثير خواطرها، وتستفز همها، حتى تزيح عن أعناقها أرباق العبودية والمسكنة، وعن كواهلها أعباء المذلة والهوان، والتي تعرض الإسلام من جديد، دينا خالصا، وإسلاما مصفى، لا دخن ولا دخل.

وقد أدرك حاجة المسلمين إلى صحيفة تنطق بلسانهم، الحكيم الثائر (جمال الدين الأفغاني) وصنوه (الإمام محمد عبده) فأخرجا إلى الوجود (مجلة العروة الوثقى). وكانت تنشر في باريس حيث كان المجاهدان قد اتخذاها وطنا ثانيا لهما، أو اتخذها الاستعمار منفى لهما؛ ولم يقد لهذه المجلة الثائرة الملتهبة أن تعمر طويلا، بعد أن لاقت ما لاقت من عنت الاستعمار واضطهاده.

ثم قام بعدهما بهذه المهمة الدقيقة الثقيلة تلميذهما (السيد محمد رشيد رضا). فأخرج إلى الوجود مرة ثانية مجلة (المنار) سار بها على نهج سلفيه الصالحين، فكانت بحق شعلة متقدة، وجذوة ملتهبة، استطاعت أن تلفت إليها أنظار المسلمين في كل بقعة إسلامية. كانت سياسة متطرفة تحمل على الاستعمار الأجنبي في أية أرض إسلامية، وتناهض حكومات الشعوب المسلمة الإقطاعية، منددة بها، ومنذرة إياها بأوخم العواقب، ولقد توقف ظهورها بعد أن لحق صاحبها ومنشئها بالرفيق الأعلى وإن كان جهادها ظل متواصلا بما تركته من أثر فعال في نفوس الأغيار من المسلمين، وبما تركته مجلداتها الضخمة من آثار علمية ستبقى خالدة ما خلدت السماوات والأرض إن شاء الله تعالى.

ثم مرت فترة طويلة حرم المسلمون خلالها لسانهم الناطق، حتى أخرج لهم الشهيد الأعزل (حسن البنا) مجلة (الشهاب) فكانت شهاب يضيء ويحرق، يضيء السبيل نحو الحياة الصحيحة التي تليق بالشعوب المسلمة، ويحرق الطواغيت التي تعترض هذه السبيل، وما أن ظهرت هذه المجلة حتى تلقتها الأيدي المسلمة في كل مكان، وحرص على أذخارها الشبيبة المثقفة والطليعة الناضجة، ولقد اتجه منشئها - رحمه الله - حين أراد إصدارها إلى أن يتولى تحرير موضوعاتها المبرزون المسلمون من كل قطر إسلامي، لتكون صدى لدعوته الجامعة التي لا تعترف بالمركزية بين الشعوب الإسلامية، ولم يعمر (الشهاب) أيضاً طويلا، فتوارى عن الأعين، حين اختبرت دعوة الإخوان بمحنة قاسية، خرجوا منها وهم أرسخ عقيدة وأثبت إيمانا.

ثم بدأ الفراغ يتخذ أفق أوسع من جديد، وحرم المسلمون للمرة الرابعة صحيفتهم، ولم يطل حرمانهم في هذه المرة، إذ برز في الميدان الأستاذ (سعيد رمضان) ليملأ الفراغ بمجلته (المسلمون) ولتنهج منهج الشهاب وتنسج على منواله، وتكون امتدادا لمنهجه، والأستاذ سعيد رمضان شاب في نضرة الشباب، مثقف بالثقافتين المدنية والدينية، فقد تخرج في كلية الحقوق، كما تخرج في جامعة حسن البنا الدينية وأكرم بها من جامعة، ويعتبر خليفة حسن البنا الأول في الخطابة والإلمام بدقائق المسائل والمعاني الإسلامية الحية.

طاف الأستاذ سعيد رمضان بجميع البلاد الإسلامية بلدا بلدا، ومعظم الممالك الغربية، وأعانه على هذا تغيبه عن مصر خلال محنة الإخوان، فقد أصدرت الحكومة وقتذاك الأمر باعتقاله، وهو يطوف بالبلاد العربية داعيا إلى الله تعالى، واستطاع أن يصل إلى الباكستان خشية أن تستجيب الحكومات العربية إلى رجاء الحكومة المصرية فتسلمه إليها، وفي الباكستان نال مكانة مرموقة في ميدان السياسة الإسلامية، ولم يعد إلى مصر إلا بعد أن انجلت المحنة وتلاشت السحب.

ومما لا ريب فيه أن الأستاذ سعيد رمضان أفاد خبرة واسعة من جولته التي استغرقت بضع سنين، فقد اتصل بالشعوب الإسلامية كلها، وتعرف على آلامها وآمالها، ودرس وناقش قضاياها، وألم إلماما دقيقا بشؤونها وأحوالها، ووقف على الكثير من أسرارها وخفايا أمورها، كما اتصل بزعماء المسلمين، وسبر أغوارهم، وخبر جهادهم ومطامعهم، فإذا أضفت إلى خبرته هذه تمكنه من دعوة الإخوان المسلمين، وإسهامه بنصيب ملموس وجهد مشكور في مجلة الشهاب، أيقنت بأنه جدير كل الجدارة بأن يخرج للمسلمين مجلته (المسلمون).

لقد مضى على (المسلمون) عام، وهاهي ذي قد بدأت منذ أيام عامها الثاني، وأمسكنا القلم طيلة العام الماضي والأول من حياتها حتى تكمله، فنستطيع أن نحكم لها أو عليها، غاضين الطرف عن الأخوة التي تربطنا بصاحبها ومؤسسها، لأن النقد البريء الخالص يجب أن ينسى حياله كل عاطفة، وتهمل كل محسوبية.

اتضح لنا أن (للمسلمين) هدفين: الأول تقديم زاد إسلامي مصفى، من موارد موثوق بها، وثقافة إسلامية عذبة مطمأن إليها، وتاريخ صادق معتمد لا زيف ولا شائبة فيه. والهدف الآخر احتضان قضايا الشعوب المسلمة ومشكلاتها، وتحليل آلامها وأوجاعها. أما الهدف الأول فقد وفقت فيه توفيقا كاملا تغبط عليه، وأما الهدف الآخر فلم تزل تسير نحو تحقيقه بخطى وئيدة، وكان المنتظر أن توفق (المسلمون) التوفيق الكامل في الهدف الآخر. وفي حقائب الأستاذ سيد رمضان من المواد والمعلومات التي جمعها من جولته، ما تضيق عن استيعابها الأسفار الضخام، وقد سبق أن ناقشته هذا النقص فأبدى من الأعذار ما أعتقد اليوم زوال أسبابها، وفي العدد الأول من السنة الثانية لمسنا عناية ملموسة بالأوطان الإسلامية وقضايا شعوبها، نرجو أن تزداد في المستقبل إن شاء الله تعالى.

وفي المجلة موضوعات يمكن الاستغناء عنها مؤقتا، لأن حالة المسلمين لا تستدعي هذه البحوث الجدلية التي لا صلة لها بحاجتهم، وهم أحوج ما يكونون إلى المعاني الجديدة الحية، التي تضيء أذهانهم، وتثقف أفكارهم، وتنمي ملكات التفكير ملكات التفكير فيهم، وتصون عقائدهم مما شابها من الدخل، وكتابها من المبرزين المعدودين في الشرق الإسلامي والحمد لله.

وبعد فيمكننا أن نقول - غير محابين - إن مجلة (المسلمون) قد ملأت الفراغ الذي تركته العروة الوثقى والمنار والشهاب، وإن الداعية الكبير الأستاذ سعيد رمضان جدير بأن يكون ربانها، ليقطع بها المراحل، فتصل إلى الشعوب المسلمة على اختلافها، لأنها غذائها الطيب الشهي، ولسانها المعبر عن مشاعرها وعواطفها.

محمد عبد الله السمان