مجلة الرسالة/العدد 1013/من شعر الوطني

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 1013/من شعر الوطني

ملاحظات: بتاريخ: 01 - 12 - 1952



بين عهدين

للأستاذ محمد عثمان الصمدي

صار هزل الأمور في مصر جداً ... رب هيئ لها سداداً ورشدا

لم تزل تعرك النوائب حتى ... جعل الله للنوائب حدا

قيض الله للظلوم رجالاً ... صدقوا مصر أن في مصر جندا

يا لها لحظة تذبذبت الأقدار ... فيها بالقوم نحسا وسعدا

لم تكن غير جولة إثر أخرى ... جد فيها النضال أخذا وردا

ثم أجلت عن خلعه خلع نير ... لم يجد حاملوه من ذاك بدا

لا تظنوا به الظنون وقولوا ... : ظالم مهدوا لها فاستبدا

كم أراد الخنا إليهم فألفى ... كل شيء كما أراد معدا

وكم استلهموا فنون هواه ... حسبه عنده ودينا يؤدى

طالما قربوا القرابين زلفى ... منه واستنفدوا التسابيح حمدا

ما يبالون حين يدنون منه ... نضب النيل أو جرى النيل شهدا

ليت قوما مصوا الدماء عناهم ... أن يصح الجريح عرقا وجلدا

شد ما استنزفوا الدماء وأبقوا ... بعدها في الفؤاد جرحا ممدا

أهدروا قوة البلاد فأرضوا ... سيدين المحتل والمستبدا

ليس يعيهم من الشعب إلا ... أن يسوسوه سادة وعبدى

جعلوه صفين يرقب كل ... بأخيه ريب الزمان الاشدا

بئس ما اذكوا العداوة فيه ... بين صفيه والخصم الالدا

ويمينا لم يؤثروا الحكم إلا ... ليفيدوا جاها ومالا ومجدا

واسألوا الشعب كم أباحوا حماه ... واستخفوا به عوقا وجحدا

سلبوه قوام كل حياة ... كيف يحيا وما عن الخبز معدى

ولعمري ما أعوز الخبز شعباً ... وهو يرجو التحرير إلا وأكدى

أي ولاة الأمور فيما بلونا ... كم وأدتم من النوابغ وأد ما غناء النبوغ إن ظل يسعى ... ناشداً قوته دؤوباً مجدا

وإذا استأثر المعاش بجهدي ... كله فالخمول لا شك أجدى

أي شعب يا قوم حقق مسعى ... في المعالي ولم يكن مستعدا

إن أقوى الشعوب في الأرض شعب ... عاش عيش الكريم فراداً ففردا

لم يفرق أبناءه حاكموه ... وفق ما يشتهون مولى وعبدا

وليقل لي المرتاب ماذا استردوا ... من حقوق أحرى بأن تستردا

أم تراهم أجلوا عن النيل رهطاً ... كم جهدنا أن يطردوا منه طردا

ودع الغاصبين يا صاح وانظر ... كيف عاثوا في الحكم حلاً وعقدا

يبتنون الدعام حتى إذا ما ... لم تقهم انحوا عليهن هدا

آية الرأي عندهم أن يدوروا ... حيث دار الدخيل جورا وقصدا

ما لقطب داروا عليه زمانا ... لم يدع برهة ولم يخل عهدا

نزلوا عند أمره واستمدوا ... منه عونا هيهات أن يستمدا

وهو فيما يدور يمنى ويسرى ... لم يرغ غير وكده ذاك وكدا

قد تواصوا بالبغي حتى حسبنا ... أن نص الدستور ينميه بندا

فتراهم يجرون جرى المذاكي ... في المخازى حشدا يسابق حشدا

ليت من يستدر ضرعاً حرماً ... كلأ الشاة مشفقاً أن تندا

أخمدوا جذوة النفوس فبعدا ... لألاء القوام بالأمر بعدا

واستذلوا السواد بالبؤس حتى ... بايعوهم أن ينفد العمر كدا

أيهذا اللواء إياك نعني ... قد وجدنا فيك اللواء المفدى

إنما أنت يا نجيب شعاع ... تجتويه العيون إن كن رمدا

أي زعيم البلاد نحن انضوينا ... تحت ظل اللواء له جندا

أنت أنت الزعيم ماد دمت تسعى ... هكذا في البلاد لم تأل جهدا

قد نبذت الإقطاع فانبذ بنيه ... لا تدع والدا ولا تبق ولدا

يا له ماردا قضى وتراه ... نابضا في ذيوله ليس يهدا

في شرايينه ذماء سيبقى ... رغم فرط البلى مغيظاً مغدا وسم العصر بالتسلط فانظر ... كيف تخلى المعد مما أعدا

وأرى المرء ليس يبلغ سؤلا ... جل شأنا أو دق حتى يجدا

وبحسب الراقين أن قد اعدوا ... رقية تصرع الطواغيت لدا

ساسة النيل إن بالنيل شوقاً ... لزوال الفساد عنه ووجدا

فسد الأمر كله في حمانا ... ليت شعري هل يعقب الجزر مدا

وثب الجيش حيث توعد مصر ... حقها في المعاش خفضاً ورغدا

فقوانين ماتني إثر أخرى ... تعد الخفض أو تفي فيه وعدا

ولعل القانون ليس بمجد ... وحده في البلاد ما لم تعدا

فأعدوا الحمى لما سوف يلقى ... بعد حين يمرد على الوعي مردا

إن أعصى الأشياء ما في السجايا ... من عناد أدى بها حيث أدى

صار هزل الأمور في مصر جداً ... رب هيئ لها سداداً ورشدا

وأجنب الشعب أن يضل هداه ... واجعل الجيش واقفاً منه ردا

محمد عثمان الصمدي