مجلة الرسالة/العدد 1010/الأدب والفن في أسبوع

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 1010/الأدب والفن في أسبوع

ملاحظات: بتاريخ: 10 - 11 - 1952



للأستاذ أنور الجندي

. . . والمسرح أيضاً

ما تزال (البندقية) تتصدر الحركة الأدبية والفنية في هذه الأيام فهي بعد أن فضت مؤتمر الفنانين الذي عقد في شهر سبتمبر الماضي، جمعت مؤتمر المعهد الدولي للمسرح خلال الشهر المنصرم، واشتركت فيه 16 دولة أوربية وآسيوية وأمريكية وعنى المؤتمر بعلاج المشكلات والعقبات التي تقف دون تقدم الفن المسرحي، على أساس مطالبة الدولة بمساعدة مالية دون أن تفرض رقابتها سواء من الناحية السياسية والفكرية والفنية، كما نظر المؤتمر في ضرورة مقاومة الاستقلال الذي يقوم بين الوسطاء بين المسرح والجمهور، وصون حقوق المخرجين والفنيين الذين يقومون بإعداد المسرح وترتيبه.

وبينما كان هذا المؤتمر منعقداً في البندقية، انعقد في باريس اجتماع اليونسكو لدراسة (حق الإنسان في المساهمة في الحياة الثقافية) بعد أن عهد إلى مجموعة من المربين بدراسة هذه المشكلة وإيجاد حل إيجابي لها.

حق الأديب في الحياة الكريمة

في هذا الوقت الذي توقع فيه اتفاقية حقوق المؤلفين في البندقية، تدور في الصحف العربية معركة، مشتركة، لا ادري كيف تلاقت الأفكار حولها دون سابق ارتباط.

ففي صحيفة (العمل) التي تصدر في لبنان مقالة بعنوان (الموهوبون) يقول فيه كاتبه الأستاذ راجي الراعي:

(منذ خلقالأدب والفن والأديب والفنان مظلوم محروم، ونحن نعلم أن الآلام هي القيثارة التي تحمل أوتار الأديب، والدواة التي يغمس فيها قلمه، والعرائس التي تأتيه بالروائع، وأن بين الرعشات والتنهدات والعبرات والجراحات تهبط الآيات الخالدات، فلا نريد أن نخرجه من دنياه، ولكننا نريد له جوا فسيحاً مريحاً يتسع لجناحه، وبيتاً يملكه وفيه القليل الذي لابد منه ليلد الكثير الذي يتمخض به خياله، وحديقة ينتشق فيها الورود ليأتيك بورود. ونريد له ما يبتاع به الضمادة والرداء، وما تتطلبه المعدة القاهرة التي لا تعرف الهدنة والعياء. وما يقيه قيظ الصيف وزمهرير الشتاء. . شر الظلم هذا الذي يعانيه صاحب الوحي والقلم، ولقد حان لنا أن نرفع الموهوب إلى المكانة التي تليق به وأن نريحه من الأئبار التي تدميه. . .).

الرصافي أحد الضحايا

وفي نفس الوقت تنشر جريدة (النبأ) في العراق مقالاً للأستاذ عبد القادر رشيد الناصري يقول:

(أرأيت كيف يعيش الرصافي؟!)

اشك بأنه مات من سوء التغذية! وانه كان لا يجد بعض الأحايين ثمن الدواء الذي يقرره له أصدقاؤه الأطباء!

أهكذا يجب أن يعيش العباقرة لمجرد انهم شعراء بينما غيرهم من الجهلة واللصوص يسكنون القصور الفارهة والبيوت الشامخة.

قد تقول. . . لم لم يجار السلطات الحاكمة ليعيش برفاه، وهنا بيت القصيد وعله العلل. الرصافي كرجل وكشاعر في زمن وصل فيه الظلم الاجتماعي إلى التدهور، وليس من العدالة أن لا يدخل في حلبة السياسة ليذب عن المظلومين وينافح عن المنكوبين من أبناء الشعب، ولو إنه ترك السياسة في سبيل العيش الرغيد والمنصب الرفيع كان مجرما بحق رسالته التي كافح من اجلها راضيا صابرا رغم بوسه وجوعه وعذابه.

وإذا اشتغل الشاعر بالسياسة وكان ضد الحكومة والسلطة الحاكمة، والرجال الذين بيدهم الأمر والحل والربط، فيجب أن يموت جوعاً لأنه لا يمشي في ركابهم).

الألم العبقريليس ألم الجوع

في عدد آخر من جريدة (النبأ) يقول الكاتب (أن الأديب الشاعر لا يمكنه أن يبدع ويخلق وينتج ما هو خالد وجدير بالبقاء ما لم يتنعم على الأقل بمباهج الدنيا لأنني اختلف مع الذين يقولون أن الجوع يخلق، ولا ادري كيف يمكن الإنسان الجائع أن يفكر تفكير صحيح، إذاكانت معدته خاوية! واضن أن شوقي عندما قال:

تفردت بالألم العبقري ... وانبغ ما في الحياة الألم لم يك يقصد بالألم العبقري ألم الجوع.

ومعنا هذا أن القضية واحدة، ومتصلة، ولكنها قضية الشرق كله واعتقد أن الذي آثار هذا الحديث في مختلف صحف البلاد العربية هو ما ذكره الدكتور طه حسين في مؤتمر البندقية عن حق الأديب في الحياة.

ألوان. . .

من أخبار هذا الأسبوع الأدبية الإفراج عن كتاب (المعذبون في الأرض) وقد سعدت بلقاء الأستاذ العميد مساء الخميس، وحضر الاجتماع كاتبين من كتاب الشباب.

وقد تحدث الدكتور مع أحدهما عن رأيهفي أسلوب الشباب الأدبي، معلق على كتاب من الكتب. . . فقال انه يكره جداً للشباب هذا الاتجاه نحو العامية فيما يكتبون، وان في اللغة الفصيحة ما يمكن الكاتب من أن يبلغ نفوس القراء إذا كان يريد الحديث إلى أدنى طبقاتهم واقلها ثقافة.

وذكر في هذا المجال عبارة الفيلسوف اليوناني القديم (قبل كل شيء يجب أن تتكلم اليونانية).

وجاء ذكر الأستاذ محمد السباعي فقال العميد أن ممن استفدت منهم حقيقة، وممن لهم الفضل الأول في إعطائي صورة عنالأدب الإنجليزي، وأن أول شيء قرأته عن سبنسر كان عن طريق ترجمة السباعي. . وأضاف الدكتور أن من خير ما أعجبه من إنتاج السباعي كتاب الصور.

ومما يذكر في هذا المجال أن مكتبه المعارف قد أخرجت للعميد كتاباً جديداً ضخماً اختار له اسم ألوان. . . وهو خلاصة حية لفنون الأدب العالمي المعاصر (وألوانه).

بين الرافعي وشوقي

أشار الأستاذ (كمال النجمي) في كلمة له في (الجمهور المصري) عن خصومات شوقي بين الرافعي والعقاد وجملة رأيه في هذا أن الرافعي غير رأيه في شوقي، وان العقاد ضل مصر على رأيه فيه إلى النهاية. . وهذا الرأي بعد أن تبين للأستاذ النجمي، أن ما كتبه الأستاذ شفيق منصور عن الكتاب (الذي لم يصدر عن شوقي، كان مجرد مداعبة للكاتب في مناسبة ذكرى أمير الشعراء.

ومما يذكر في هذا المجال أن الرافعي قال في كلمته التي نشرها المقتطف بعد وفاة شوقي أن السر في عبقرية شوقي انه لم يكن (مصريا). . وقد أزعجت هذه العبارة المرحوم الشيخ عبد الله عفيفي ففتح بابا أسبوعياً في جريدة البلاغ عنوانه (مصر الشاعرة) ظل يختار في كل أسبوع لمحات من قصائد الشعراء المصريين طوال العصور الماضية تعزيزاً لهجومه على رأي المرحوم الأستاذ الرافعي.

ومن الذين غيروا رأيهم في (شوقي) الدكتور هيكل. . فبعد أن كتب مقدمة الشوقيات كتب فصولاً في السياسة في مهاجمة شوقي.

حول الأدب النسوي

أرسلت إلى الكاتبة (ل. س) قصائد من الشعر المنثور ترغب في نشرها في الرسالة. . . فقد هاجمت الرأي الذي أعلنته في إحدى المقالات السابقة (عنالأدب النسوي).

تقول: أدهشني يا سيدي انك تتجنى على المرأة بغير شفقة ناسيا أو متناسي تلك القطعة النثرية الرائعة التي كتبتها (ابنة الشاطئ) والتي مطلعها

(شاقني أن ارفع إليك نجواي. . . وقد فصلتني عنك قطعة من الزمان. .)

. . والحق إنني لا اعرف أن للسيدة الدكتورة بنت الشاطئ شعراً منثوراً. . أما أنني أتجنى على المرأة. . فلا وألف مرة لا

أنا على ثقة بان (الأدب النسوي) لم يكتب بعد، وان كل ما يكتب الآن ما هو إلا لمحات عامة، لم تأخذ بعد الصورة النهائية الواضحة. . الجديرة بان يطلق عليها هذا الاسم.

صحيح أنني اقرأ هذه الأيام لأسماء جديدة:

. . . الزهرة، الزهراء، نعمات احمد فؤاد، نفيسة الشيخ، ولكني لا زلت أرى هذه البراعم ما تزال في طريق النضوج، ولا يمكن الحكم عليها.

قائمة سوداء

. . أما قصيدة الشعر المنثور، (قائمة سوداء) التي تفضلت السيدة بإرسالها إليَّ فان في روحها معاني لامعة حية، تدل على نفسية مجربة خبيرة، قاست من الحياة وعانت. . فما المانع أن تصاغ هذه التجربة النفيسة النفسية في قصة. إنها إذن تكون غاية في القوة والروعة، ولم تتردد الرسالة في نشرها.

وأني لأرجو أن تتفضل الكاتبة (ل. م) بان ترسل إليَّ عنوانها لأرد على المسائل التي سألتني عنها رداُ خاصاً لها، فهو مما لا ينشر على صفحات مجلة الرسالة. ولها تحياتي وإعجابي.

أنور الجندي