مجلة الرسالة/العدد 1007/الأدب والفن في أسبوع
مجلة الرسالة/العدد 1007/الأدب والفنّ في أسبوع
للأستاذ أنور الجندي
تلقى الأدباء ذلك النبأ الذي أعلنته الرسالة في العدد السابق، بأنها ستتجدد، وبأن الرواية ستعود إلى الصدور، بالفرح والابتهاج، فقد كان طبيعيا أن تجري الرسالة في موكب النهضة، وهي التي حمل صاحبها القلم منذ ثلاثين عاما يدافع له عن الفلاح والعامل، وطالب بحقوق الفقراء والضعفاء، ولطالما كانت مقالاتها هي صرخة الحق في وجه الباطل عندما كان الباطل قويا، ومتسلطا.
ولا شك أن الأدب العربي في حاجة إلى (الرواية) حاجته إلى المجلة القصصية الفنية، بعد أن انتشرت تلك الألوان المتهافتة من القصص.
والذين طالعوا الأعداد التي صدرت من الرواية في سنيها الثلاث مازالوا يذكرون ذلك الفيض الرائع من القصص العربية والمترجمة، المنقولة في أسلوب رفيع، وعلى نسق يكرم الذوق، ويغير الخلق، ويضع قواعد السمو والرجولة.
ويتصل بهذا أن الأستاذ الزيات قد أخذ يفرغ لهذا العمل بعد أن ترك مجلة الأزهر، وقد كانت عودته إلى الرسالة حبيبة إلى القراء الذين كانوا يطمعون في أن يوحد كاتبا الكبير جهوده في ميدانه الأصيل، ولا سيما بعد أن رسم لمجلة الأزهر الخطة المثلى، وأصبح على القائمين عليها أن يمضوا على نفس المنهج.
الكتاب الذين آثروا الانزواء
لفت نظري ذلك الكتاب المترجم الذي صدر هذا الأسبوع للدكتور محمد أبو طايلة، فقد آثر الدكتور أن يختفي وقتا طويلا عن دنيا الصحافة والأدب. . بعد أن ظل اسمه وقتا من أبرز الأسماء في الصحافة المصرية.
وقد جدد هذا الذكر في نظري البحث عن الأدباء الذين اختفوا في السنوات الأخيرة وآثروا أن يعيشوا حياتهم الخاصة يقرءون ولا ينتجون، لقد كنت أعرف أن (عقدة) نفسية قد طغت على بعض هذه النفوس فدفعت أصحابها إلى إيثار تطليق الحياة الأدبية والتوقف عن الإنتاج!
تلك هي غلبة الأدب الذي يطلقون عليه كلمة (الخفيف) والذي لا أراه صالحا لأن يك من ألوان الأدب. . . فقد مرت بمصر فترة، كانت الصحافة وهي التي تلمك زمام الإنتاج تحرص على أن تقدم للقراء تلك الألوان التي تتصل بالغرائز والرغبات الرخيصة.
وقد جندت لهذا اللون بعض كبار الكتاب الذين حرصوا على (القدر) الضخم من الأجر، متجاهلين تاريخهم القديم، وماضيهم المعروف.
ولاشك أن الأدب الرفيع قد تقلص تحت ضربات هذا اللون الجديد، وانزوى وآثر هؤلاء الأدباء الانزواء أيضا.
وقد حق لنا الآن أن نطالب هذه الأسماء بأن تستأنف جهودها وعملها مرة أخرى بعد أن بدأت بشائر النهضة الجديدة التي سيكون (الأدب الرفيع) من أول قواعدها.
السجل الثاني
نظرة واحدة في السجل الثاني الجديد عن سنة 1951 تعطي فكرة واضحة عن ضعف الإنتاج الأدبي خلال العام.
فعدد الكتب القوية التي يمكن أن يطلق عليها هذا الاسم قليل جدا، بل نادر، وإنما هي مجموعة من الكتب؛ صدرت على طريقة الصحف التي تطبع في سرعة وتكتب في سرعة. . والتي ليس فيها بحث عميق، ولا تأمل واضح، ولا دراسة رصينة.
إنما هي مجموعة من الأفكار، كتبت ونشرت، ولما تستوف عناصر الكمال. . فإذا نظرنا في الإحصائيات، وجدنا ظاهرة ضعف الإقبال على القراءة واضحة، غاية الوضوح.
فإذا كان القراء في مدينة كالقاهرة في خلال عام كامل لا يزيد عددهم على 192 ألف في جميع دور الكتب، الدار الرئيسية والدور الفرعية، أي بمعدل 524 قارئ في اليوم، فإن هذا يعطي صورة صحيحة لمدى (إقبال!) القراء على البحث والقراءة والدراسة، مع ملاحظة أن هناك عدد كبيرا - من هذا الرقم - من الطلبة الذين يعاودون التردد على الدار مرتين في اليوم الواحد! وخاصة أيام الامتحانات الأولى والملحقة.
القراءات: ضعف في الكم والكيف
. . وقد رأيت أن أعرف الألوان التي يقرأها شبابنا الذين يترددون على دور الكتب فوجدت في أيدي الشباب في سن السابعة عشر قصص: صورة دوريان جراي، وراسبوتين، وبيرون، وكرمن، وعربة اللذة وروايات موريس لبلان، عن أرسين لوبين.
وليس في قصة من هذه القصص ما يرفع مستوى الشباب من ناحية الفن والذوق أو الخيال أو الأدب، وإنما هي قصص هائجة مائجة، كلها شهوة وإثم وفجور وسرقات.
أنا لا أعيب قراءة القصة الممتازة، كقصص شكسبير وبرناردشو وجوته ولامرتين. .، فهي تربي في الشباب روح البيان والإنشاء والكتابة.
وإذا كنا نعيب على الشباب البعد عن القراءة، بصفة عامة والقراء النافعة بصفة خاصة. . فإننا لا ننسى أن نذكر أن وسائل طلب الكتب في دار الكتب ما تزال معقدة، فإذا طلبت دوريات الصحف في الغروب قيل لك أنه ليس بالمخزن نور، وإذا طلبت أكثر من أربع كتب رفض طلبك، هذا فضلا عن عدم وجود مراجع كاملة واضحة.
. . أما إذا كان هناك أديب من الأدباء أو مفكر من المفكرين يريد أن يبحث فنا أو مادة. . أو علماء، فإنه لا يجد ما يعينه إذا لم يكن له صديق من موظفي دار الكتب وتلك ملاحظات خفيفة نهديها إلى الأستاذ الكبير توفيق الحكيم.
أدب الجيش وتاريخه
من الملاحظة أن تاريخ الجيش المصري لم يكتب بعد على وجه موسوعي أو كامل. . وذلك نقص، إن كنا قد قصنا فيه في الماضي، فإننا يجب أن نتلافاه اليوم.
الحق أن جيشنا له تاريخ مشرق، منذ عهد طويل، منذ الفراعنة عند طرد الهكسوس. . وعندما وقف وقفته في كوتاهية، ومواقفه في فتح عكا وبطولته في عين جالوت.
وهو الجيش المصري الذي رد الصليبيين، في المنصورة ودمياط، ورجاله الأبطال الذين أسروا قلب الأسد ملك إنجلترا، والقديس لويس إمبراطور فرنسا.
. . ونحن الآن نطالب بأن يكتب تاريخ الجيش من جديد على ضوء البطولة الرائعة التي سجلها منذ سبعين عاما عندما زحف عرابي على قصر عابدين، وبعد سبعين عاما عندما زحف محمد نجيب على قصر رأس التين وخلع الفاروق.
إن في تاريخ جيشنا، مواقف كثيرة مشرفة، جديرة بأن تكتب على طريقة الأدب والفن لا على طرقة التأريخ، وأن بعض هذه المواقف، جدير بأن ينقل إلى السينما. .، فقد رأينا الكثير من الأفلام السينمائية التي صورت أجزاء من تاريخنا في أوضاع مشوهة،. . وحق لنا في عهد النهضة أن نرد عن كرامتنا ونذود عن تاريخنا بعض ما أصيب به في العهد الماضي من أخطاء، وإهمال!!
الأدب النسوي
يعرف قراء الصحف اليومية، ما قيل من أن الدكتورة (بنت الشاطئ) سترفع دعوى على بعض المخرجين السينمائيين لأنهم أطلقوا اسمها على فلم من الأفلام السينمائية.
وقد عادت الدكتورة في الأسبوع الماضي من رحلتها إلى أوربا هذه الرحلة الخامسة من رحلاتها السنوية التي جعلتها في السنوات الأخيرة جزءاً من برنامجها.
وقد كانت هذه الرحلات زاداً للكاتبة الكبيرة أضافت خبرتها، حين قرأت عن هذه البلاد، خبرة جديدة وتجارب واسعة زادت خبرتها سعة وتجاربها قوة وحيوية.
ونحن نطمع أن تخرج رسالة ضخمة عن هذه الرحلات.
وإذا كانت الدكتور (بنت الشاطئ) بصدد إخراج كتاب (صور من حياتهن) الذي سيظهر خلال هذا الشهر فإننا نتساءل الآن عما تقرأ المرأة!
والواقع أنه ليس هناك أدب نسوي بالمعنى المعروف، وكتابات أمينة السعيد، وبنت الشاطئ، وسهير القلماوي،. . كلها كتابات مسترجلة، ليس لها طابع نسوي بمعنى الكلمة!
ومن الناحية الأخرى فإن قراءات المرأة في مجموعها ضعيف ومشتتة، والمرأة المصرية المثقفة عندنا في - الواقع لا تقرأ. . إن تكن تكره زوجها إذا كان يحب القراءة. . - وإذا قرأت فهي تقرأ الاثنين وآخر ساعة والمصور!. .
ولا نعتقد أن مثل هذه القراءات تكفي لتربية الذوق الفني أو الأدبي في المرأة المثقفة!
ونحن نرجو أن يتيح العهد الجديد للمرأة إنشاء أدب نسوي. . له طابعه الخاص. . يجري مع النهضة الحديثة!! ويكون طابع المرأة الجديدة.
أنور الجندي