مجلة الرسالة/العدد 10/من بريد الرسالة
مجلة الرسالة/العدد 10/من بريد الرسالة
بين الرسالة والمرأة
في بريد الرسالة بالأمس كتاب بالفرنسية، أنيق الشكل، جيد الخط، رائق الأسلوب، في رأسه وفي ذيله قرأته فذكرت بأسلوبه وإمضائه تلك المقالات الرقيقة التي كانت تتألق بالذكاء النسوي المصري في صدر (الليبرتيه) أيام كان يصدرها الأستاذ (ليون كاسترو). وسواء أكانت (الحياتان) واحدة أم اثنتين، فأن الأدب الذي يصدر عن هذه النفس والثقافة التي تظهر في هذا الأدب، يحملاننا على أن نناقش الآنسة الفاضلة في هدوء المنطق، ونعاتبها في حدود الرفق، ولا أقول إني أصطنع القول اللين، والحجاج الهين، لأن ذلك واجب الرجل في خطاب المرأة، فأن الآنسة تقول: (وما اعترفت منذ عرفت الرجل وسبرت قواه في مطالعاتي واختباراتي أن له من المزايا الفطرة ما يجعله قيماً على المرأة، وأن من هوان نفسي عليّ أن أقبل منه العطف لأني ضعيفة، أو اللطف لأني امرأة. . .)
شغلت الآنسة الصفحة الأولى من كتابها، بتقريظ الرسالة وكتابها ونحن مع الشكر لها نعتقد مخلصين أن مجهود الرسالة لا يزال لضآلته أبعد ما يكون عن تحقيق الأمل واستحقاق الحمد، ثم قالت: (ليس قصدي من هذه الكلمة أن أكون معك أو عليك فيما كتبته موفقاً عن المرأة، فأني أعتقد أن هذه المسألة لا تتعلق إلا بنا، ولا يكون الحكم فيها إلا لنا، وما دخول الرجل فيها إلا أثر من اعتقاده القديم أن في يده زمام هذا الجنس المنكوب يرخيه ويشده على هواه ` والأمر لا يخرج على كونه نظاماً طبيعياً يجري على سنة الحياة من هيمنة القوة على الضعف، وطغيان الأثرة الباغية على العدل الذليل. . . فحرية المرأة كحرية الأمة سبيلها الفعل وحجتهما القوة، أما الدفاع بالقول والإقناع بالحق فأصوات مبهمة كزفيف الريح المحبوسة في مخارم الجبل لا تدل على الطريق ولا تساعد على الفرج. لا أقصد كما قلت أن أناقش رجلاً في موضوع لا شأن له به، إنما أريد أن أقول لك إذا كان رأيك في المرأة هذا الرأي، وعطفك عليها هذا العطف، فلم حرمتها أن يكون لثقافتها مظهر في الرسالة بجانب ثقافة الرجل؟ فإن من يقرأ الرسالة في غير مصر يظنها تصدر عن بلاد كبلاد (الأسطورة الصينية) ليس فيها امرأة. .
سأنزل في الجواب على إرادة الآنسة (حياة) فلا أخوض معها في حديث المرأة، ولا أعت عليها في انتقاص الرجل، مادام الفصل في خصومة الجنسين للطبيعة لا لأحدهما.
سأقصره إذن على ما أخذته الآنسة على الرسالة من إغفالها ثقافة المرأة، ونحن في ذلك إنما نجري على مذهبها الذي ارتضته وأعلته فلم نرد أن يتحدث الرجال عن شؤون النساء الخاصة، وفتحنا الباب ومنعنا أن يدخل منه غير أهله، ثم انتظرنا أن يصل إليه شيء يدل بقيمته وقوته على النهضة النسائية المزعومة، فلم يأتنا بعد تسعة أعداد من الرسالة إلا كتابان: أحدهما منك والآخر من آنسة تسمى (عفيفة سيد، شارع الشيخة صباح، طنطا).
فأما كتابك يا سيدتي فقد قبلته الرسالة (موضوعاً) ورفضته (شكلاً) لأن كتابك إياه بالفرنسية الخالصة تدل على تلك الثقافة الشوهاء التي لا ترضاها الرسالة للفتاة. فهل تظنين أن العربية تقل جمالاً في الفم الجميل والقلم المذهب عن الفرنسية؟ وهل تظنين أن جَرْس العربية يقل إمتاعاً في الصالون، وإيقاعا في (النجوى) عن جرس الفرنسية؟ وهل تعتقدين أن المصرية لا تكون حديثة لنشأة ولا عصرية الثقافة إلا إذا كتبت بالفرنسية، أو ارتضخت لكنة أجنبية؟ إن المصارف والمتاجر والشركات وأرباب الامتيازات يحتقرون العربية لأنهم (الانديجين) وأولئك الانديجين لا يزالون من خدر الذل في بلادة صماء يضيع فيها وخز الإهانة! ولكنك يا سيدتي تسمين حياة، وتشيرين في كتابك إلى حفظ القرآن وإقامة الصلاة. فكيف تسيئين بنفسك إلى كرامتك. وبيدك إلى لسانك!؟
هذا كتابك وهو في رأيي محتاج إلى عفو الوطن. أما كتاب الآنسة الأخرى فهو بالعربية، ولكنه عبث طفلي ترجين وأرجو أن يقف داؤه عند الآنسة (عفيفة) أتدرين علام لصقت غلافه؟ لصقته على رسالة ومقالة! فالرسالة تعتب علينا في إغفالنا باب المرأة. وترغب إلينا في نشر المقالة (وهي كما تقول قطعة بقلمها تشجيعاً لها ولزميلاتها على الكتابة. .) والمقالة عنوانها (قبلة حية في رسالة) وتقرئيها، ومعاذ الله إن تقرئيها، فإذا المتكلم عاشق داعر، وإذا المخاطب معشوقة هلوك!! فخبريني يا سيدتي هل استجملت الناقة، أم طبقت الآنسة مذهب (لاجارسون) حتى في هذه العلاقة؟ وهل يروقك بعد ذلك إن تكون لثقافة المصرية في الرسالة هذا المظهر الأجنبي، أو ذلك العبث الخلقي؟؟
بين النجف وبغداد
روينا في هذا المكان من العدد الثامن إن وزارة المعارف العراقية، رغبت في تغيير الأناشيد المدرسية، فقدمت إليها على الفور (جمعية الرابطة الأدبية في بغداد) ثلاثين نشيداً. . . ولكن كتاباً من النجف جاءنا اليوم يصحح الرواية ويقول: (إن الأناشيد نتاج قرائح الرابطة العلمية الأدبية بالنجف الأشرف مركز الثقافة العربية) ونحن نعلن هذا التصريح ونزيد عليه إن الشعر في العراق فراتي لا يستسيغ (كثيراً) ماء دجلة، ولنا على هذا الرأي تدليل سننشره في يوم قريب. ولئن عناك أن تسأل بعد ذاك عما صنعته (الرابطة الأدبية في بغداد) فأعلم إنها شربت الشاي مرة عند الرئيس، ومرة أخرى عند أحد الأعضاء، ثم أدركها الحر فرقدت بجانب (جمعية الثقافة العربية) في سرداب! ومن الذي تظنه يوقظها وقد هاجر البؤس بالرصافي إلى قرية الفلوجة، وظفر النعيم بالزهاوي إلى جوار الملك في شارع الأعظمية؟؟
أحمد حسن الزيات