مجلة البيان للبرقوقي/العدد 9/النقد والتقريظ
مجلة البيان للبرقوقي/العدد 9/النقد والتقريظ
حديث القمر
نوهنا في غير هذا الموضع من البيان بكتاب حديث القمر لشاعرنا وأديبنا الكبير السيد مصطفى صادق الرافعي ونشرنا هناك مقدمته البليغة ونبذة من الفصل الأول منه. وقد صدر الكتاب مفصلاً إلى تسعة فصول ضافية في نيف وسبعين ومائة صفحة ونبه صاحبه على ظاهره أنه كتبه على نمط خاص من الكتابة العربية يجعل طالب الإنشاء بإدمان قراءته وتأمله منشئاً إذ يربي فيه ملكة التخيل الصحيح التي هي أساس البلاغة ولا بلاغة بدونها.
ونحن نقول أننا تناولنا هذا الكتاب فما زلنا حتى فرغنا منه ونظن أن القراءة على اختلاف أذواقهم سيجدون من ذلك ما وجدنا فإن الكتاب جذاب يأخذ بمجامع القلوب ويستهويها بما فيه من الأساليب الشعرية العالية والتصورات المبتكرة المونقة والمعاني الفلسفية الراقية التي تدور كلها على ما يضرب له القلب الإنساني كوصف الجمال وتحليله كل في مظاهره من الإنسان والطبيعة والعواطف ونحوها والقول في أمهات المسائل الاجتماعية الكبرى كالسعادة والفقر وآلام الحياة وأحزانها وما إليها ثم التبسط على وجه بديع في مسئلة المسائل الإنسانية التي طرفاها الإيمان والإلحاد. وكل ذلك وما تخلله مما اقتضاه سياق الكلام يجري على طريقة امتزج فيها الشعر بالفلسفة الحكيمة والجد بالتهكم الرقيق في صفاء من اللغة واطراد من التعبير وجزالة من الأسلوب إلى دقة في الوصف. وإبداع في الرصف. وما شئت مما يجعل الكتاب نسيج وحده، ويدني به النفس إلى غاية الكمال وحده.
وقد كشف لنا الرافعي بكتابه هذا عن حقيقة كانت هي السر في خيبة كثير من شبابنا الذين يطلبون وجوه الإجادة في الإنشاء ويبتغون لذلك الوسائل ثم لا يستطيعون لأنهم يعتمدون على حفظ بعض الرسائل والجمل اللغوية والنبذ المختارة من المنظوم والمنثور وهي لا تعطيهم أكثر من المادة الفظية التي هي صنعة اللسان والتي ليس من شأنها أن توجد المعاني وإنما توجدها المعاني ويهملون صنعة الفكر والتخيل التي عي الأصل في الإنشاء لأنها صنعة استنباط المعاني وتصويرها على ما تحس بها النفس فلا يكون من ذلك إلا أنهم ينتهون حيث يبتدئون ويعودون من آخر الطريق وكأنهم لما يبرحوا أولها ولا نعرف أحداً من أدبائنا فكر في تعليم الإنشاء على الطريقة التي ابتكرها الرافعي مع أنها الطريقة الطبيعية وما من كاتب قد نبغ في الكتابة إلا وهو يعرف من نفسه أنها كانت طريق نبوغه وإجادته والعيان يدلنا على أنه لو ظهر في الأمة ألف كاتب من كتاب الألفاظ لأخملهم كاتب واحد ينبغ بفكره وخياله ولأستبد بقصب السبق دونهم لأن الأمم لا تقاد بالألسنة ولكن بالعقول.
وهذه لغتنا العربية مملوءة بكتب الألفاظ وأساليبها حتى لا مزيد على ما عندنا منها ونحن مع ذلك أفقر الأمم كتاباً وأدباء بالمعنى الصحيح للكتابة والأدب فلو لم يكن الأمر على ما بيناه لكاثرنا شعوب الأرض بكتابنا وشعرائنا ولكان لنا في فنون القول ومذاهب الكلام مثل ما لهم أو بعضه وأين ذلك منا بل أين نحن منه وإنما أبرع كتابنا من برع في النقل والتعريب أو السلخ من كتابة كل أديب.
وبعد فحديث القمر كتاب كأنه قصيدة واحدة من أبلغ الشعر وأرقاه بل لا نظن أن الشعر وإن جوّد نظم وسبكة يبلغ مبلغ هذا النثر البديع من الفخامة والروعة وبلاغة التأثير فنحث كل من يطلب إمتاع نفسه باللذة العقلية أو الفائدة الكتابية على قراءته وتدبره فإنه ولا جرم يجده أولى بالضن وأحق بالحرص والعناية.
وهو يطلب من مكتبة البيان بمصر وثمنه خمسة غروش صحيحة عدا أجرة البريد وهي غرش واحد.
شرح الهاشميات
الهاشميات قصائد للكميت بن زيد الأسدي في مدح بني هاشم والعصبية لهم والنضح عنهم وهي أشبه بخطب سياسية مما يلقى لعهدنا في ندوة بعض الأحزاب الكبرى من عواصم أوروبا في نصر مبدء على مبدء ومظاهرة فريق على فريق ولذا خرجت من بارع الشع العربي وسريه بما بذل فيها الكميت من وجدانه. وما نفث من لسانه. وما استمد من شيطانه. وهي بعد من أقوى الحجج في اللغة وأجمل الآثار في البلاغة وقد جمعت إلى ذلك طول النفس وغزارة المادة مما لم يتأت لغيرها من شعر العرب - إلا قليلا - حتى جعلها الأدباء كأنها صنف من الشعر متميز بنفسه وحتى ضربوها في الأدب مثلاً وحتى استبدت هي بالكميت نفسه فلم يذكر له غيرها.
وقد عني بضبطها وشرحها شرحاً جميلاً حضرة الأديب الفاضل محمد أفندي محمود الرافعي وطبعها طبعاً متقناً فلا غرو أن تكون من غرض كل أديب لأنها في نفسها جديرة بذلك ولأنها في الاصطلاح مادة من أرقى مواد الأدب.
وهي تطلب من مكتبة البيان وثمنها خمسة غروش غير أجرة البريد وهو غرش واحد.
(تنبيه)
جاء في الرسالة التي نشرناها في هذا العدد من كتاب حضارة العرب في الأندلس ذكر لأرض انكبردة وأن العرب وصلوا في فتوحاتهم إليها ولكن فاتنا أن نبين في الهامش ماذا تسمي انكبردة الآن وقد كنا ظننا ظناً ليس بمعتمد على برهان قطعي أن انكبردة هي لمبردية كما يدل عليه تقويم العرب لها وأنها تتصل بأرض قلورية وأرض نابل وللتثبت من ذلك عمدنا إلى أستاذنا وصديقنا العالم الثبت المحقق سعادة أحمد زكي باشا فجاء إلينا من سعادته ما يأتي - قال أيده الله بعد ديباجة خطابه الكريم:
أما كلمة انكبردة فهي اسم لمقاطعة في إيطالية تعرف باسم لومبارديا وعندي أن النساخين كتبوها على طريق التسلسل هكذا (لمبرده) ولما كانت النون سابقة للميم فمن السهل إدغامها على ما هو معهود في العربية فكتب بعضهم بطريق السماع لنبرده ثم صدورها بأداة التعريف فقالوا (اللنبرده) ومن هنا جاء التصحيف فكتبوا (الكبردة) ثم (انكبردة) وبقي هذا الاسم لأخير.