مجلة البيان للبرقوقي/العدد 58/محاربة التدخين

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 58/محاربة التدخين

ملاحظات: بتاريخ: 30 - 11 - 1920



وهل تنجح

بالأمس صاح بالعالم صائح أن أبطلوا شرب الخمر وأكسروا اقداحها، وقامت جمعيات عدة أسمت نفسها جمعيات الاعتدال ومقاومة المسكرات. وخطت أمريكا الخطوة الأولى في هذا السبيل فمنعت شرب الخمور منعاً ينص عليه القانون. وطاردت الخمر مطاردة نخشى أن تكون رفعت من قيمة الخمر في نظر الذين حرموا كؤوسها. ومنعوا تعاطيها. إذ ألذ شيء للإنسان ما منع. واليوم أهاب بالإنسانية صوت آخر يحذر الإنسانية من خطر التدخين. ويوصي الدنيا بمقاطعة التبغ والتنباك والسيجار، إذ قام في أمريكا مؤتمر جديد. ليس على غرار عصبة الأمم. ولا مؤتمر فيننا. ولا أشباه تلك المؤتمرات السياسية التي تلعب بمستقبل الإنسانية. ولطالما لعبت به. ولكنه مؤتمر غريب في ذاته وفي مسماه. وهو ذلك الذي أسموه في الولايات المتحدة الأمريكية مؤتمر مقاومة الصالونات وإليه يرجع الفضل في مقاومة شرب المسكرات في تلك البلاد. وبعد أن أتم تلك الخدمة الجلى لصالح أمريكا انطلق يبحث عن شيء آخر يمنعه. فجاء دور للتدخين. فأعدت لحرية العدة. وأفرغت جميع مجهوداتها لمقاومته. وقد وجدت الطريق ممهدة لها منذ سنين. لأن موضوع إبطال التدخين لم يكن جديداً في أمريكا. لأن بدئ منذ سنوات عدة. وكان آخر ما كتب فيه رسالة صغيرة عنوانها النيكوتين بعد ذلك أي حال دون إبطال التبغ. أو المادة السامة التي يحتوي عليها التبغ. ونعني بها هذا النيكوتين اللعين. وقد ظهرت تلك الرسالة عام 1918. وقد قامت جمعية اليوم بنشره وتوزيعه على كافة الناس. وهي جمعية نسوية بالطبع لأن رائحة التبغ تؤلم النساء قبل كل إنسان أسمت نفسها جمعية الاتحاد على مقامة المسكرات والمنبهات. وليس هذا الكتيب وحده كل ما أخرجته تلك الجمعية من رسائل التحذير. بل لا تزال تخرج كتيباً ورسائل عدة. تشرح فيها للناس أن خطر التدخين ليس أهون على الدنيا من خطر الشراب وتبين لهم أن كثيرين من كبار أهل الدنيا وعظمائها وقوادها لم يكونوا مدخنين في حياتهم.

وقد قصرت تلك الجمعية وأخوات لها أكبر همها على منع الفتيان والشبان والأحداث من الوقوع في عادة التدخين المضرة فقالت: إن البراهين العلمية على ضرر التبغ للش والأحداث كثيرة لا يحصى لها عد. ولما كانت الأمهات لا تحب أن ترى أولادها وشبابها يدخنون. كان لا بد من أن تستمد المقاومة عون الأمهات. ولا ضرورة لنداخل التشريع في منع الشبان وغيرهم من التدخين. ولا حاجة إلى سن القوانين. ونص النصوص. وتحديد العقوبات. لإبطاله. بل ينبغي أن يقوم أمر إبطاله على احتفاظ الناس بأمر صحتهم وبصرهم بعواقب هذه العادات الضارة المؤذية.

وقد قفت علي آثار تلك الجمعية جمعية أخرى وهي معهد إطالة العمر في أمريكا. وهذا المعهد يقوم بعمل خطير لتهذيب الحياة. وحفظ صحة الشعب الأمريكي. وطريقتها في المراسلة. والبريد. فهي تقدم للناس المستنصحين النصائح الغالية بطريق البريد في مقابل أجور زهيدة. وتقوم بفحص المرضى المستشفين. وتبعث التقارير الصحية للجمعيات والأندية ولأصحاب المتاجر ولحوانيت لحفظ عمالها ورجالها. وقد جعلت في هذه الأيام الأخيرة تنشر رسالات صغيرة تحت هذا العنواناحفظ صحتك ومن هذه الكتيبات كتاب جديد كتبت فيه مسألة التدخين وأظهرت مضاره ووجوده وأذاه. من الوجهتين الصحية والمادية وهي ترجع معظم الأمراض والمتاعب البدنية إلى علة التدخين وقد قالت في أحد كتبها. في مدي الستة الأشهر المنصرمة كتب الكتاب نحواً من ثلثمائة ألف سطر ظهرت في نحو أربعمائة كتاب في موضوع ضرر التدخين وتصوير الخطر الذي ينجم عنه فمن شاء أن يقتنع بصحة ذلك فليقرأ تلك الكتب وليعلم أن التدخين ويل عظيم لا يقل عن الويل الذي تعانيه الإنسانية من الخمور.

على أن عدة ولايات من الجمهورية الأمريكية قد عمدت إلى سن القوانين التي تحرم التدخين تحريماً. ومن تلك لقوانين عدة نصوص على منع بيع التبغ للأشخاص الذين دون الثامنة عشر. ففي ولاية كانساس ينص القانون على ما يأتي يحظر بيع السجائر والسيجار أو تهريبها أو خزنه في مخزن عمومي يقصد التجارة. أو الإعلان عنها في المجلات أو نشر الإعلانات عنها في محطات السكة الحديد أو بيع المجلات التي تحوي إعلانات من هذا القبيل. ويحظر بيع أية مادة مدخنة للأشخاص الذين لا تتجاوز أعمارهم الحول الواحد والعشرين. وكذلك محظور على أصحاب المحلات التجارية أو على مصلحة السكة الحديد أو الترامواي أو غيرها من المصالح أن تبيع لعمالها الأحداث التدخين بأي شكل. ومن يخالف هذه القواعد يعاقب بغرامة من 25 جنيهاً إلى مائة جنيه عن إحدى هذه المخالفات.

ولكن لا ينبغي أن ننسى أن في هذه الناحية الأخرى فوائد كبرى لثروة البلاد من التبغ والدخان. وإذا بطل التدخين نقصت ثروة البلاد بنسب ما كان يرد إليها من الضرائب وأشباهها. ثم ل ينبغي أن ننسى كذلك ولوع الكثيرين من الكييفة الذين لا يستطيع أي عقوبة في الدنيا. ولا أية قوانين صارمة. أن تغريهم بترك التدخين.

فهل تنجح هذه الحرب التي أثيرت في وجه لفائف التبغ. هذا ما سيتمخض عنه المستقبل.