مجلة البيان للبرقوقي/العدد 57/جميس رول

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 57/جميس رول

ملاحظات: بتاريخ: 31 - 10 - 1920



أو دك وتنجتون القرن العشرين

يؤمن كثيرون بالحظوظ ويغالي بعضهم فيقول أن مستقبل الإنسان مرتبط بحظه لا بجده واجتهاده. ونحن لا نوافق على هذا الرأي ونعتقد أن اجتهاد الإنسان وحسن تصرفه وحزمه هي الصفات التي تضمن له الوصول إلى المرتبة التي تطمح بها نفسه إليها. وحسنا إذا أردنا أن نضرب مثلاً لذلك أن نشير إلى تواريخ الأبطال الذين رقوا المراتب العالية بعد أن كانوا في الحضيض. ومنهم المستر جميس رول محافظ لندن الحالي الذي نسوق إلى القراء شيئاً من نرجمة حياته نقلاً عنه.

يقول كثيرون إن الإنسان يصل إلى الدرجة التي تطمح نفسه إليها بحظه أكثر من اجتهاده ومثابرته. وأنا مع اعتقادي بالحظوظ لا أوافق هؤلاء فيما ذهبوا إليه بل أقول أن الجهد الذي يبذله الإنسان في سبيل الوصول إلى غايته هو أضمن طريق للنجاح وأحسن وسيلة للاحتفاظ بما ربحه. وأنا معتقد أنني ما كنت أتوصل إلى الدرجة التي أغبط نفسي عليها ألان وهي درجة محافظ لندن لولا اجتهادي ومثابرتي.

رباني والدي وأنا صغير في إحدى مدارس القرى الصغيرة في مدرسة ايست برست نيوفوريك. وكان في ذلك العهد مزارعاً بسيطاً فلم أحصل من التعليم إلا على النذر اليسير. ثم خرجت من هذه المدرسة ودخلت مدرسة أخرى صغيرة فلم أستفد فائدة تذكر. ولم يبتدئ تعليمي الحقيقي إلا بعد أن غادرت المدرسة.

ذهبت إلى لوندره في سن الرابعة عشرة ولم يخطر على بالي ذلك العهد أن أمتع نفسي برؤية مناظر شوارع لوندره كما كان يفعل سلفى دك وتنجتون بل كان فكري منصرفاً إلى الاستمرار في العمل بقدر ما وهبني الله من قوة وجلد وصبر على الشدائد. وقد فتح الله أمامي السبل فتوظفت في إحدى شركات التأمين براتب اسبوعي قدره ستة شلنات ومع أنني كنت أشعر بضجر وملل من هذه الوظيفة فقد عاهدت الله أن أذلل جميع العقبات التي كانت تعترضني في طريقي حتى أصل إلى القصد التي تطمح نفسي إليه وهو وظيفة وكيل لإحدى شركات التأمين.

كنت أذهب إلى محل عملي في الساعة الخامسة والنصف صباحاً وأعود إلى بيتي ف الساعة الحادية عشرة أي قبل منتصف الليل بساعة. وقد واظبت على هذا أسابيع وسنين. . بيد أن آمالي لم تقف عند هذا الحد فقد كان يجول في خاطري أن أصبح رئيساً في يوم من الأيام ولكنني كنت أعلم أن الإنسان لا يصل إلى مثل هذا المركز إلا إذا كان حائزاً لدرجة كبرى من الكفاءة فسعيت ولم ألبث بعد ذلك قليلاً حتى وصلت إلى أمنيتي المنشودة.

وإذا جيء إلي الآن بشاب يطلب إلى أن أدله على الخطة التي سيسير عليها في أمر مستقبله. سألته أن يجعل نصب عينه الغرض الذي يرمي إليه. فإذا قال لي أنه يتوق أن يكون مهندساً مثلاً قلت له أن هذا لا يكفي إذ هناك مهندسون مجيدون ومهندسون لا يفهمون شيئاً.

والواجب فعله أن يفكر جيداً في نوع المركز الذي تصبو نفسه إليه فإذا استقر رأيه سار في سبيل الحصول عليه.

وكم أسر الآن إذا تذكرت اليوم الذي دعيته فيه لأكون مديراً للشركة ولا شك في أنني ما وصلت إلى هذه الغاية إلا بعد أن صممت في بادئ الأمر على أن أكون أحسن وكيل للشركة ثم بعد ذلك أحسن رئيس لها. وقد كانت سياستي في كل ادوار حياتي أن أجعل نصب عيني الغرض الذي أرمي إليه فلا عجب إذا تحقق هذه السياسة.