مجلة البيان للبرقوقي/العدد 51/الحق صراح
مجلة البيان للبرقوقي/العدد 51/الحق صراح
غريب في أمر هذه المجلة - غريب أمرها للغاية التي لا بعدها - إذ كلما حز بها أمر، وأخذت بخناقها ضيقة مالية من جراء وكلائها، وخراب ذممهم وعبثهم بأموالها - وبهذا الجرم الدنيء - الجرم الذي لا ينال من صاحب المجلة نقول أنهم بهذا الجرم الخبيث الذي لا جرم مثله يقتصون الحين بعد الحين جناحي البيان فتكون النتيجة أنه يعجز عن أن يطير إليهم فيه - ويطول هذا العجز الشهر والشهرين والثلاثة حسب كمية هذا الجرم، فتذهب الظنون إذ ذاك مذاهبها ويكاد اليأس من ظهور المجلة مرة أخرى يتسرب لا إلى نفوس القراء فقط بل إلى القائم بالعمل نفسه. وعلى الرغم نم ذلك كله لا تكون إلا عشية أو ضحاها حتى يهيئ الله من أمرنا رشداً، ويتيح لهذه المجلة ما يقيلها من عثرتها، وينتاشها من وهدتها، فيرتاش البيان - ويرتاش أبدع الارتياش ويطير باسم الله مجراه، إلى من ينتظرون بشغف سراه.
ألم بالبيان في هذا العام ثلاث ملمات من نوع واحد، وذلك أن ايتلي ثلاثة من المخلوقات، عينوا وكلاء محصلين له في الجهات، حصل ثلاثتهم على نحو من خمسين ومائة جنيه، لم يحظ البيان منها بخمسين ومائة مليم، بينما ذلك المقدار كان يكون كافياً لإخراج خمسة أعداد البيان، فسببت هذه الملة المروعة عدم ظهور عددي نوفمبر وديسمبر لأن البيان من ابتداء سنته الثالثة يتأثر باشتراكاته تأثراً بيناً، فيهبط ويرتفع كالبارومتر يتأثر بالجو الذي يحيط به. . . فأخذنا نم ذلك المقيم المقعد، وصرنا بحيث لا نستقر على حال من القلق. إذ قد بذر الله في قلبنا حب هذا العمل ولا تعلق بالمضي فيه بصفة لا أدل عليها من ثباتنا فيه إلى اليوم على الرغم من أمثال هذه العقبات التي تكاد أكبر قوة ما دامت طريقة الحصول على الاشتراكات ترسل إلى الجريدة أو المجلة مباشرة دون واسطة، مجصل فلو أن هذه الطريقة تتبع في مصر لكان البيان اليوم على حال يحسد عليها. . . لكان يجاري اليوم مجلات الغرب ويلز الغرب معها في قرن.
أما بعد فلما رأينا البيان بهذه الحال أخذنا نبحث عن حيلة نخرج بها من هذا المأزق المتضايق فشغلنا أولاً بتأديب هؤلاء الخونة حتى يكون فيهم لمن بقى اعتبار ثم بعد ذلك لم نر أمامنا للحول على مبلغ من المال ندارك به حالة سوى ذلك الذماء الباقي لأولادنا فما كان منا إلا أن أزعجناهم إزعاجاً كأنا بهم لا ينسون أبد الدهر حرقته وذلك بأن أخذنا منهم أخذ عنيدهم، ثمن قطنهم، واشترينا به ورقاً يكفي البيان عاماً كاملاً، ثم اتفق أن شغلنا في تلك الآونة بحفلة البيان السنوية التي لم نوفق إلى إقامتها إلا في مساء يوم الخميس الموافق 2 يناير - والشيء يذكر بالشيء، فقد كانت حفلة هذا العام حفلة من أجمل حفلات! إذ مثلت فيها جمعية أنصار التمثيل رواية من أبدع روايات الدنيا وأروعها وهي رواية بني الوطنية أو الرسول التي نقلها من الفرنسية إلى العربية الكاتب المبدع عباس أفندي حافظ أحد كتاب هذه المجلة، وأهداها إلينا لتمثل في هذه الحفلة، وزاد هذه الحفلة رونقاً وجلالاً أن رأسها حضرة صاحب المعالي أحمد حشمت باشا الذي رأينا منه ما يصح معه أن نلقبه بحق - نصير العلم والأدب في مصر - وقد دعونا لتشريف هذه الحفلة كل من نعرف منه سمو الخلق ونبل الروح والغيرة على العلم والأدب في شخص هذه المجلة فكان في طليعة من أجابوا الدعوة حضرة صاحب المعالي عدلي يكن باشا وحضرة صاحب السعادة الوطني الكبير علي شعراوي باشا وحضرة صاحب السعادة الأديب الكبير أحمد تيمور باشا وحضرة صاحب السعادة محمود فخري باشا وحضرة صاحب السعادة عثمات مرتضى باشا وحضرة صاحب العزة ذي الحسب العد والإحساس المتفضل القاضي الفاضل السيد فوده بك القاضي بمحكمة مصر وحضرة صاحب العزة الوطني الغيور الهمام عبد الستار الباسل بك وحضرة صاحب العزة المهذب النبيل على محمود بك نجل حضرة صاحب السعادة محمود سليمان باشا وحضرة صاحب العزة العالم الجليل وشاعر العربية والتركية نور الدين مصطفى بك وحضرات أصحاب العزة الأفاضل الأماجد علي جلال بك القاضي بمحكمة مصر المختلطة وإبراهيم الهلباوي بك وإسماعيل شرين بك وأحمد ومحمد شريف صبري بك والعالم الفاضل السيد مصطفى عبد الرزاق وسعادة الأصولي الفاضل محمد أسعد بك وسعادة الشاب الكبير علي توفيق بك ومحمد محمود جلال بك إلى كثير من كرائم السيدات وطلبة المدارس وتلاميذها وقد ألقيت خلال فصول الرواية منولوجات وطنية جميلة آية في الإبداع وختمت الحفلة بأن ألقى كاتب هذه الأسطر كلمة شكر لحضرات الذين أجابوا الدعوة متفضلين وجملة القول أن هذه الحفلة أصابت من النفوس أقصر غايات الاستحسان، فكان لديهم يد نعم اليد على البيان.
وبعد فلما قطعت هذه المرحلة الأولى رأينا أنها لا تصل وحدها بالبيان إلى الغرض الذي نرمي إليه ويرمي إليه عشاقه، وذلك إنا - كما يعرف ذلك كثير من خلطائنا - كنا وحدنا القائمين بجميع أعمال هذه المجلة من مادية وأدبية فكان لذلك أثر سيء على البيان - فما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه، فلم نر أبداً من أستاذ الأعمال الإدارية إلى ابن عمنا وشريكنا في هذا العمل ناجي أفندي البرقوقي - فكان ذلك، وأصبح حضرته من اليوم هو الذي يجعل أن يفاوض في جميع شؤون هه المجلة الإدارية وأهمها تعيين الوكلاء ومحاسبتهم. وبذلك أدرك البيان ما يتمنى، وأصبح البيان بحال تبعث على الطمأنينة التامة من جميع جهاته.
يبدأ أن لنا لدى حضرات المشتركين الذين اعتادوا أن يدفعوا الاشتراكات بواسطة المحصلين ولا سيما الذين يقيمون في غير القاهرة والإسكندرية أن يعدلوا عن هذه العادة جهد استطاعتهم بأن يكلفوا خاطرهم ويرسلوا إلينا قيمة الاشتراك في ميعادها مباشرة بواسطة البريد وبذلك يؤدون لنا ولأنفسهم ولوطننا المحبوب أجل خدمة. . سدد الله خطواتنا جميعاً إلى ما فيه الخير لمصر والمصريين. فلتحي مصر الحرة المحبوبة - وليحي كل مصري يعمل لمصر وإسعادها - وليحي من يقدر الواجب حق قدره.