مجلة البيان للبرقوقي/العدد 41/فكاهة الفاكهة

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 41/فكاهة الفاكهة

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 4 - 1918



للكاتب الصحافي المشهور سليم أفندي سركيس

يريد صاحب البيان مقالة لعدده الخاص، والذي أعلمه من مطالعة البيان أن كل عدد من أعداده خاص، حافل بالموضوعات الجليلة، وأنه امتاز بصراحته في النقد وأمانته في النقل، وامتاز أيضاً بحسن انتقاء الموضوعات على أن صاحب البيان امتاز بأمر آخر هو التشبث بإصدار مجلته كل هذه السنوات تشبث شهيد، فإنني على ثقة من أنه ينفق في هذا السبيل أكثر مما يستفيده من قرائه، إنهم يعطونه فضلات أموالهم بشيء من التردد والتسويف وهو يعطيهم وقته كاملاً واجتهاده وأكثر ماله، ما علينا من كل هذا، إنه يريد مقالة لعدد خاص، وهذه مقالتي - فكاهة من الفاكهة.

يتساءلون: لماذا ينجح الغريب المتاجر في مصر دون المصري فيها، أما أنا فإنني لا أعرف شيئاً من أسرار التجارة ولكنني عرفت حادثة من حوادث جمة علمت منها بعض الأسباب التي من أجلها يكون التاجر الغريب ناجحاً دون المصري، أوردها للقراء لعلّ في إيرادها عبرة ورادعاً.

كانت الساعة السادسة مساءً، وكنت في منزلي، فخطر لي أن أمتع نفسي بشيء من المشمش الحموي وخشيت أن لا يحسن خادمي مشترى ما أريد من الباعة ثم تذكرت أن هناك رجلاً مصرياً أنفق مالاً كثيراً على الاتجار بالفاكهة وله مخزن كبير في نقطة مشهورة فتناولت دفتر التلفون ولبثت أقلب صفحاته إلى أن عثرت على نمرته فخاطبته وكان حديثنا كما يأتي:

- هالو

- هالو

- هذا محل فلان الفكهاني؟

- نعم وأنا هو

- أهلاً وسهلاً، سعيده

- سعيده يا سيدي.

- قل لي بحياة أبوك عند كشي مشمش حموي؟ - مين حضرتك؟

- إنك لا تعرفني فهل عندك مشمش حموي؟

- ليه؟

- أريد أن أشتري قليلاً منه فإن كان عندك عرفني عن ثمن الاقة لأرسل خادمي بالثمن.

- ومين حضرتك؟

- لا يهمك معرفتي لأنك لا تعرفني.

- إذاً ما أعرفش.

وترك التلفون. . وتركني، وترك ما عنده من المشمش وترك الفلوس في جيبي وترك تأثيراً سيئاً في نفسي.

هذا الحادث ردّد إلى خاطري الحادث الآتي:

كنت في منزلي، وكانت الساعة الخامسة، وفاجأني بعض الزائرين، وأردت أن أحسن الضيافة، فتناولت دفتر التلفون وطلبت نمرة بقال يوناني وهذا ما جرى بيننا من الحديث على علاته:

- هالو

- هالو

- هذا مخزن فلان؟

- أيوا يا سيدي.

- أريد قليلاً من الماكروني.

- حاضر أفندم، من أي صنف.

- من الأحسن.

- مين حضرتك.

- أنت لا تعرفني فلا يهمك أن تعرف من أنا، ولكني سأرسل خادمي إليك فأرجوك أن تعطيه أحسن صنف.

- ماعليش يا سيدي، بلاش ترسل الخدام، أخبرني عن اسم حضرتك ونمرة البيت والشارع فأرسل لك العينات مع خادمي وهو يعرفك عن الثمن.

وفعلاً جاءني خادمه واشتريت ما يلزم ثم اشتريت ما لا يلزم أيضاً ولا أزال أشتري منه حاجات بيتي.

الفاكهاني يخسر ومحله يصغر، وبضاعته تفسد ويقل عدد زبائنه.

والبقال يكسب، وصار محله كبيراً، وبضاعته جديدة ورائجة، وعدد زبائنه يزيد أما أنا فأرى رأي البقال الرومي.