مجلة البيان للبرقوقي/العدد 34/تفاريق

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 34/تفاريق

ملاحظات: بتاريخ: 20 - 3 - 1917



ثمن السكوت

ليس السكوت كبير القيمة غالي الثمن في الروايات فقط وفي الحكم والأمثال والمواعظ. بل إن كثيراً من أكبر مخترعات الدنيا قد اضطرت الحكومات إلى ابتياعها من أصحابها لكي لا تذيع أسرارها بين الناس.

من ذلك إن حكومة الولايات المتحدة تدفع عشرة آلاف جنيه في كل عام إلى أسرة حقيرة تسمى أسرة فرانكس، وتفصيل الأمر أنه كان منذ عشرين سنة رجل منها يدعى جوستاف فرنكس استطاع أن يخترع طريقة يتمكن بها من إزالة الأثر الذي يتركه خاتم مصلحة البريد على الطوابع الموضوعة فوق الرسائل والخطابات بدون أن يفسد الطوابع نفسها، بل يردها جديدة كأن لم تختم بخاتم البريد، وكان هذا المخترع كافياً لأن يجلب لهذا الرجل أكبر مقدار من الثراء، وكان يكون له مادة واسعة للربح والإغتنام. وذلك بأن يجدد الطوابع المستعملة ثم يعود إلى بيعها، ولكن لحسن حظ الحكومة أنه كان رجلاً أميناً. وكان ثمن أمانته عشرة آلاف جنيه في السنة. وذلك أن الحكومة دفعت إليه هذا المقدار لكي يعدم هذه الأداة التي اخترعها ويظل على سكوته ويبقى صامتاً جامداً على سره، وسيكون هذا المبلغ معاشاً لأولاده من بعده.

وهناك حادث شبيه بهذا جرى للحكومة الإنكليزية وذلك أن رجلاً يدعى بلدوين طلب منذ سنين أن يجتمع بمدير بنك إنجلترة فلما أدخل عليه قدم له ورقتين من الأوراق المالية متفقتي الشكل، متماثلتي الصورة، وأنبأه بأن البنك لم يصرفهما خطأ ولكنه هو الذي اخترع آلة تستطيع أن تقشر من الورقة المالية ورقة مثلها على الرغم من ضعف سمكها المتناهي فيكون من ذلك ورقتان ماليتان متشابهتان أتم الشبه، فلم يسع مدير البنك إلا أن يشتري السر منه، ولم يخرج الرجل من حجرة المدير إلا مالياً متمولاً من كبار الأغنياء.

ومنذ عشرين ستة استطاع كيماوي يدعى سويريدج أن يخترع مفرقعاً أسماه الفولمنيت، استطاع به أن يمد مسافة مرمى المدفع إلى نحو خمسة أميال، ولكن الحكومة الإنكليزية لم تشتر منه المخترع، لأنها لم تكن تفكر يومذاك في فائدته، وقد حاولت ألمانيا أن تشتري من الرجل سره بأي مبلغ من المال يطلب، ولكنه ظل على رفضه، وشاءت الأقدار إلا أن يطير جسم هذا المخترع بدداً صغيرة من أثر انفجار مخترعه وهو يشتغل في معمله، فمات السر، ولم يستطع العلماء أن يعرفوا له أثراً.

ثرثرة البرلمانات

كثرة الثرثرة ولا ريب في مجالس البرلمان في هذه الأيام، واشتدت حرارة الأسئلة، وحمي الإستفهام بأذهان الأعضاء، فقد دل الإحصاء البرلماني لا خير عن محاضر جلساته أن مستر جنيل العضو المعروف سأل الوزراء 869 سؤالاً في ثلاثة أشهر فقط، ويليه في كثرة الأسئلة مستر هوج فقد سأل ستمائة سؤال وستة أسئلة، وإذا علمت أن مندوب وزير الحربية في المجلس هو الهدف الأول لهذه الرمايات العديدة، فلا تعجب إذا علمت أن مستر تيانت الذي كان مندوباً للوزير الحربي في المجلس أجاب في دور واحد من أدوار إنعقاد البرلمان 2111 سؤالاً ثم ناب بعده مستر فورستر فكان عدد الأسئلة التي وجهت إليه1685 سؤالاً ثم ناب بعدهما مستر اسكويث فأجاب على 1652 سؤالاً.

ولعل أكثر المتكلمين ثلاثة في البرلمان الإنكليزي أولهم مستر والترلونج فقد تكلم في دور واحد بما ملأ 229 عموداً من محاضر الجلسات ثم مستر هوج بنحو 219 نهراً ومستر اسكويث 202

غني كبير واشتراكي متطرف

في آنٍ واحد

أغرب ما يمكن من متناقضات الحياة أن يكون الإشتراكي هذا الرجل الرحيم القلب الذي يدافع عن العمال الفقراء، ويناضل في سبيل إصلاح شأن المساكين والصغار والقاعدي الحال، متمولاً يربح المقدار الطائل من الجنيهات، وأغرب منه أن يكون أديباً، وأن يكون كاتباً.

إذن فهل تعرف من هو هذا الإشتراكي المتمول، هو برنارد شو الروائي المشهور فهو يكسب الآن من كتبه ورواياته والضرائب التي يضربها على المطابع وشركات التمثيل أربعمائة جنيه في الأسبوع!!

ولكن يجب أن لا يحسد مثل برناردشو على مقدار مثل هذا وهو الآن قد بلغ الستين، وكان في أول حياته يعاني أشد ضروب الفقر، ونكد الطالع إذ بدأ حياته العملية محصل ضرائب أو (جابياً) كما نسميه نحن. وإن كان الآن من ذوي الأطيان والعقار، ويدفع للحكومة في السنة أكثر مما كان يجنيه لها من قبل، ثم لم يجد حظاً في الجباية فانحدر إلى لندن واشتغل عاملاً بسيطاً في شركة التليفون، ولكنه لم يلبث أن سئم هذه الصناعة، فكان بعد ذلك أول عهده بالكتابة، ولكن أول كتابته كانت شؤماً على الصحيفة اليومية التي نشرت مقاله فإن جميع المشتركين والقراء رفضوا الصحيفة، ولم تلبث أن أفلست بفضل قلم برناردشو، ثم بدأ يكتب في نقد الموسيقى فأقفلت عدة مراقص في المدينة، ثم صادفه بعد ذلك حسن الطالع فأصبح اشتراكي اليوم يكسب 400 جنيه من الورق.

كيف تكتب معاهدات الصلح

عندما ينتهي عمر هذه الحرب، ويتبدد في الفضاء صدى آخر قنبلة، سيكتب المتحاربون بينهم معاهدات الصلح ولا ريب وسيكون هذا الكونتراتو الدولي غريباً في نوعه، مدهشاً في قيوده، والمتفق عليه في كتابة عقود الصلح أن يكتب العقد بخط اليد من أوله لأخره ثم يختم بأختام كثيرة ثم يجلد ويلف في لفائف وأشرطة من الحرير الأخضر وهم قد اصطلحوا على أن يبدأوا العقد بهذه الكلمات باسم الثالوث الأعظم المقدس! ولعل ذلك ضرب من التناقض المضحك الغريب. إذ يعودون آخر أمرهم إلى أوامر الدين وكلماته بعد أن أساؤوا إليه بالدماء التي سفحوها والنفوس التي طاحوا بها. والشباب والولدان والأيامى واليتامى الذين مضوا إلى الله في سبيل وحشية السياسة.

ولما كانت تركيا ستدخل نهاية لحرب ضمن المتهادنين، فسيكتب لها في نسختها بدلاً من هذه الفاتحة بسملة السلام وتوضع بسم الله الرحمن الرحيم في رأس العقد.

ويكتب من العقد صور بعدد الدول التي ستضع إمضاآتها في ذيله ثم تحفظ الصور الأصلية في دفتر خانات الحكومة وتؤخذ منها صور أخرى للرجوع إليها ونشرها بين الناس.

وهذه العقود لا تكتب كما تكتب العقود الإعتيادية، أعني على طول الصحيفة، وإنما في أنهار متوازية، وبعدد اللغات التي تتكلمها الدول المتصالحة، ويراعى في الترجمة كل مجهودات الذكاء اللغوي في تقريب اللفظ والمعنى المرادفة في اللغة الأخرى.

أسرة تتألف من 66 فرداً

يفخر الصينيون بكثرة عدد أهل الأسرة الواحدة، والأسرات الكبيرة العدد هي التي تظل رافعة الرأس، تياهة العطف، لأنهم يعدون وجود أفراد كثيرين تحت سقف واحد، يحتويهم بيت واحد، دليلاً على سلامة القلوب، وحسن التربية ومن أكبر فخرهم أن يكون في البيت الواحد خمسة أجيال من الأسرة أعني أن يكون هناك أجداداً وآباءً وأحفاداً وأحفاد الأحفاد، وقليلون من يظفر بهذه المزية. وهم على نقيض ذلك يعدون الأسرة التي تتألف من أربعة أفراد أو خمسة دليلاً على الفساد والسوء والشؤم، وإن كانت من أغنى أغنياء المملكة كلها، أو من أكبر أصحاب السلطة فيها.

وفي مستعمرة واى هاي واى امرأة عجوز تتألف أسرتها من ستة وستين شخصاً، وأعجب من ذلك أن ليس لهؤلاء الستة والستين إلا خادم واحد يخدمهم، ولعل هذا الخادم أشقى جميع خدم الأرض حظاً، وأنكدهم حياةً.

الأيتام في أوستراليا

يصح لنا أن نقول أنه لا يوجد في أوستراليا أيتام. وذلك ليس لأن هناك آباء يموتون، ولكن لأن كل والد يموت ويترك وراءه يتيماً لا نصير له، تتقدم الحكومة فتتبناه، فالأيتام إذن أولاد الحكومة، إذا لم يكن هناك أقارب لهم يأخذون على عاتقهم رعايتهم.

والحكومة الأوسترالية تأخذ الطفل اليتيم فتعهد به إلى مصلحة تسمى مصلحة الأيتام، وهذه توجد له مكاناً في بيت من بيوت الريف، وتدفع بهم إلى المربين، وتنتقي له أحسن المواقع هواء وجوا وأوفق للصحة حتى إذا بلغ الثالثة عشرة ورأت أنه قد أصبح صالحاً للعمل، أجرته لمربيته، وأخذت هي أجوره، فوضعت ثلاثة أرباعها في صندوق التوفير وأعطت إليه الربع ليأكل منه، وعندما يتقدم في سني الشباب، تعطيه جميع ما وفرته له، ليتحصن به في حياته المستقبلة، وإذا كان الطفل بنتاً كفلت الحكومة لها بائنة أو دوطة جميلة لأنها تعتبر نفسها إذ ذاك حماة العريس. وطوبي لمن تكون الحكومة حماته!!.

السجون البديعة

لعل حكومة نيوزيلنده أرفق الحكومات بالمساجين ففي سجون الجزيرة الجنوبية يسمح للمسجون أن يكون لديه جواد من جياد السباق وأن يراهن في الحلبة إذا أحب رهاناً، وفي سجون أخرى من المملكة يؤذن للودعاء من المساجين أن يخرجوا يوماً في الأسبوع للرياضة في المكان الذي يشاءون، وأصحاب السلطة في الحكومة النيوزيلندية يؤمنون بتأثير الهواء الطلق على الأخلاق. ومن ثم كل رجل يحكم عليه بالسجن يخيرونه بين أن يعيش داخل السجن أو أن يكون خارجه، وهم يضربون وراء السجون خياماً، وقد حدث مرة أن ظهر خطر هذه الفكرة إذا اتفق أن غضب المساجين من سجانيهم فعمدوا إلى سجنهم فضربوا جدرانه وانطلقوا هاربين بالخيام إلى صميم الغابات.

وفي بعض السجون مدرسة ليلية لتعليم المساجين العلوم العصرية. وهم ينتخبون الأساتذة من المساجين أنفسهم.

حب المشي

كان شارلز دكنز القصصي الإنكليزي الكبير من أكبر المشاة وكان يمشي عشرين ميلاً في اليوم وولترسكوت اعتاد أن يمشي في النهار 30 ميلاً على الرغم من عرجه، أما الشاعر وردسورث فكان يستطيع أن يمشي على قدميه 20 ميلاً بعد أن بلغ الستين من عمره وقد حدث للفيلسوف الطائر الصيت هربرت سبنسر وهو في الثالثة عشرة أن مشى ثمانية وأربعين ميلاً في اليوم. ثم سبعة وأربعين في اليوم التالي. وقد رؤوا أن الفيلسوف تولستوى مشى وهو في الخامسة والخمسين 13ميلاً في ثلاثة أيام وكان هؤلاء العظماء يسمون أمثال هذه المشيات البعيدة، كما يسميها أهل الصعيد في مصر (فركة كعب!).